قصة أليمة لنازحين عاجزين عن الحركة في مخيمات شمال سوريا | السياسة

By العربية الآن

إدلب- تقدمت دموع “غالية محمد” قبل كلماتها، وهي تستعيد ذكريات طفولتها والألم الذي خضعت له وهي عاجزة عن المشي مثل أصدقائها الأطفال، قبل بدء علاجها وإجراء عمليات جراحية لتساعدها على النهوض والوقوف على قدميها.

لكن لم تكتمل فرحتها، حيث فقدت والدتها وهي تبلغ 14 عامًا، فعادت الحزن يغمرها مجددًا، ثم تحولت الحرب إلى الشغل الشاغل بسبب الخوف الذي تلاحقها في بلدتها “أم نير” بريف إدلب الجنوبي، نتيجة القصف المتواصل بالطائرات الحربية والمروحيات، تقترب من قتلها تقريبًا.

تحكي غالية بجمل واضحة ومختصرة، تحمل العديد من الروايات المؤلمة، لحظات الرعب والهلع التي كانت تعيشها مع كل طيران للمروحية أو الطائرة، وانخراطها في الاختباء في مغارة أو بالتحديد “القور”، وهو مأخذ صغير تم حفره من قبل أسرتها، بعمق تجاوز الـ 5 أمتار في باطن الأرض بين الصخور القاسية، لحمايتهم من القصف بالصواريخ الفتاكة.

تحاول غالية وهي تستند إلى عكازين مغالبة مشاعر الحزن جراء ما أصابها (الجزيرة)

الرحيل نحو الغيب

“كأنّ يوم القيامة، الناس جميعًا خرجوا من القرية بوسائل متنوعة، حتى سائرين على الأقدام”، بهذه الكلمات وصفت غالية لحظة قصف النظام السوري والقوات الروسية لقريتهم بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة.

تعيد غالية ذاك اليوم الأول من شهر رمضان، قبل 4 سنوات، حين عبّر ابن أخيها عنها ووضعها على عربة زراعية جمعت بينهم العائلة كلها من رجال ونساء وأطفال، ليقودهم نحو الهروب إلى غير معلوم.

إفطار غالية في رمضان يقتصر على الأعشاب التي تجمعها أو على ما يجود به الناس (الجزيرة)

تقول غالية “ونحن صائمون، خرجنا والطائرات تشلّنا بقصفها، وأثناء سيرنا حوّلت العربة الزراعية (التراكتور)، واستغرق إصلاحه وقتًا أثناء انتظارنا، كنت أشهد كيف يهرب الناس من الموت، نازلين طريقًا لا ندري إلى أين يقودنا”.

ثم تضيف “بعد ساعات وصلنا إلى أحد أصدقاء أخي، ولكن في تلك الليلة لم أستطع النوم، ولم أستطع الانتظام في وجبة الإفطار بعد هذا اليوم الصعب، وكان كل ما أفعله هو البكاء والبكاء”.

الطفل حذيفة لا يستطيع مباشرة مهامه اليومية بدون مساعدة والدته نظرًا لإعاقته الدائمة (الجزيرة)

التكيف الصعب

تقول المواطنة السورية بحسرة “لم أقدر على تحمل النزوح في حالتي الصحية هذه. أنا عاجزة”، إلا أن أصدقاتها والجيران لم يتخلىوا عنها وحدها، بل قدموا لها الدعم حتى تخرج من أزمتها، وبدأت بالتكيف في خيمتها الجديدة.

أصبحت غالية تجلس وتخوض الحديث مع نساء المخيم، وبروحها الفكاهية تسعد كل من يحاورها، وتتمنى لكل من يمر بتجربة مشابهة ألا يبقى مقيدًا في خيمته، لأن هذه الحياة -كما تقول- “تستحق أن تعيش بكاملها، ونحن نستحق أن نكون سعداء””أنفسنا بأنفسنا”.

في شهر رمضان، تكون أمانينا ثمينة مع وجبة دجاج وبعض الفواكه، حيث يقتصر إفطارنا بعد يوم صوم طويل على طهي بعض الأعشاب التي نقوم بجمعها من الأراضي المحيطة بمخيمنا، أو على بعض الأطعمة من جيراننا وإخوتنا القريبين منا.

الحاجة فاطمة لا تستطيع السير على أقدامها دون الاستعانة بجهاز المشي (الجزيرة)

ليست الوحيدة

تعتبر حالة غالية واحدة من بين آلاف الحالات المشابهة العاجزة عن التحرك أو الانتقال بدون مساعدة، مثل حالة الطفل حذيفة الإبراهيم، ذو السبع سنوات. وُلد حذيفة في خيمة النزوح بإعاقة في كامل جسده ما عدا الرأس، وتُضطر والدته لنقله من مكان لآخر، وأن تطعمه بيدها، وتناشد توفير العناصر الغذائية الضرورية له، نظرًا لعجزها عن شراء حتى دوائه.

أما الحاجة فاطمة الحسين، التي فقدت أبناءها السبعة في الحرب، فلم تعد قادرة على المشي على قدميها بشكل طبيعي بسبب الحزن عليهم، بعد أن أصبحت وحيدة تعيش مع ابنتها في خيمة، تفتقد إلى أدنى مقومات الحياة، لتخرج متأيسة على سلم حديدي صغير، وتجلس أمام خيمتها منتظرة حلول المساء للعودة مرة أخرى.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version