مئوية ‘ملوك العرب’: أمين الريحاني في عصرنا الحديث

By العربية الآن


## أدب أمين الريحاني: رؤية تجديدية في الأدب العربي
في بداية شبابه، عُرف أمين الريحاني بميول استبطانية ورومانسية، لكن مع مرور الزمن، تطورت أفكاره وعطاءاته الأدبية بشكل ملحوظ. بالمقارنة مع جبران خليل جبران الذي يصغره بسبع سنوات وشارك معه تجربة الهجرة إلى الولايات المتحدة، يبرز اختلاف كبير بينهما. جبران كان يحمل رؤية روسوية تحترم الطبيعة وتنتقد المجتمع، بينما وجدنا الريحاني مرتبطًا بالحياة الواقعية وقضاياها، مما جعله يشعر بأن شخصيته الناضجة قد انفصلت عن شبابه. هذا التوجه قاده إلى الانخراط في الصحافة وأدب الرحلات، وأنتج كتابه “ملوك العرب”، الذي يحتفل هذا العام بمئويته، مما يمثل أبرز تجسيد لهذا التوجه.

## الريحاني كصحفي مختص: تحقيقات عميقة
بصفته كاتباً صحفياً بارزاً، كان الريحاني من روّاد التحقيق الصحفي، وهو أحد أبرز أنواع الكتابة التي تتطلب ثقافة واسعة ومتابعة شاملة. في عمله، كان يولي أهمية خاصة لكل فرد يقابله، مع العلم أنه كان يستخدم النقد ولكنه لم يتخطى حدود المشتهى. قدمت نصوصه إسهامات معرفية رفيعة يمكن وصفها بمصطلحات الف sociology و anthropology، إذ تناولت موضوعات متعددة.

## تحديث اللغة العربية
عمل الريحاني على تحديث اللغة العربية وقدم إسهامات كبيرة في هذا المجال، حيث أعطى دفعة قوية للحركة الأدبية التي بدأت في جبل لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. من خلال كتاباته الصحفية، كسّر الريحاني الصورة التقليدية للكاتب المثالي الغريب. كان يسعى لدمج الأدب بالصحافة، مما أضفى عمقاً أكبر على كليهما، ومهد الطريق لتقارب بين الأدب والصحافة في القرن العشرين.

## التنوير الفكري والعمق التاريخي
ناقش الريحاني جميع ما شهد واحتك به، متحدثًا عن الخرافات والعادات والتاريخ والجغرافيا والعائلة والدين. إذ كتب عن قبائل وعشائر وتاريخها، تناول تفاصيل مثل أسماء الأماكن وأصل الكلمات، مشيرًا إلى كل ما يخص الطبيعة وسكانها.

## الاعتناء بالتفاصيل الاجتماعية والسياسية
عرفه قرّاء “ملوك العرب” كمؤرخ يطرح رؤية مختلفة عن التاريخ، حيث اعتبر الكتابة منارة لفهم الماضي، مؤكدًا على أهمية التركيز على التحليل الموضوعي. بالإضافة إلى “ملوك العرب”، أنتج الريحاني عدة أعمال أخرى، مُعبرًا عن آرائه حول مواضيع كانت بالأمس القريب ذات أهمية كبيرة، مثل الثورة الفرنسية وأحداث فلسطين.

## تعددية الهويات والانتماءات
كان الريحاني متعدد الانتماءات والهويات، فكانت أفكاره تجسد تجديدًا ثقافيًا في العالم العربي من دون أن يتنازل عن جذوره المسيحية والعربية. عبر كتاباته، انتقد الاستعمار ووصف العبودية بأنها “تجارة معيبة”، مؤكدًا على وجوب النهوض بالتعليم والثقافة.

## تحديات المجتمع العربي
تسبب فضوله المعرفي واستعدادا لاستكشاف الحقائق في تعرضه لاتهامات بالخيانة، إذ أن التساؤلات كانت سائدة في مجتمع متمسك بالعزلة والقيود. وصف حال العرب في تلك الحقبة، مُدافعًا عن الاستقلال، لكنه كان يعبر بصراحة عن التحديات والاختلافات التي تواجه وحدة العرب. كان يسعى لتأسيس فكر يؤكد على التدرج في التغيير والتحرر.

بهذا الشكل، قدم الريحاني رؤىً مُعاصرة حول الثقافة والهوية العربية في أدب ملؤه الجرأة والثقافة والإبداع.

رابط المصدر

### السياسة في عشرينات القرن الماضي: نظرة الريحاني

في عشرينيات القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ومعاناتها، تمثل المرحلة وقتاً جديداً للعرب. تحت تأثير مبادئ وودرو ويلسون وتأسيس عصبة الأمم، ازدهرت أفكار تتعلق بمكانة العرب على الساحة العالمية.

### نزع السحر عن الحكام

رغم تعدد أوجه تناول الحكام العرب في تلك الفترة، يبرز ما يمكن تسميته بنزع الأسطرة عن السياسة. وعبر الريحاني، الذي لم يكن يمتلك وسائل الإعلام الحديثة كالتلفزيون، تناول الحكام من منظور إنساني. أشار إلى الأبعاد الجسدية والنفسية للحكام، وما تعكسه من دلالات أعمق.

فقد وصف الملك عبد العزيز بأنه كان “طويل القامة مفتول الساعد، أسمر اللون، يرتدي ملابس بسيطة تتناسب مع الظروف المناخية”. كما لاحظ تفاصيل في سلوكيات الملك فيصل الأول، مثل “تلاعبه بالخاتم في أنامله مما يدل على الاضطراب”.

### إضفاء الإنسانية على السياسي

لم يتردد الريحاني في تقديم الحاكم كإنسان ملموس له ملامح وعادات، بعيداً عن صورته الغامضة. فتجربته كانت محاولة لتبديد الغموض حول السياسي وصانع القرار، مما جعلهم جزءاً من عالم البشر العاديين.

### موجتان من الإضفاء المبالغ

بعد عقود من الزمن، شهدت المنطقة موجتين من المبالغة في تقديس الزعماء. الأولى كانت من خلال زعامات عسكرية، والثانية ظهرت من خلال سياسيين اتخذوا من الغموض وسيلة لتقديم أنفسهم كأشخاص لا يمكن فهمهم.

### القيمة الدائمة لكتاب “ملوك العرب”

تتجلى قيمة كتاب “ملوك العرب” في معاصرتها للعديد من أسئلتنا الحياتية رغم مرور قرن على نشره. فالريحاني لا يزال قادراً على التفاعل مع قضايا العصر، مما يعكس أهمية رؤاه.

*كلمة ألقيت في الندوة التي أقامتها “دارة الملك عبد العزيز” في الرياض تكريماً لأمين الريحاني وللذكرى المئوية لكتابه “ملوك العرب”.*

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version