في سياق منافسة عديدة للأعمال الدرامية خلال شهر رمضان لهذا العام، جاء مسلسل “روابط العائلة” كمفاجأة حقيقية، حيث نال إعجاب العديد من المشاهدين.
استطاع المسلسل أن يحتل المرتبة الأولى كأكثر الأعمال مشاهدة، وفقًا لمنصة “جوائز النقاد للدراما العربية”، كما نال إعجاب النقاد وتم تصنيفه بين أفضل الأعمال في النصف الأول من شهر رمضان.
المستلزمات تبرر الأحكام
إحدى أسرار نجاح مسلسل “روابط العائلة” هو قصته المثيرة التي تركز على موضوع مثير للجدل وفكرة مبتكرة، حيث يجسد بطل العمل زوجًا يواجه خسارة ابنه الأكبر ثم الثاني، وتتفاقم الأمور بعد إجراء عملية إزالة رحم لزوجته نتيجة لحادث مروع.
يجد البطل نفسه بلا خلفية عائلية فجأة، ومع رغبته الشديدة في أن يصبح أبًا وشعوره بالذنب الكبير تجاه زوجته، يقرر خرق القوانين والتقاليد واستئجار رحم في محاولة يائسة لتحقيق حلمه من خلال التلقيح الاصطناعي لبويضات قامت زوجته بتجميدها قبل الحادث.
نظرًا لطابع الفكرة المثير للجدل والمسائل الصعبة، لم يكن من السهل تناولها دون إثارة غضب الجمهور، إلا أن القائمين على العمل نجحوا في تقديمها بشكل إبداعي حتى لم تثير الرفض.
ركز مؤلف العمل محمد هشام عبية على استكشاف الفكرة من منظورات متعددة تتنوع بين وجهات النظر الدينية والقانونية والطبية والاجتماعية، وكان من أهم النقاط مواقف الأطراف المختلفة منها وتباين وجهات النظر حولها.
السيناريو والإخراج والأداء في المسلسل على مستوى رائع
تقييم 10 من 10 👏🏻👏🏻#صلة_رحم pic.twitter.com/UQXudZboaB— هشام فؤاد (@HishamFouad) 24 مارس، 2024
لم يتم التركيز في العمل فقط على قضية تأجير الرحم، بل تم استعراض مشكلة أخرى ذات أهمية متساوية وخطورة، وهي الإجهاض الآمن، حيث تبرز الفكرة التي دافع عنها الدكتور خالد (محمد جمعة) بأنها تمنح النساء فرصة للحياة مرة أخرى.
في الحلقة 14 من “روابط العائلة”
خاصة في مشهد التحقيق مع الدكتور خالد وبعد الوقوف على المعضلات الأخلاقية المعقدة التي تمثلت في تقاطع القرارات الصعبة التي لم أتمكن من احتواء نفسي في نهاية المشهد وليس لكل ما قبله بل خاصة للممثل “محمد جمعة” الذي لا يوجد دور مميز مثله 👏 pic.twitter.com/mAXNBd9Xnz— بشير (@MohamedGBeshir) 23 مارس، 2024
أما بالنسبة للدكتور حسام (إياد نصار)، فقد بدأ في الحلقات الأولى بتحكيم أفعال زميله، ولكن مع تعرضه لاختبار واقعي، تغيرت طريقة نظرته للأمور.
تلك التحولات الواقعية الحادة ذات البعد الإنساني التي يميز بها الأبطال، تجعلهم بشرًا عاديين على مقربة من ارتكاب الخطأ أو اتخاذ القرار الصحيح، وهو ما يدهش المشاهد ويجذب انتباهه، إذ يجده نفسه بسرعة يواجه سؤالًا حساسًا: ماذا سأفعل لو كنت مكان هذا الشخص؟ أي الحدود سأتجاوزها وأيها سأبقى ملتزمًا بها؟
يجدر بالذكر أن هذه المعضلات الصعبة هي إحدى سمات أعمال الكاتب محمد هشام عبية، الذي على الرغم من قلة إنتاجه الدرامي، إلا أنه يجيد وضع جمهوره أمام تلك التحديات، تمامًا كما حدث في مسلسلات سابقة مثل “بطلوع الروح” و”60 دقيقة” و”في كل أسبوع يوم جمعة”.
أداء متميز
تميّز مسلسل “روابط العائلة” أيضًا بأداء تمثيلي رائع من قبل جميع ممثليه، مع الأداء المتميز للممثل الأردني إياد نصّار الذيمواصلأحد أفضل أدواره، ويعيد لأذهان الجمهور أصداء ما سبق وحققه بمسلسل “موجة حارة” ومسلسل “هذا المساء”.
مُتبوعًا بالفنانة أسماء أبو اليزيد التي بالرغم من تواجدها المستمر خلال الأشهر السابقة عبر عدد من الأعمال كـ “بطن الحوت” و”جولة أخيرة” وفيلم “العميل صفر”، إلا أنها نجحت أخيرًا بتقديم مستوى جيد من التمثيل والتحاميش مع شخصية حنان، المرأة التي يلجأ إليها البطل لتأجير رحمها وتضطر للموافقة للهروب من ظروف حياتية خاصة، لكن ما لم تكن تتوقعه هو الرقص على الحد الهش بين شعورها بالأمومة الناتج عن الحمل وتجربتها لشهور طويلة وبين حقيقة أن الجنين ينتمي لأبوين آخرين وسوف يُقطعوه منها بمجرد ولادته.
بجوار البطلين الرئيسيين، نجح مُعظم أعضاء فريق العمل على المستوى التمثيلي، بمن فيهم الناضجة تمثيليًا يسرى اللوزى، واستمرارية حاضرة لمحمد جمعة مع حضور قوي ومحسوس، وهبة عبد الغني بدور سهام، الممرضة زوجة الشيخ التي تؤمن بلا مبالاة بما تقوم به، ولكنها تمارسه من أجل حماية أولادها من الجوع.
تألقت الممثلة السورية ريام كفارنة أيضًا بدور جيهان، حبيبة البطل السابقة التي يلجأ إليها ويستغل مشاعرها كثيرًا كلما يجد نفسه في موقفٍ صعب، وبالرغم من صعوبتها الأولى في اعتناق اللهجة العامية المصرية، فقد تحسنت مع تقدم الحلقات، وقدمت مشاهد قوية مع إياد نصار.
من بين مُفاجآت المسلسل على مستوى الأداء، محمّد السويسي وعمرو القاضي قد استطاعوا إظهار مواهبهما خلال المشاهد القليلة التي ظهرا فيها، ولفتت انتباه بعض الوجوه الجديدة على رأسها نورا عبد الرحمن ومحمد دسوقي.
كل ما سبق لم يكن ليتحقق بهذا الشكل لولا الحوار الحساس لعبية وإبداع المُخرج تامر نادي الذي تميّز بتحويل السياق بأكمله إلى صورة بصرية فريدة وكادرات تحمل درجة عالية من الحساسية، والأهم من ذلك قدرته على قيادة كامل فريق العمل وتحفيزهم على تقديم أفضل ما لديهم.
نهاية مثالية
من بين إيجابيات العمل الاهتمام بالموسيقى، بداية من أغنية “هتحارب مين” لمسلم التي صدرت قبل أيام من شهر رمضان، ونجحت في جذب الانتباه، ليقرر البعض متابعة العمل بسببها، وانتهاءً بالتتر الرائع الذي كتبه محمود فاروق ولحنه إيهاب عبد الواحد وغناه محمد عدوية بصوته وتوافقه مع الحبكة تمامًا.
وصولًا إلى الموسيقى التصويرية لأشرف الزفتاوي، التي أبرزت حالات الصراع الداخلي التي يمرون بها الأبطال، وعبّرت عن مشاعرهم في أصعب المواقف، لتكون واحدة من بطلات مشهد النهاية.
وبالحديث عن النهاية، يُمكن القول إن “صلة رحم” حقّقت إحدى أفضل النهايات الدرامية، حيث جاءت غير متوقعة، ولم تكن سريعة أو مُفتعلة، وهو أمر نادرٌ في الدراما العربية التي يجيد العديدون كتابتها لكن يُفسدونها بنهايات تقليدية أو غير مُنضجة دون احترام لذكاء الجمهور وحسه الفطري.
مسلسل “صلة رحم” عمل مهم يَسْتحق المشاهدة أكثر من مرة، وسرعان ما سينضم لقائمة المسلسلات العربية المُفضلة لدى العديد من عُشَّاق الدراما، والعمل مكون من 15 حلقة تم إنتاجه بواسطة صادق الصباح، ومن كتابة محمد هشام عبية، وإخراج تامر نادي.
وشارك في بطولته كلٌ من: إياد نصار، وأسماء أبو اليزيد، ومحمد جمعة، ويسرا اللوزي، وهبة عبد الغني، وريام كفارنة، وعابد عناني، ومحمد السويسي، وعمرو القاضي، ونورا عبد الرحمن.