كيف تسهم الأسر السودانية المضيفة في مواجهة أزمة النزوح
الفاشر- في أحد المنازل البسيطة بقرية شقرة، الواقعة غرب مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تجمع ربة المنزل سعادة الفاتح مع عشرة نازحين تستضيفهم، ورغم قلة الإمكانيات، إلا أنها تعكس قيم الكرم والتسامح التي يتميز بها الشعب السوداني.
بينما كانت سعادة تذهب لجلب المياه من بئر قريب على ظهر حمارها، أوضحت للـ”العربية الآن” قائلة: “ليس لدينا خيار سوى مشاركة ما لدينا من طعام مع هؤلاء الضيوف الذين هربوا من منازلهم بسبب العنف، ويجب علينا الآن مساعدتهم قدر الإمكان”.
وأضافت أن احتياجات النازحين تتزايد باستمرار، وأن المبادرات المحلية لا تغطي سوى جزء بسيط من تلك الاحتياجات. وتعبر سعادة، البالغة من العمر 35 عامًا، بحزن عن معاناة النازحين وصعوبات الأسر المضيفة، مشيرة إلى أن قلة الموارد تشكل عبئاً ثقيلاً عليهم وحاجتهم لدعم إضافي للتعامل مع هذا الوضع.
ظروف صعبة
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يقدر عدد النازحين في السودان بنحو 3.1 مليون نازح، بما في ذلك 1.5 مليون في دارفور وحدها، حيث يعيش معظمهم في مراكز إيواء غير رسمية تحت ظروف صعبة، بينما يعيش الآخرون مع عائلات مضيفة تواجه مشكلات كبيرة في توفير الغذاء والمياه والإيواء، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد.
الكثير من هؤلاء النازحين يعيشون في خيام بدائية وغير مؤهلة للعيش، مما يجعلهم عرضة لمخاطر الطقس القاسي وانتشار الأمراض، خصوصًا مع تزايد الأمطار في هذه الأيام.
عواطف إدريس من قرية “قولو” غرب الفاشر، قالت للـ”العربية الآن” إن منزلها المتواضع لم يمنعها من استضافة عشرة أفراد من الأقارب الذين فروا من الفاشر، مؤكدة أنهم سيستمرون في الاستضافة، ولا يمكنهم التخلي عنهم، وقد أصبحوا جزءًا من الأسرة، ويكافح الجميع للحصول على الغذاء.
وفي السياق، ذكر الناشط التطوعي محمد علي آدم أن استضافة النازحين في القرى الفقيرة تمثل تحديًا كبيرًا للأسر المضيفة. موضحًا أن هذه العائلات بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية، ويشكل احتضان نازحين عبئا متزايدًا يعمق معاناتهم، ليشدد على ضرورة تدخل المنظمات الإنسانية لمساعدتهم.
تأثير نفسي
يقول الباحث في علم الاجتماع محمد سليمان إن استضافة الأسر الكبيرة من النازحين يمكن أن يسبب ضغوطًا نفسية واجتماعية كبيرة، خصوصًا في ظل انعدام الموارد المالية الكافية.
ويضيف سليمان، أن هذه الظروف قد تؤدي إلى توترات في العلاقات الاجتماعية وزيادة التنافس على الموارد النادرة، حيث تواجه الأسر المضيفة في دارفور تحديات متعددة في توفير الموارد الأساسية، مما يؤثر على قدرتها في تلبية احتياجاتها.
ويشير أيضًا إلى أن تبعات هذه الظروف قد تؤدي إلى الفقر وظهور مشاكل سلوكية واضطرابات نفسية بين الأطفال والشباب في المجتمعات المضيفة، إضافة إلى أن معظم النازحين يحملون آثار صدمات نفسية نتيجة النزاع والمغادرة المفاجئة لمنازلهم.
كما يوضح أن تفكك الروابط الأسرية قد يجعل النازحين عرضة للعزلة والاغتراب في المجتمعات المضيفة، مما يعزز فرص الاستغلال والتهميش الاجتماعي. ويشدد على ضرورة تقديم برامج دعم نفسي واجتماعي للنازحين والأسر المضيفة لمساعدتهم على التكيف مع الظروف الجديدة.
تحديات
في ضوء الظروف الحالية، حيث عدم وصول المساعدات الإنسانية للجميع، يبرز التاجر المتجول آدم هارون التأثيرات السلبية لاستضافة النازحين، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة في المناطق الريفية زادت من الطلب على المواد الأساسية كالطعام والسلع الأخرى، ضاغطة على الموارد المتاحة.
ويضيف هارون أن هذا الضغط الناتج عن الزيادة في الطلب أدّى إلى تدهور مستويات المعيشة وارتفاع الأسعار، محذرًا من الأعداد الكبيرة من الأسر النازحة التي وصلت إلى القرى الريفية غرب الفاشر، خصوصًا منطقة شقرة وطويلة، الأمر الذي زاد من ظاهرة البطالة والفقر.
ويؤكد هارون على أهمية تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة لتخفيف العبء عليها وزيادة قدرتها على تلبية احتياجات النازحين.
وفي السياق البيئي، يشير الناشط أسامة عبد الله إلى أن النزوح تسبب في استنزاف الموارد الطبيعية، مثل قطع الأشجار للفحم، وزيادة المخلفات التي تشكل تحديًا أكبر في إدارتها.
كما أكد عبد الله أن النزوح بشكل عام تسبب في ضغط إضافي على الخدمات العامة في القرى المضيفة، مما يحتم على المجتمعات المحلية اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة هذه القضايا. وأوضح ضرورة تعاون الحكومات والمنظمات المعنية لوضع استراتيجيات شاملة للتعامل مع هذه الآثار من أجل بناء سلام مستدام.
رابط المصدر