كيف ستتعامل الصين مع شعار ترامب “أميركا أولا”؟
يعتبر خبراء السياسة الدولية أن الصين تسعى لتجاوز الولايات المتحدة كقوة رائدة على الساحة العالمية. ويُعتقد أن الولايات المتحدة تحاول عرقلة هذا التقدم، حيث تصف بكين واشنطن كأهم تحدٍ لهيمنتها.
في هذا السياق، لاحظت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير سابق ضرورة أن تسعى الإدارة الأميركية المقبلة نحو تحقيق نوع من التعايش الفعال الذي يُتيح لكل من واشنطن وبكين التنافس بصورة مسؤولة، مما يُقلل من تهديد النزاع المسلح ويحفظ الاستقرار السياسي الحالي.
بعد نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية التي جرت في بداية هذا الشهر، يثبت استعداده لإدارة السياسة الأميركية تجاه الصين مجددًا، ويستعيد العالم ذكريات فترته الرئاسية السابقة وما صاحب ذلك من توجهات نحو بكين.
ترامب والصين
تشير مجموعة الأزمات إلى أن هناك ثلاث نقاط رئيسية تشكل منهج ترامب في علاقته بالصين:
- يفسر ترامب العلاقات الأميركية الصينية بشكل أساسي من منظور التجارة، ويبدو أنه ملتزم بفك الروابط الاقتصادية بين البلدين.
- تظهر تصريحاته خلال الحملة الانتخابية توجهًا تجاريًا، حيث يعيد التركيز على تحقيق علاقة اقتصادية أكثر توازنًا مع الصين.
- هناك مستوى عالٍ من عدم القدرة على التنبؤ في مواقف ترامب، حيث اتخذ مواقف متناقضة طيلة فترة رئاسته بشأن القضايا الاقتصادية والسياسية.
بناءً على ذلك، يعتبر محللون أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تتصاعد نتيجة للصعود الاقتصادي السريع للصين، مما أثار قلق المحافظين الجدد في واشنطن.
التنافس الاقتصادي
تشكل الولايات المتحدة والصين القوتين الاقتصاديتين والعسكريتين الرائدتين في العالم، حيث يمثلان معًا حوالي 43% من الناتج العالمي و49% من الإنفاق الدفاعي العالمي في عام 2023. ويُعتبر تصاعد المنافسة الاستراتيجية بينهما محورًا أساسيًا في النظام الدولي المتغير.
يقول إينار تانجين، كبير الباحثين في معهد “تايهي”، إن الولايات المتحدة تعرضت لصراعات لم تُعالج بشكل كافٍ، حيث انخرطت في حروب على مدار 231 عامًا من أصل 248 عامًا من تاريخها، مُخترقة بذلك قوانين المعاهدات الدولية.
### تصاعد التوترات الأميركية الصينية
في ظل التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، اعتبر الباحث تانجين -خلال لقاء مع الجزيرة نت- أن الصراع بين القوتين بدأ عندما أدركت أميركا أن انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية لن يؤثر على طبيعة نظامها الاشتراكي. وأوضح أن هذا النزاع يمتد لسنوات، وما نشهده حاليًا هو مجرد فصل جديد في هذه القصة الطويلة.
### الأبعاد الاقتصادية للاحتكاك
يرى خبير الشؤون الأميركية الصينية في مجموعة الأزمات علي واين أن من المتوقع أن تتصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين خلال المرحلة المقبلة. لكنه يحذر من أن الاستمرار في تقليص التعاون بينهما قد يفضي إلى تصاعد المخاطر، حيث قد يعتقد كل طرف أنه يمكنه تحمل الأضرار الاقتصادية المترتبة عن نزاع محتمل.
### التحالفات الصينية في مواجهة التحديات
من المتوقع أن تستثمر الصين في تحالفاتها بهدف تعزيز علاقاتها مع الشركاء، بينما تسعى لتعزيز قوتها ضد الولايات المتحدة. يقول واين إنه قد يتمكن الجانب الصيني من إضعاف علاقات واشنطن مع حلفائها من خلال الإشارة إلى أن نهج “أميركا أولاً” قد يصبح القاعدة في السياسة الأميركية المستقبلية.
بينما يتفق تانجين مع هذا الطرح، إلا أنه يوضح أن الصين تسعى للحفاظ على السلام وعدم اتباع المسارات المؤدية إلى التصعيد، مشيرًا إلى أن الاستراتيجية الصينية تقوم على الصبر. كما يتوقع أن تستمر بكين في توسيع علاقاتها مع دول مثل روسيا وإيران لتعويض أي ضغوط تواجهها من القوى الديمقراطية.
### قضية تايوان: نقطة اشتباك رئيسية
تعتبر قضية تايوان من القضايا الحساسة بين الصين والدول المجاورة لها. حيث ترفض بكين أي اعتراف دولي بتايوان كدولة مستقلة، وزادت التوترات بعد إجراء مناورات عسكرية بالقرب من الجزيرة. ورغم أن الولايات المتحدة لم تعترف رسميًا باستقلال تايوان، إلا أنها أدانت هذه المناورات، مما أدى إلى تصاعد التصريحات الصينية ضد التدخل الأميركي.
مع عودة ترامب إلى السياسة الأميركية، يتوقع واين أن تسعى الصين لتقليل فاعلية الدعم العسكري المقدم لتايوان. ويشير الباحثون إلى أن الخلاف حول تايوان يمثل أحد الخطوط الحمر التي وضعتها الصين أمام واشنطن.
### توجيه دبلوماسي في الأزمة الأوكرانية
في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، تسعى الصين للموازنة بين مصالحها الاستراتيجية وعلاقاتها مع موسكو. يرى تانجين أن بكين لا تدعم الحرب، لكنها تسعى إلى إيجاد حلول من خلال الحوار، مشددًا على ضرورة حل القضايا الأمنية والسياسية عبر الأطراف المعنية بدون تدخلات خارجية.
وعلى الجانب الآخر، يعرب واين عن اعتقاده أن الصين ستستمر في دعم روسيا، مشيرًا إلى أن التخلي عن موسكو لن يغير الاتجاه العام للسياسة الغربية تجاه بكين.
—
*المصدر: الجزيرة*