أسرار بلاد الرافدين: كيف استطاع الذكاء الاصطناعي قراءة النصوص المسمارية القديمة؟
مقدمة
هذه المادة المستقاة من موقع نيو ساينتست، تركز على الكتابة المسمارية المرتبطة بحضارة بلاد الرافدين، العراق حاليا. تقدم المقالة لمحة عن جهود الباحثين في استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل قراءة نصوص قديمة تعود لأحد أقدم العصور في التاريخ الإنساني.
التطورات الحاصلة في قراءة الكتابة المسمارية
في قلب المتحف البريطاني بلندن، توجد مكتبة رائعة مخفية وراء باب مغلق، حيث يُخرج الدكتور إيرفينغ فينكل، مساعد أمين المتحف، لوحًا طينيًا قديمًا متصدعًا يحوي نقوشًا تندرج تحت إحدى أقدم لغات العالم. تحتوي هذه النقوش على تنبؤات عن المستقبل، وتظهر كأنها شكل من أشكال الدعاء للإله مردوخ، إله البابليين.
خلال التصوير، يبذل المصور جهودًا لالتقاط التفاصيل الدقيقة للنقوش. هذا العمل يعد تقدمًا ثوريًا في استخدام الحواسيب لإعادة إحياء سجلات تعود إلى ما يقرب من 5000 عام، لكن الكثير من هذه النصوص لم تُترجم إلى اللغات الحديثة بسبب تعقيدها، مما يتطلب خبرة مختصين مثل فينكل.
إلا أن الوضع تغير بفضل تطور الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الحواسيب قادرة على قراءة ودمج وترجمة الكتابة المسمارية، مما يتيح فهمًا أفضل لأعمال أدبية قديمة كانت غائبة لفترة طويلة.
فافتراضات جديدة عن الحضارات القديمة
تعود جذور الكتابة المسمارية إلى الألفية السادسة قبل الميلاد في بلاد الرافدين، وتحديدًا مع انتقال الناس من مستوطنات زراعية إلى مدن حضرية. كانت مدينة أوروك السومرية واحدة من أوائل المدن التي احتضنت سكانًا يصل عددهم إلى 50 ألف نسمة في ذلك الوقت. الوثائق السومرية المبكرة لم تكن تقسيمات أدبية، بل كانت تُستخدم لأغراض مثل تتبع المعاملات الاقتصادية.
تحولت الكتابة إلى وسيلة للتعبير الفني مع كتابة نصوص أدبية مثل “ملحمة جلجامش” التي تعكس الحياة الدينية والثقافية في ذلك العصر. وتأثير الثقافة السومرية لا يزال حاضرًا في نظامنا اليوم، خاصة من خلال الأرقام التي نعتمد عليها.
فك شفرات النصوص القديمة
يعد النظام المسماري وسيلة متعددة اللغات وليس لغة بذاتها، حيث يمكن اعتباره نظام كتابة مثل الحروف المستخدمة في لغات مختلفة. ومع ذلك، تظل الكتابات المعقدة والتحديات المعروفة تعيق الكثير من الأبحاث. وفي الكثير من الحالات، تبقى الألواح مكسورة أو مشوهة، مما يجعل فك شفرتها أكثر صعوبة.
تمثل مكتبة الملك آشور بانيبال من أقدم المكتبات التي نجت من الزمان، حيث تحوي ما يقرب من 30 ألف لوح تحوي نصوصًا متنوعة. أثر الحروب على هذه المكتبة يجعل الكثير من النصوص مفقودة ويصعب ترجمتها، لكن اكتشاف لوح بليمبتون 322 يعتبر تقدمًا مثيرًا، حيث يُعتقد أنه أقدم جدول لحساب المثلثات.
التقنيات الحديثة في فك الرموز
تستخدم التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والمشاريع الأكاديمية لتحليل الألواح وتقديم تسهيلات تواجه تحديات اللغة المعقدة. عمل الباحثون، مثل هيذر بيكر مع إميلي باغيه بيرون، على تطوير أنظمة ذكية للتعامل مع النصوص المسمارية. وللتعاون العالمي أهمية كبيرة في رقمنة النصوص وتحليلها.
الآن، يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية التنبؤ بالنصوص المفقودة وإجراء ترجمات حرفية بدقة. وقد تمكن بعض الباحثين من إدخال مفاهيم جديدة مثل تحديد تاريخ الألواح المجهولة باستخدام البيانات المتاحة.
نقش بيستون كمفتاح فك الشفرات
يعد نقش بيستون، المكتوب بثلاث لغات، حجر الأساس لفك الشفرة المسمارية. يعود تاريخه إلى 520 قبل الميلاد، ويحتوي على نصوص متعلقة بذكريات التمرد. وقد ساهمت اللغات المكتوبة بفضل هذا النقش في كشف أسرار اللغة الأكادية والسومرية. يمثل هذا الاكتشاف تقدمًا كبيرًا في فهم النصوص القديمة.
رابط المصدر