مؤتمر سوري قومي للخروج من (الفخ)
وتداخلت مصالح هذه القوى بشكل يؤدي إلى ترسيخ الوضع الراهن وتعترض أي محاولة لتغييره، وما زال السوريون يعجزون حتى الآن عن تبني إطار قومي يتمتع بشرعية داخلية وخارجية تدير عملية التحول السياسي، وتحرير البلاد من القوى الأجنبية وبناء سوريا الجديدة.
في المجال الطبي نعتبر التشخيص السليم خطوة أساسية نحو العلاج الصحيح، لكن في السياسة، وخاصة في الوضع السوري، تكمن التحديات في تقديم تشخيص دقيق وصحيح قبل أي إجراءات عملية.بسبب أنّ في المجال الطبي حاضر توافق على تحديد الجسم السليم، وهذا ييسّر التوافق على التحليل، وبالتالي على العلاج الذي يهدف لإعادة وظائف الجسم إلى حالته (السليمة).
يحدث خلاف في الوضع السوري حول تعريف الجسم السليم، فالدولة التي يريدها نظام بشار تختلف عن الدولة التي تريدها الإدارة الذاتية تختلف عن الدولة التي يفضلها الجولاني تختلف عن الدولة التي يرغب بها ائتلاف الثوار والمعارضة.
التوافق حول (سوريا المرغوبة) لا يتبنى شكلا رسميًا، ولا يتحوّل المتفقون عليه إلى مرجعية وطنية ما لم يُعقد مؤتمر وطني يجمع ممثلين من جميع التوجهات السورية.
لهذا السبب، نحتاج إلى خطوة تسبق التحليل، وهي التوافق حول تعريف الجسم السليم أو سوريا المرغوبة، ورغم وجود العديد من الأفكار حول شكل سوريا القادمة مدوّنة في وثائق الكيانات السياسية السورية السابقة والجديدة ويمتحنها الشخصيات الوطنية السورية في مقالاتها وكتبها ومحاضراتها ومداخلاتها الإعلامية وهي أفكار متقاطعة في 90% من رؤاها.
غير أنّ هذا التوافق حول (سوريا المرغوبة) لا يشكّل شكلاً رسمياً، ولا يتحوّل المُتفق عليه إلى مرجعية وطنية ما لم يُعقد مؤتمر وطني يضم ممثلين من جميع التوجهات السورية، ليعتمدوا وثيقة وطنية وينتخبوا هيئة تنفيذية تكون هي المرجعية التي تقود عملية الانتقال السياسي.
ولكن هل ليست فكرة المؤتمر الوطني فكرة تكررت محترقة امتحانها أظهر فشله وأحرق السوريون من عرضها؟ لا أعتقد ذلك. حتى الآن، لم تجري أي محاولة لعقد مؤتمر وطني واسع يؤسس لسوريا الجديدة.
- تطرح أفكارًا عامة ولا تقدم مبادرات عملية مفصّلة للتحديات الكبرى التي تواجه السوريين، مثلًا، مبادرة لإخراج العملية السياسية من الجمود الحالي وإعاقة النظام، مبادرة لإدارة فعالة في شمال سوريا وتنظيم العلاقة مع تركيا، وهكذا.
ينبغي للكيانات السياسية القديمة والجديدة اللعب بدور مهم في الاستعداد لمثل هذا المؤتمر مع شرط أن تعمل تلك الكيانات السياسية على ذاتها بحيث تمتلك تأثيراً شعبيًا حقيقيًا وهيكلية تنظيمية تضمن لها الفعالية والاستمرار.
في النهاية، يجب أن يستمر محاولة الخروج من الوضع الحالي، احتراما للملايين الذين فقدوا حياتهم واعتقلوا ونزحوا من أجل سوريا الحرة الكريمة، وتنسيقا مع اعتقادنا بأن الإنسان السوري يستحق الحرية والكرامة ولا يسمح الاستمرار بنهبها من قبل قوى النظام الراهنة التي تتشارك في السيادة السورية.