كيركيغارد: الفيلسوف والحب المستحيل
سورين كيركيغارد (1813 – 1855)، الفيلسوف الدنماركي الذي يُعد مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، يُعتبر أحد الأعلام في الفكر المسيحي. على الرغم من أن الدنمارك لا تحوي سوى 5 ملايين نسمة، إلا أن كيركيغارد تجاوزت شهرته حدود بلاده. مؤلفاته تُرجمت إلى العديد من اللغات حول العالم، مما يبرز أهمية الترجمة في توسيع نطاق الثقافة والمعرفة.
في هذا السياق، كيركيغارد هو ممثل رئيسي في التيار الوجودي المسيحي، خلافًا للوجوديين الملحدين مثل هيدغر وسارتر. الأشخاص الذين أثروا في الفكر الديني، على غرار برغسون وبول ريكور في المسيحية، يقابلهم فلاسفة عمالقة مثل ابن رشد وطه حسين في العالم الإسلامي.
قصة الحب العظيمة
لكن ما سيعنى به هذا المقال هو قصة حبٍ عميقة، قد تكون من أعظم قصص الحب في تاريخ الغرب، لكنها تبقى غالبًا غير معروفة في العالم العربي. إنها قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين.
بدأت القصة في أحد الحفلات الاجتماعية عندما كان كيركيغارد، البالغ من العمر 25 عامًا، وُوجه بنظرة صادفت الآنسة ريجين، التي كانت في الخامسة عشرة فقط. اقترن الحب من النظرة الأولى، واستمرت علاقتهما عبر ثلاث سنوات من اللقاءات والمراسلات، تلتها طلب رسمي ليدها، قوبل بموافقة عائلتها.
لكن في صباح اليوم التالي، شعر كيركيغارد بالاضطراب والندم. تساءل: “ماذا فعلت بنفسي؟” واعتبر ارتباطه نوعًا من الخطيئة. فقد شعر بأنه غير مؤهل لتحمل مسؤوليات الزواج، مما دفعه إلى فسخ الخطوبة بطريقة مؤلمة.
معاناة الفراق
عندما علم بزواج ريجين من شخص آخر، غمره الألم والجنون. هرب من الدنمارك، هربًا من الذكريات والمشاعر المتعبة، مفضلًا العزلة على مواجهة واقع ارتباطها برجل آخر.
ما يثير الدهشة في هذه القصة هو أن ريجين، التي عاشت حوالي خمسين عامًا بعده، رغبت في أن تُدفن بجوار كيركيغارد، وليس بجوار زوجها. كانت تعبيرًا عن حبها الخالد، حيث أرادت أن تُظهر بوضوح أن ارتباطها بكيركيغارد يتجاوز حدود الحياة والموت. لقد اعتبرت نفسها “زوجته”، حتى في غيابه.
في النهاية، تتجاوز قصة حب كيركيغارد ورجين التطورات الزمنية والمعوقات. تعكس تصورًا عميقًا عن الإيمان بالحب الذي لا يموت، حتى مع الفراق الجسدي، مما يسجل حالة فريدة من نوعها في تاريخ الرومانسية.