مالك بن نبي.. بذرة من أجل المستقبل

By العربية الآن



مالك بن نبي.. بذرة من أجل المستقبل

"المجهول في قومه".. مالك بن نبي الذي يعرفه الغرب ويجهله العرب
الفيلسوف والمفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973م) (1323 هـ-1393 هـ) سار في طريق الفكر والكتابة والتأليف فظهرت أعماله التي ساهمت في بناء شخصيته (الجزيرة)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>يقول مالك بن نبي عن العام الذي جاء فيه إلى الحياة: “من وُلِدَ بالجزائر عام 1905 م، تزامن ولادته مع فترة ربط وعيه بالماضي المتجلي في نهاية الشهود، وبالمستقبل المتمثل في بداية صاغة، حظيت في تلك السنة بفرصة خاصة تمكنني من أن أكون شاهدًا على تلك الفترة من التاريخ”.

لقد تعرض بن نبي، كغيره من أبناء الجزائر، لعواقب الاستعمار الظالم الذي جعل من سكان البلاد الخاضعة كتلة بشرية تهملها الجهل والفقر والخمول والسلبية، مما أدى بهم إلى خارج الحضارة. وعلى الرغم من ذلك، كان -رحمه الله- من بين الفئة الوطنية التي تصدت لمحاولات الاستعمار، بذل الجهد والعناء منذ صغره، سافر للدراسة في طفولته بين قسنطينة وتبسة، حمل معرفته من حفظ القرآن وقواعد اللغة، تعلم في المدرسة الابتدائية أساسيات اللغة والثقافة الفرنسية، إلا أن أثر تنمية شخصيته كان في قسنطينة مركز الحركة الإصلاحية التي انتقل إليها ليكمل دراسته الثانوية.

حقاً، كان مالك بن نبي قطعة نادرة تنطلق نحو المستقبل، مكوِّناً روح النضج والتقدم والإصلاح.شهد الكاتب مالك بن نبي في شبابه تحوّلات كبيرة بعد انتهاء المقاومة الشعبية المسلحة وظهور حركة سياسية وثقافية غير منظمة ضد عملية الإدماج التي تزعمها الأمير خالد، حفيد الأمير عبد القادر. وقد اهتم بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورأى فيها الحلاكودجة الإصلاحية التي كانت متداولة في بدايات القرن العشرين.

انتقل إلى فرنسا في شبابه للدراسة في معهد الدراسات الشرقية، وعلى الرغم من منعه من التخصص في مجاله المفضل، إلا أنه درس الهندسة الكهربائية ونجح في بناء قدراته الفكرية من خلال ثقافته المزدوجة ونشاطه في الأوساط المغاربية والعلاقات مع الساحات الفلسفية الأوروبية. وعندما أظهر تميزه، حاول مستشرق مشهور إدماجه في النخبة الفرنسية المستعمرة، لكنه رفض وتعرض للعديد من المضايقات، وبعد أن أظهر قدراته على التأثير في النخبة المستعمرة، تعرض لضغوط من الأمن الفرنسي في حياته الشخصية وصارت أوضاعه صعبة ومضطربة. ونُشرت وثائق من الأرشيف الوطني الفرنسي عن مطاردته من قبل المخابرات الفرنسية بيّنتها عمر المسقاوي في كتابه.

صراع الأفكار

كان بن نبي يشعر بالوحدة في صراعه ضد الاستعمار أثناء فترته في فرنسا، فقال في مذكراته: “… أكثر ما أزعجني أنني كنت وحيداً ولم أجد طلبة عرب مسلمين يتناولون هذا الموضوع بروح التأمل”، واعتبر النخبة الجزائرية تائهة من مستقبل العروبة والإسلام في البلاد بعد فشل جميع الثورات الجزائرية في طرد الفرنسيين.

وكانت نظرة بن نبي لأداء الأحزاب الجزائرية ناقدة ومتشائمة، حيث اعتبر أنها تطلب الحقوق من الفرنسيين دون تفكير في كيفية تحقيق الاستقلال الحقيقي والتحرر من الاستعمار. وكان موقفه من مشاركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المؤتمر الإسلامي عام 1936 يسبب اضطرابات في علاقته مع بعض أفراد الجمعية.

وجد نفسه وحيدًا أمام إحباطاته وشعوره بالعزلة، ولم يجد سبيلاً سوى من خلال الكتابة والتفكير لمحاربة الاستعمار وأجهزته والنخب الجزائرية التابعة له، وقام بكتابة مؤلفات كثيرة ساهمت في تشكيل شخصيته. وحاول الانضمام إلى الثوار في الجبال لكتابة تاريخ الثورة لكن تم رفضه من القيادة.

من بين الكتب الهامة التي كتبها بن نبي كتاب “الظاهرة القرآنية” عام 1946، و”شروط النهضة” عام 1949، و”وجهة العالم الإسلامي” عام 1954، و”الفكرة الآفروآسيوية” عام 1956، و”مشكلة الثقافة” عام 1958، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة” عام 1959. وقد حرص على ترجمة أفكاره إلى اللغة العربية.

مطاردات الاستعمار

بسبب ملاحقته من قبل الاستعمار، هاجر بن نبي إلى المشرق ليندمج في الحركة الفكرية العربية ويؤثر ويتأثر بها. بدأ يشجع التحالفات الشرقية ضد الاستعمار الغربي وألّف كتاب “الفكرة الآفروآسيوية” عام 1956 وأهدى نسخة لجمال عبد الناصر. كما سافر إلى الصين والتقى ماو تسي تنغ، وسبق له أن التقى بغاندي. وكتب عن تحقيق وحدة العالم الإسلامي بأسس حديثة من خلال كتاب “فكرة كمنويلث إسلامي”.

عاد إلى الجزائر عام 1963، معتقداً أنه سيجد البيئة التي يمكنه من خلالها تنفيذ أفكاره لبناء نموذج عملي للنهضة في بلاده بالتعاون مع السلطات. وتولى بعض المناصب الحكومية في عهد بن بلة كمستشار للتعليم العالي ومدير للجامعة الجزائرية.

الاضطرابات من بعض التيارات المناوئة لفكره الإسلامي جعلته يُجبر على تقديم استقالته في عام 1967. كان مقتنعًا دائمًا بأن المُشكلة الجوهرية التي تعيق النهضة والتقدم الحضاري هي مشكلة الأفكار، وبالتالي حوّل كل جهده إلى نشر أفكاره بين الشباب من خلال عقد ندوات في منزله والجامعات والمنتديات. نشر عدة كتب في ذلك الوقت حول هذا الموضوع بما في ذلك كتاب “تحدي الأفكار في العالم الإسلامي” عام 1970، وكتاب “نحو التغيير” الذي يتألف من مقالات كتبها في الستينيات حيث قيم فيها الفرص التي فُقدت بسبب تعطيل الأفكار.

لم يشعر مالك بن نبي بالراحة ولم يتلق الاستقبال المناسب لإنجازاته خلال حياته في بلاده. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 1973، توفي عن عمر ناهز 68 عامًا بعد أن حمل همومًا عديدة، ولكن الله سبحانه وتعالى أعانه وانتشرت أفكاره بعد وفاته في جميع أنحاء العالم وتُرجمت كتبه إلى العديد من اللغات. وصلت أفكاره إلى مراتب العلماء البارزين الذين تميزوا في الدراسات التاريخية والاجتماعية وأسباب انحدار وصعود الأمم، مثل ابن خلدون وتوينبي وديورانت وغيرهم، واعتمدتها العديد من الجامعات واستفادت منها قصص نجاح كبيرة في ماليزيا وتركيا وبلدان أخرى.

تنبأ بمصيره ومصير أفكاره في كتابه “متطلبات النهضة” حيث قال في القصيدة الرمزية التي افتتح بها الكتاب: “وإذا هم أولئك حاولوا تشكيل التماثيل لتُجلب الخزي للفكرة”، وعندما قال: “امضِ يا أخي الحارث من أجل أن تُنبت زرعك بعيدًا عن حقلك، في الخطوط التي تتلاشى بعيدًا عنك.. في معمعة المستقبل”.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version