ما سبب إعلان تشاد إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا؟
14/12/2024
–
|
آخر تحديث: 14/12/202401:31 م (بتوقيت مكة المكرمة)
تأتي هذه الخطوة بعد ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى إنجمينا، حيث تعتبر بمثابة تهديد للوجود العسكري الفرنسي، الذي يعد المستعمر السابق لتشاد في آخر معاقله في منطقة الساحل. يأتي ذلك في سياق تحولات جيوسياسية سريعة تسعى فيها دول المنطقة للخروج من فلك النفوذ الفرنسي التقليدي.
تثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل العلاقات الفرنسية – التشادية وتفتح المجال لإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في ظل بروز لاعبين جدد في المنطقة.
تاريخ من العلاقات الأمنية
يصف البروفيسور توني تشافر، المتخصص في الدراسات الأفريقية في جامعة بورتسماوث، تشاد بأنها تشكل المحور الأساسي للإستراتيجية الفرنسية وسط أفريقيا. ورغم استقلال تشاد عن فرنسا عام 1960، إلا أن العلاقة العسكرية والأمنية ظلت قائمة من خلال مجموعة من الاتفاقيات، أبرزها التي وقعت في 1960 و1961 و1976 وتم تعديلها لاحقًا عام 2019.
منحت هذه الاتفاقيات فرنسا امتيازات متعددة، بما في ذلك الحق في استخدام قاعدة عسكرية قرب العاصمة نجامينا، وأيضًا صلاحيات العبور والتحليق في الأجواء التشادية مقابل تطوير القدرات العسكرية التشادية عبر التدريب وتوفير المعدات.
بالإضافة إلى الدعم الفني من خلال إرسال مستشارين عسكريين فرنسيين وتقديم مساعدات لوجستية، فضلًا عن توفير الحماية من التهديدات الخارجية والمساعدة في الحفاظ على الأمن الداخلي.
كما تعتبر هذه الاتفاقيات بوابة تدخّل فرنسا في الشؤون الداخلية للبلاد، وقد ساهمت في تحديد هوية من يحكمها. ووفقًا لمقال نشر على موقع “أفريكان آرغومنت”، فقد شهدت تشاد أكبر عدد من التدخلات العسكرية الفرنسية مقارنة بدول أفريقية أخرى.
تدخلت فرنسا عسكريًا عدة مرات سواء في الصراعات الداخلية في تشاد أو مع الدول المجاورة، مستندة إلى عقيدة “الرجل القوي” الذي يحكم البلاد. وتصف البروفيسورة ميريلا دبوس هذه العقيدة بأنها رؤية “أبوية” تعبر عن اعتقاد فرنسا بأنها أكثر قدرة من التشاديين على اختيار النظام السياسي الأنسب لهم.
على سبيل المثال، دعمت باريس الرئيس الراحل إدريس ديبي في مواجهة التمردات خلال حكمه (1990-2021). ورغم أن الدور الفرنسي في أبريل 2006 وفبراير 2008 اقتصر على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجيش التشادي، إلا أن الطائرات الفرنسية قد قامت بغارات مباشرة في الأوقات الحرجة.
مكافحة الإرهاب
خلال العقد الأخير، تُعتبر تشاد شريكاً استراتيجياً لفرنسا في جهود مكافحة الإرهاب، خاصة في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية. استغلّت باريس الموقع الجغرافي الفريد لتشاد، والتي تمثل نقطة تقاطع هامة بين مناطق الصراع مثل السودان وليبيا والنيجر ونيجيريا. أصبحت القواعد العسكرية الفرنسية في تشاد نقاط انطلاق لعمليات عسكرية إقليمية، مثل عملية برخان.
ازداد دور تشاد أهمية مع تصاعد المقاومة ضد الوجود العسكري الفرنسي في الساحل، بالإضافة إلى انسحاب القوات الفرنسية من بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو. ومن الجدير بالذكر تصريحات مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية في سبتمبر 2024: “لا يمكننا تحمل خسارة تشاد”.
عززت العلاقات بين تشاد وفرنسا عبر السنوات بناء قوات مسلحة “من بين الأكثر صلابة في المنطقة”، وفق تقرير برلماني فرنسي صدر عام 2015، إلا أن ذلك أدى إلى إجهاد الجيش التشادي على عدة جبهات. ووفقاً للباحث ناثنيال باول من جامعة لانكستر، أثر هذا الارتباط سلباً على السياسات الوطنية والنسيج الاجتماعي، مما دفع بعض الفاعلين السياسيين والمجتمعيين للمطالبة بإصلاح الجيش.
غضب شعبي
الإعلان الأخير من تشاد لم يكن بمفاجأة، فقد سبقه زيارة وصفها البعض بـ “التاريخية” للرئيس محمد ديبي لموسكو في يناير 2024، والتي تمهد لاستقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في إنجمينا في يونيو، متعهداً بتزويد الجيش التشادي بالأسلحة والمعدات لتعزيز قدراته.
فاجأ ديبي الجميع أيضاً بإعلانه في أبريل 2024 تعليق الأنشطة العسكرية الأميركية في قاعدة “أدجي كوسي” القريبة من العاصمة، قبل العودة فيما بعد. حذر الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، من أن انسحاب القوات الأميركية من الساحل قد يؤثر سلباً على قدرتها في المراقبة والدفاع.
في هذا السياق، جاءت المطالب التشادية بإعادة صياغة التعاون العسكري مع فرنسا في نفس الاتجاه مع المزاج الشعبي الداعي لانسحاب القوات الفرنسية من المنطقة. حيث شهدت تشاد تظاهرات في عدة مدن، وعلى رأسها العاصمة إنجمينا، رافعة شعار “تشاد حرة.. فرنسا بره”.
تناسب هذا الحراك الشعبي مع محاولات الحكومة احتواء هذه الاتجاهات، لتجنب تحولها لمواجهة مع النظام الحاكم.
تنويع مصادر التسلح
“`
تراجع العلاقات العسكرية بين تشاد وفرنسا
يعبّر الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، عن قلق السلطات التشادية من ضعف تعاون القوات الفرنسية في مجالات الأمن والمواجهات العسكرية، لا سيما في مواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة بحيرة تشاد، بالإضافة إلى دعمها للمعارضة المسلحة.
انتقادات للوجود الفرنسي
بعد الهجوم الذي شنته جماعة بوكو حرام والذي أسفر عن مقتل 40 جندياً تشادياً في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024، انتقد زعيم المعارضة، مامادو دوديه، القوات الفرنسية لعدم تقديمها الدعم المطلوب أثناء الهجوم، مشيراً إلى أن وجود القوات الفرنسية لم يكن ضرورياً. وأيد ديبي هذا الرأي، موضحاً أن الاتفاقية مع فرنسا لم تقدم فائدة كبيرة لتشاد في التعامل مع التهديدات الإرهابية.
تسليح الجيش التشادي
يرى تورشين أن تشاد بحاجة ماسة إلى تسليح جيشها لمواجهة التحديات الأمنية، خاصة في الساحل. ويشير إلى أن المعايير الصارمة للدول الغربية بشأن دعم وتسليح الأنظمة، والتي ترتبط بسجلات حقوق الإنسان والديمقراطية، تدفع تشاد للبحث عن مصادر بديلة للعتاد العسكري.
التعاون مع موسكو
يضيف تورشين أن تنويع مصادر تسليح تشاد سيمكنها من الابتعاد عن الصراعات الدولية التي تؤثر على استقرارها. كما أن الحكومة بحاجة إلى التعاون مع موسكو لتجنب دعم الفصائل المسلحة المعارضة لها من خلال الفيلق الروسي المتواجد في دول مجاورة مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى.
توجهات جديدة في العلاقات الدولية
في تصريحات للأستاذ في الجغرافيا السياسية، إسماعيل طاهر، يؤكد أن الرئيس التشادي محمد ديبي ينوي مراجعة العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالسيادة الوطنية والشراكات الاقتصادية. كما يتوقع طاهر أن تقود هذه المراجعات إلى صياغة اتفاقات تحترم السيادة الوطنية بدون أن تتطلب من تشاد مغادرة القوات الفرنسية، على عكس ما حدث في دول الساحل الأخرى.
دروس من مالي
يتناول المراقبون تجربة مالي في التعامل مع الوجود الفرنسي، ويشيرون إلى أن قرار طرد القوات الفرنسية جاء نتيجة تصاعد التوتر بين باريس وباماكو بسبب استيائهم من أساليب مكافحة الإرهاب الفرنسية. بالمقابل، فإن تشاد تبحث عن إعادة التوازن في العلاقات مع فرنسا دون الحاجة لطرد القوات.
من المستفيدون من التحولات الجديدة؟
تساؤلات تثار حيال الأطراف التي قد تستفيد من تراجع العلاقات العسكرية بين تشاد وفرنسا. يعتقد بعض المراقبين أن موسكو قد تكون على رأس قائمة هذه الأطراف نظراً لتطور العلاقات بين البلدين، بينما يشير آخرون إلى أهمية تنويع الشراكات وعدم الوقوع في فخ اتفاقيات مماثلة لتلك التي ألغيت مع فرنسا.
وفقاً للباحثين إيزينوا إي لومبو وبرنارد لووسو، فإن انهيار نظام بشار الأسد في سوريا يدل على تراجع دعم روسيا وإيران له. ويرون أن هذا قد يؤثر على خيارات تشاد من حيث الشركاء العسكريين، مع احتمالية تعزيز التعاون مع دول مثل تركيا والإمارات وإسرائيل في جهود مكافحة الإرهاب.