هل تفك وسائل التواصل عقدة العزوف في رئاسيات الجزائر؟
الجزائر- شهدت انتخابات الرئاسة الجزائرية لعام 2024 حضورًا بارزًا للاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المرشحين، حيث قاموا بتخصيص فرق تقنية متخصصة لمواجهة التحديات في “ميديا جديدة”، بهدف مشاركة الناخبين محتوى برامجهم الانتخابية. ومع ذلك، فإن التجمعات الحزبية التقليدية التي كانت تقتصر على مناضلي القواعد التنظيمية أصبحت ذات تأثير محدود على الناخبين.
بينما يرى البعض أن هذه الوسائل فعّالة نظرًا لسرعتها وانتشارها وانخفاض تكلفتها، يشير مراقبون إلى قيود تأثيرها، خاصة أن معظم الناخبين من فئات عمرية متقدمة وغير مدمجة بشكل كاف في التكنولوجيا الحديثة.
فيما يتعلق بالبنية التحتية لتكنولوجيا الاتصال، يكشف تقرير رقمي لعام 2024 عن منصة “داتا ريبورتال” أن عدد خطوط الهاتف النقال في الجزائر بلغ 50.65 مليون خط، بينما وصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 33.49 مليون مستخدم، أي حوالي 72.9% من عدد السكان.
تحكّم
إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن متوسط سرعة تدفق الإنترنت في الجزائر يقدر بـ21.36 ميغابايت في الثانية، مع 12.32 ميغابايت للإنترنت الثابت. وقد بلغ عدد مستخدمي فيسبوك حوالي 24.85 مليون مستخدم، متفوقًا على يوتيوب الذي لديه 22.80 مليون مستخدم، ثم إنستغرام بـ11.40 مليون، وسناب شات بـ7.88 ملايين، ولينكد إن بـ3.90 ملايين، ومنصة إكس بـ1.24 مليون مستخدم، في حين سجلت تيك توك تواجدًا لأول مرة مع 17.42 مليون مستخدم.
وفي تعليقه حول هذه المؤشرات، أكد يزيد أقدال، خبير في الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات، على أهمية مراعاة بعض الملاحظات الأساسية.
وأشار، في حديث للجزيرة نت، إلى أهمية المعرفة بالفئات العمرية التي تستخدم وسائل التواصل وما إذا كانت ضمن قائمة الناخبين، بالإضافة إلى مدى إلمام فرق المترشحين بالتقنيات التي تساهم في انتشار المحتوى التسويقي.
في هذا الإطار، صرح أحمد الأمين بوعدي، مسؤول الإعلام الرقمي في حملة المرشح حساني شريف، بأنهم يستهدفون تحقيق 100 مليون وصول إلكتروني خلال فترة الحملة عبر الفضاءات الرسمية فقط.
وأوضح للجزيرة نت أن الموقع الإلكتروني الرسمي يحتوي على خاصية المحادثة الذكية “شات بوت”، مما يتيح للمواطنين محاورة المترشح بشكل مباشر والاستفسار عن برنامجه الانتخابي المتاح باللغتين العربية والفرنسية، والمدعوم برمز “كيو آر” في جميع التصاميم.
كما أكد أن المرشح من حركة مجتمع السلم يمتلك حسابات على جميع المنصات التي يشرف عليها فريقه، بدءًا بحسابه على فيسبوك الذي يحتوي على 217 ألف متابع، حيث بلغ عدد الوصولات الإلكترونية 20 مليون منذ بداية الحملة في 15 أغسطس الجاري، بالإضافة إلى حساب تيك توك الذي يمتلك 40 ألف متابع.
ويقوم الفريق أيضًا بإنتاج جميع أنواع المواد المرئية والصوتية لتغطية الجولات والتجمعات، مع ألبومات الصور وملخصات الفيديو، فضلًا عن إعداد برنامج المترشح باستخدام الفيديو غرافيك، ونشر ما يتراوح بين 15 إلى 20 منشورًا يوميًا عبر كل منصة، وفقًا لما أضافه بوعدي.
تفاعل
أشار وليد زعنابي، نائب مدير حملة المرشح يوسف أوشيش، إلى تشكيل خلية اتصال رقمي تتألف من فريق من الشبان المدربين في استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث تم تدريبهم سابقاً على كيفية إدارة المحتوى السياسي والدعاية الانتخابية.
وتحدث زعنابي للجزيرة نت قائلاً إن التفاعل على منصاتهم زاد بشكل ملحوظ خلال الحملة، حيث يعملون على تشجيع التفاعل مع المهتمين، مؤكدًا أهمية هذا التفاعل لزيادة انتشار جبهة القوى الاشتراكية على المستوى الوطني.
أما صفحة المترشح عبد المجيد تبون على فيسبوك، التي تحتوي على 92 ألف متابع حاليًا، فهي تركز بشكل كبير على التفاعل مع المواطنين واستقبال مشاغلهم اليومية، خاصةً كونهم يتواصلون مع رئيس يسعى لفترة ثانية. وتتناول الصفحة موضوعات مثل رفع منحة البطالة وزيادة السكن الاجتماعي وكذلك توظيف العمال وتوازن التنمية بين مختلف المناطق.
ويلاحظ أن فريق الصفحة يحرص على التعقيب التفاعلي من خلال إبراز التزامات الرئيس المترشح تجاه المواطنين في المرحلة المقبلة، سعيًا لإقناعهم بتجديد الثقة فيه.
وفيما يتعلق بتأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مرشحي الرئاسة على تقليص العزوف الشبابي عن الانتخابات، أكد محمد دحماتي، مدير مخبر بحوث ودراسات في الميديا الجديدة بجامعة محمد بوضياف، أن لهذه الوسائل دورًا كبيرًا في الحملات الانتخابية بالجزائر.
وأضاف أن السبب يعود لتزايد استخدام التكنولوجيا الحديثة بين الجزائريين، حيث تشير التقارير إلى أن 75% من السكان فوق الثامنة عشرة يستخدمون الشبكات الاجتماعية. وبالتالي، فإن الاستخدام الفعّال لهذه الأدوات من قبل المرشحين قد يسهم بشكل كبير في تقليل العزوف عن المشاركة السياسية.
وفي تصريح له للجزيرة نت، أشار دحماتي إلى أن وسائل الإعلام الجديدة تمنح الفرصة للمرشحين للتواصل المباشر مع الشباب، وتبادل الآراء، وعرض برامجهم الانتخابية بطرق جذابة ومبتكرة. كما أن المرشحين عبر منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وإكس يستطيعون الوصول إلى جمهور واسع وبناء تفاعل مستمر معه، مما يعزز من من توظيف الشباب في العملية الانتخابية.
زيادة ملحوظة
أظهر مسح كمي ونوعي لحضور “الميديا الجديدة” في الاستحقاقات الرئاسية الحالية زيادة ملحوظة في تفاعل الشباب مع المحتوى الانتخابي عبر وسائل التواصل من خلال التعليقات والإعجابات والمشاركة، مما يشير إلى رغبة حقيقية في الانخراط في العملية الانتخابية.
وشدد الباحث على أن الرسائل التي تتماشى مع اهتمامات الشباب وقيمهم تعزز من الثقة بين المرشحين والشباب، مما يسهم في تقليل حالة اللامبالاة تجاه الانتخابات. ولكن تأثير هذه الوسائل مرتبط بعدة عوامل من أهمها مستوى التفاعل مع المحتوى المقدم، ومدى ثقة الناخبين في المعلومات المتداولة، وقدرة المرشحين على تقديم رسائل تتماشى مع تطلعات الناخبين.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل العوامل التقليدية المرتبطة بالاستقطاب الانتخابي، مثل الولاءات الحزبية والتأثيرات القبلية والدينية، مما يتطلب من الإعلام الجديد اتباع استراتيجيات تواصل مدروسة تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع الجزائري لضمان نجاحه في توجيه الناخبين.
من ناحية أخرى، يرى إدريس بولكعيبات، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة “قسنطينة 3″، أن أكبر شريحة مستخدمة لوسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر هي من المراهقين الذين لم يصلوا بعد للسن القانونية للمشاركة في الانتخابات، بينما الشريحة الأخرى هي من الشبان غير المسيسين أو “اللامنتمين”، مما يطرح تحديات لاحزاب المجتمع المدني في استقطاب هذه الطاقة الهائلة لخدمة القضايا الكبرى.
وقال بولكعيبات –للجزيرة نت- إن وسائل التواصل الجديدة غالبًا ما تُستخدم كفضاء للترفيه والتنفيس وبناء علاقات اجتماعية، ولكن ليس لأغراض سياسية.