ما الذي تكشفه آثار أقدام البشر في العصر الحجري حول أسلوب حياتهم اليومي؟

By العربية الآن



ما تكشفه آثار أقدام البشر في العصر الحجري عن حياتهم اليومية

ما الذي تكشفه آثار أقدام البشر في العصر الحجري حول
تُعتبر إحدى الوسائل الفعالة للحفاظ على آثار الأقدام هي السير فوق طبقة من الرماد الناتج عن ثوران بركاني (بيكساباي)

مقدمة الترجمة

تواجه دراسات علم الآثار في المجتمع العربي تحديًا يتمثل في عدم قربها من الناس، مما يجعلهم غير مدركين لأسلوب عملها. فقد يتساءل البعض: كيف يمكن للعلماء أن يعرفوا مشاعر شخص عاش منذ مئات الآلاف من السنين؟ في هذه المقالة من نيوساينتست، يسلط كولين باراس الضوء على طريقة جديدة يستفيد منها العلماء للإجابة عن أسئلة مماثلة، وذلك من خلال تتبع آثار أقدام البشر الذين عاشوا في الأزمنة الغابرة وكيف يمكن أن تساهم هذه الآثار في توفير معلومات غزيرة عن عالمهم.

نص الترجمة

تتبع امرأة شابة مسارًا صعبًا عبر سهول موحلة، تحمل طفلاً صغيرًا على جانبها. وعندما تضع الطفل لفترة قصيرة لتستريح، تشعر بخطر محتم قد يتمثل في موت محتمل إذا استمرت في التوقف. تبدو المرأة والطفل وحدهما، ويجعلان من السهل على الحيوانات المفترسة، مثل القطط البرية، استهدافهما. تواصل المرأة قضية بقاءها، فتعود لحمل الطفل وتستمر في السير حتى تبتعد. وعندما يمر وقت قصير، يظهر كسلان أرضي ضخم في نفس المسار الذي سلكته المرأة. وعندما تلتقط حواسه رائحة المرأة، يصبح في حالة تأهب ويبدأ في فحص محيطه مخافة وجود صيادين بشريين.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

7 عجائب في مجرتنا لا تعرفها.. إليك رحلة ممتعة إلى هناك

list 2 of 2

أسرار غامضة.. هل تأثرت نظريات فرويد بالحضارة المصرية القديمة؟

end of list

كيف كانت الحياة أثناء العصر الحجري؟ لا شك في أن الأفراد الذين عاشوا على هذا الكوكب قبل عشرات الآلاف من السنين مروا بلحظات من الفرح والخوف والحب والألم، وربما دهشة. ومع ذلك، فإن المشاعر لا تتحجر أو تتحول إلى أحافير بمرور الزمن، مما يجعل من الصعب فهم اللحظات التي تفصلنا عنها مسافة زمنية هائلة. ورغم أننا قد نجد عددًا من العظام والأدوات التي تعود لتلك الحقبة، إلا أنها لن تخبرنا بتجارب حياة أسلافنا القدامى.

من هنا، فإن دراسة آثار أقدام البشر في العصور القديمة قد تمثل نافذة جديدة على حياتهم اليومية وعاداتهم في تلك الفترة. والأهم أن آثار أقدامهم تسجل سلوكياتهم بشكل مميز، بدءًا من الحركات المليئة بالخوف أو التوتر، وصولًا إلى الركض بقوة وعزم. هذه الآثار تحمل في طياتها تسلسلاً معينًا، مما يمكّن من فهم الأحداث كما لو كانت قصة متسلسلة، مثل قصة المرأة والطفل والكسلان العملاق. وهذه ليست القصة الوحيدة بالطبع، فالاكتشافات المستمرة المرتبطة بآثار الأقدام تكشف عن مشاهد جديدة من الماضي، بدءًا من توزيع العمل بين الجنسين إلى سلوك الحيوانات المنقرضة.

على مدى عقود، تشكّل وعي متزايد لدى العلماء بشأن إمكانية تحويل آثار الأقدام إلى حفريات. ففي عام 1976، على سبيل المثال، اكتشف فريق من الباحثين آثار أقدام عمرها 3.7 مليون سنة في لاتولي، وهو موقع أثري في تنزانيا. كانت تلك الآثار مبهرّة نظرًا لقدرتها على إثبات أن نوعًا مبكرًا يُدعى “أسترالوبيثكس أفارينيسيس” كان يمشي على قدمين. وقتذاك، تم التعامل مع آثار الأقدام كمصدر مهم للأدلة على إطلاق الأنواع، الأمر الذي لم يؤد إلى تعزيز الاهتمام بالبحث عن مزيد من آثار الأقدام.

يُشير ماثيو بينيت من جامعة بورنموث بالمملكة المتحدة إلى أن السبب لذلك كان الاعتقاد بأن آثار الأقدام نادرة. وألحق بأن عدم الاهتمام بها كان أمرًا مؤسفًا، لأنها في الواقع تظهر بشكل متكرر، فقد تصل إلى مليون خطوة لكل فرد كل عام، لذا حتى ولو تم حفظ نسبة صغيرة فقط منها كحفريات، فإن العدد يبقى ضخمًا. في هذا السياق، يصرّ كيفن هاتالا من جامعة تشاتام في بيتسبرغ، بنسلفانيا، على أن “عظامي تعيش فرصة واحدة فقط لتكون جزءًا من السجل الأحفوري، في حين أن جميع الخطوات التي أخطوها يوميًا تمثل فرصة هائلة لتحويلها إلى بقايا قد تُحفَظ ضمن السجل الأحفوري.”

أما من جهة أخرى، يرى الباحثون أن أفضل الطرق للحفاظ على آثار الأقدام هو السير فوق طبقة من الرماد الناتج عن ثوران بركاني، والذي سيتصلب لاحقًا مثل الخرسانة عند تعرضه للرطوبة. وتم الحجر على آثار الأقدام في موقع لاتولي بهذه الطريقة. ومع ذلك، لا تزال هذه العملية نادرة، إذ إن الأكثر شيوعًا هو اختفاء آثار الأقدام بسرعة تحت طبقات من الرمل والرطوبة.

ثم تُدفن هذه الآثار وتتحجر لتخضع لعمليات جيولوجية قد تعيدها إلى السطح مرة أخرى. ورغم أن آثار الأقدام القديمة لم تحظ بترتيب أولويات أثرية لعقود، إلا أن الوضع قد تغيّر مؤخرًا. فقد شهد العقدان الماضيان زيادة مضطردة في اكتشاف مواقع آثار الأقدام القديمة، حيث أصبحت البقايا موجودة في معظم أنحاء العالم، بما في ذلك أفريقيا وأوروبا وشبه الجزيرة العربية وأستراليا والأميركتين.

موقع “إنجاري سيرو” في تنزانيا (ويكيبيديا)

تعقب الأثر

تمثل دراسة آثار الأقدام اليوم بصيص أمل يكشف لنا خبايا الماضي، حيث تقدم رؤية تفصيلية ومبهرة لذلك الوقت. على سبيل المثال، تؤكد التجارب المخبرية أن حجم وشكل قدم الفرد قد يُنبئ بشكل نسبي بحجم جسده. نظرًا لاختلاف حجم الجسم بين الجنسين، يمكننا تقدير جنس الفرد من آثار أقدامه. ويُعرف أيضًا أن طول القدم يمثل حوالي 15% من طول الجسم الإجمالي، بينما المسافة بين آثار الأقدام توضح سرعة المشي أو الجري لهذا الفرد. تؤكد عالمة الآثار آشلي وايزمان من جامعة كامبريدج: “يمكن لآثار الأقدام أن تعكس طولك، وعمرك، وجنسك، وربما وزنك أيضًا”.

تشير دراسة أُجريت في عام 2020 على أكثر من 400 أثر قدم في موقع إنجاري سيرو في تنزانيا، إلى أن هاتالا وزملاءه استعانوا بالاستنتاجات السابقة لإعادة بناء مشهد يعود لأكثر من 12,000 سنة. وتوصلوا إلى أن هذه الآثار تعود على الأقل لـ17 شخصًا من جنسنا البشري، مما يجعلها أكبر مجموعة من آثار الأقدام البشرية القديمة المُكتشفة في أفريقيا. استنتج الباحثون أن هذه المجموعة تتكون من 14 امرأة ورجلين وشاب يافع، بالإضافة إلى أن جميع أعضاء المجموعة كانوا يسيرون بسرعة ثابتة تتراوح بين 1.2 و1.5 متر في الثانية، مما يوحي بسفرهم معًا.

بفضل هذا النوع من الأدلة، يمكننا تقديم تخمينات مدروسة حول أنشطة هؤلاء الناس. في المجتمعات الحديثة للصيادين وجامعي الثمار، تتعاون النساء عادةً في البحث عن الطعام، ولعل هذا كان يحدث أيضًا في مجتمعات الماضي. إذا كان الأمر كذلك، فإنه قد يشير إلى تقسيم العمل بين الجنسين في نهاية العصر الحجري. ويعلق هاتالا قائلًا: “لا أعتقد أن أي أدلة أثرية أخرى يمكن أن توفر فهمًا وتحليلًا للديناميكية الاجتماعية كما تفعل آثار الأقدام”. ومع ذلك، أكثر ما أدهشنا هو آثار أقدام وجدت في حديقة وايت ساندز الوطنية في ولاية نيو مكسيكو الأميركية، حيث توجد في هذه المنطقة النائية مجمعات عسكرية رائعة وكثبان رملية.

توفر هذه المنطقة بحيرات مجففة ضخمة كان لها آثار أقدام متحجرة لحيوانات منقرضة. في عام 2017، اكتشف ديفيد بوستوس -العامل في خدمات حديقة وايت ساندز الوطنية- آثار أقدام بشرية. وبعد فترة، زار ماثيو بينيت من جامعة بورنموث المملكة المتحدة الموقع للبحث عن مزيد من آثار الأقدام. ومنذ ذلك الوقت، بدأوا في البحث المكثف. يقول بينيت: “تُظهر معظم الطرقات في وايت ساندز آثارًا لزوجين بالغين ومجموعة من الأطفال. تشير آثار الأقدام إلى حركة تجول عائلية عادية عبر المناظر الطبيعية، وهو مشهد قد تتوقعه من عائلة تتنزه في أحد الأيام”.

ومع ذلك، عثر بينيت وبوستوس وزملاؤهم على مجموعة مختلفة من آثار الأقدام. فقد اكتشفوا آثار أقدام لشخص واحد يسير في خط مستقيم، وهذه الآثار هي التي كشفت عن قصة المرأة الشابة والطفل وحيوان الكسلان التي أشرنا إليها سابقًا. لكن بينيت وبوستوس لم يكونوا على دراية بذلك حينما بدأوا يجمعون آثار الأقدام. وسرعان ما لاحظا توزيع آثار الأقدام في اتجاهين، إذ سار بعض هؤلاء الأشخاص شمالاً لمسافة لا تقل عن 1.5 كيلومتر، في حين سلك آخرون نفس المسار لكن في الاتجاه الجنوبي. واستنتجوا أن آثار الأقدام المتجهة شمالًا تمثل المسار الأول، إذ تقاطعت مع آثار حيوانين منقرضين، وهما الماموث والكسلان العملاق، بينما تقع الآثار البشرية المتجهة جنوبًا فوق آثار هذه الحيوانات. يشير هذا التقاطع إلى أن آثار الأقدام البشرية تأتي بعد آثار الحيوانات.

لم يُظهر التحليل الإحصائي أي اختلاف ملموس في حجم وشكل آثار الأقدام الموجودة في الاتجاهين الشمالي والجنوبي، لذا من المرجح أن تكون آثار الأقدام تعود لشخص واحد. يقول بينيت: “إن عدم انحراف هذا الشخص عن مساره في أي من الرحلتين يوفر لنا موضوعًا من التفكير، إذ يوحي بوجود مهمة يريد إنجازها”. أما بالنسبة لمن هو الشخص الذي ترك هذه البصمات، فقد أكّد بينيت وفريقه أن آثار الأقدام كانت لأمرأة شابة نحيلة، على الأرجح كانت في حالة من العجلة. وقد قُدرت سرعتها بسرعة 1.7 متر في الثانية، وهو أسرع من متوسط سرعة المشي الحديثة، مما يعتبر أمرًا مثيرًا مذهلاً نظرًا لصعوبة الطريق. وبالتالي، تشير الآثار إلى أنها انزلقت في مسارها. يقول بينيت: “كانت بالتأكيد في حاجة ملحة للتحرك”.

في مهمة خاصة

تُظهر آثار أقدام هذه المرأة الشابة المهمة الموكلة إليها. ففي مسارها نحو الشمال، تشير بعض آثار قدمها اليسرى إلى انزلاق طفيف في الطين الناعم، بحيث تتخذ شكل الموزة. يشتبه بينيت بأنها كانت غير متوازنة بسبب حملها لشيء ثقيل على جهة اليسار. بعد ذلك، تتبين لنا طبيعة هذا الحمل. إذ تظهر مجموعة من آثار أقدام طفل لا يتجاوز عمره 3 سنوات، مما يوحي بأن المرأة كانت تحمل الطفل ثم تضعه بين الحين والآخر، ربما لاستراحة نفسها أو لإراحة الطفل. ومع ذلك، لا نعرف إلى أين كانت تتجه المرأة بالضبط، حيث تختفي آثار أقدامها تدريجياً في الاتجاه الشمالي، تحديدًا في المنطقة العسكرية المحيطة بحديقة وايت ساندز الوطنية، وهي منطقة مغلقة لا يمكن الوصول إليها. ورغم ذلك، لا يوجد أي دليل يدل على أنها استمرت في حمل الطفل أثناء عودتها نحو الجنوب، مما قد يعني أن مهمتها تمثّلت في توصيل الطفل لشخص ما. وسواء نجحت بذلك أم لا، فقد عادت وحدها في كلتا الحالتين.

لقصص كهذه أهمية خاصة لكيم تشارلي وبوني لينو، وهما من قبيلة أكوما القريبة من ألباكركي في نيو مكسيكو، إحدى مجموعات شعوب البويبلو (السكان الأصليين في جنوب غرب الولايات المتحدة). تشغل تشارلي منصب عضو في اللجنة التنفيذية لمكتب حفظ التراث التاريخي القبلي، في حين تعمل شقيقتها لينو كراقبة قبلية معتمدة، مما يعني أنها تتعاون مع العلماء لنقل معرفتها بالمنطقة. زارت كلتا المرأتين وايت ساندز لتتابع عمل العلماء في الموقع. حول زيارتها، تقول تشارلي: “ما يحدث هناك أمر مدهش، لا يوجد كلمات توضح شعورك عندما تكون موجوداً هناك فعليًا”. اكتشفت لينو آثار أقدام بنفسها خلال زيارتها، بما في ذلك آثار أقدام بشرية قريبة من آثار حيوان الكسلان العملاق. تضيف لينو: “يمكننا رؤية أشياء تتجاوز ما يراها علماء الآثار، لأن هؤلاء هم أسلافنا”.

أحد الأماكن التي عاش بها شعوب البويبلو (ويكيبيديا)

ومع ذلك، يحذر بينيت من مغبة تضخيم نتائج تحليل آثار الأقدام لإعداد قصة مثيرة. فمن المغري الافتراض بأن المرأة كانت تسير بسرعة بسبب خوفها من القطط ذات الأنياب السيفية، لكننا لن نعرف الحقيقة أبدًا. ومع ذلك، فإن آثار الأقدام تقربنا أكثر من أي وقت مضى لفهم مشاعر هؤلاء البشر في تلك الفترة. تشير الأدلة إلى أن الخوف كان حاضرًا بقوة في ذلك اليوم، مستحوذًا على مختلف أنواع الكائنات الحية. أظهر الكسلان العملاق سلوكًا غير طبيعي حين اجتاز المسارات التي سلكتها المرأة نحو الشمال، حيث تُظهر آثار أقدامه أنه تراجع ودار في دائرة.

يوضح بينيت أن هذا الحيوان كان يتتبع رائحة المرأة، وبدأ في فحص محيطه بسبب قلقه من وجود صيادين محتملين. ويشير بينيت إلى أن سلوك الكسلان يعد طبيعيًا في ذلك الوقت، حيث ذكر: “توجد العديد من آثار أقدام الكسلان في مواقع أخرى في وايت ساندز تدل على أن هذه الحيوانات عادة ما تتحرك في خط مستقيم، ولكن أحيانًا يحدث انحراف، حيث تتغير آثار الأقدام فجأة. وعندما نتحقق من هذا التغيير، نجد آثار أقدام بشرية تتبعها.” (وهذا يدل على تداخل آثار أقدام الإنسان مع الكسلان، مما يشير إلى وجود تفاعل بين البشر والحيوانات في ذلك الزمن).

تأثير الخوف في سلوك الحيوانات

في عام 2018، قام بينيت وزملاؤه بدراسة تتبع آثار أقدام بشرية لحيوان الكسلان قبل الهجوم. وعلى عكس الكسلان الذي كان يخشى البشر، لوحظ أن حيوانات أخرى لم تغيّر مسارها، حيث أثبت فريق البحث أن آثار أقدام الماموث وحتى الإبل لم تتأثر عند إيجاد آثار أقدام بشرية، مما يوحي بأنها لم تكن تشعر بالقلق أو الفزع من الأمريكيين الأوائل. ويشير بينيت إلى أن هذه الدراسات تساهم في إعادة إنعاش تاريخ وسلوك الحيوانات القديمة.

إضافةً إلى ذلك، تعتبر آثار الأقدام في وايت ساندز تجسيدًا للحظات من الفرح. فعثر الفريق على آثار أقدام متداخلة بشكل عشوائي لمجموعة من الأطفال، أكبرهم لا يتجاوز الستة أعوام. تتركز آثار أقدامهم الصغيرة فوق آثار عميقة تركها كسلان عملاق. ويعتقد بينيت أن الاستنتاج المنطقي هو أن الأطفال كانوا يركضون ويرقصون في البرك التي خلفتها آثار الكسلان. يشير بينيت إلى أن “الأطفال دائمًا يحبون القفز في البرك، وهذه القصص تربط الناس بماضيهم”.

خلال هذا النقاش، تبقى آثار الأقدام موضوعًا مثيرًا يحمل الكثير من المفاجآت حول التاريخ العريق للبشرية. إذ يمكن لموقع وايت ساندز أن يلعب دورًا محوريًا في الإجابة عن بعض التساؤلات المثيرة للجدل حول بدء استيطان البشر لأميركا الشمالية. لعقود، اعتُقد أن المستوطنين الأوائل كانوا مرتبطين بثقافة كلوفيس، إحدى أقدم الثقافات المعروفة في أميركا الشمالية، والتي اشتهرت بأدواتها الحجرية المتطورة مثل رؤوس السهام. ومع ذلك، هناك تزايد في دعوات الباحثين لتوقع وجود البشر في الأميركتين قبل نحو 15,000 عام، ويظل الجدل قائمًا حول الأدلة التي تشير إلى وجود الناس في أميركا الشمالية قبل الآلاف من السنين.

الاكتشافات المرتبطة بآثار الأقدام لا ينبغي أن تقلل من أهمية علم الآثار التقليدي المعتمد على القطع الأثرية مثل الأدوات والمباني والآثار الأخرى (بيكساباي)

في إحدى المناسبات، اكتشف بينيت وزملاؤه في متنزه وايت ساندز مجموعة من آثار الأقدام البشرية تمتد عبر تربة طينية حتى تختفي تحت تلة صغيرة، مما يشير إلى أن هذه الآثار قد تكون أقدم من التلة نفسها. وكان الباحثون قادرين على اختبار افتراضاتهم من خلال تحليل التربة المحيطة بالآثار، التي تحتوي على بذور عشب يمكن تأريخها بواسطة الكربون المشع. تمتص جميع الكائنات الحية الكربون من الجو، بما في ذلك نظيره الكربون-14. عندما تموت النباتات أو الحيوانات، تتوقف عن الامتصاص، وبدأ الكربون المشع في الاضمحلال.

يمكن تحديد عمر المادة من خلال قياس الكمية المتبقية من الكربون-14، وتعتبر هذه الطريقة معتمدة في علم الآثار وعلم الجيولوجيا. في سبتمبر 2021، أعلنت نتائج الأبحاث أن 61 أثر قدم بشري يعود إلى ما بين 21,000 و23,000 عام، مما يعتبر دليلًا قويًا على أن استيطان الأميركتين حدث قبل ما تم الاعتقاد به سابقًا.

في نفس السياق، أعرب الباحث سيبريان أرديليان من جامعة زاكاتيكاس بالمكسيك، الذي توصل أيضًا إلى أدلة أثرية تدل على وجود البشر قبل 20,000 سنة، عن اعتقاده بأن منطقة وايت ساندز تمثل اكتشافًا رائعًا. ومع ذلك، فهو لا يريد أن تقلل هذه الاكتشافات من قيمة علم الآثار التقليدي الذي يعتمد على الأدلة المادية مثل الأدوات والمباني. ويعتقد أيضًا أن موقع وايت ساندز قد يكون محوريًا في كتابة وإعادة تقييم تاريخ المستوطنات البشرية الأولى.

يسعى بينيت إلى تشجيع المزيد من العلماء على البحث عن آثار الأقدام في مناطق أخرى بالعالم، لأن الأهم في هذه القصة هو احتمالية أن وايت ساندز ليست فريدة من نوعها. يقول بينيت: “هناك الكثير من الأحواض الجافة الأخرى في جنوب غرب الولايات المتحدة، والتي قد تحتوي أيضًا على آثار أقدام بشرية في انتظار من يروي قصصها عن الحياة في العصور السحيقة”.

على مدى أكثر من قرن، كانت آثار الأقدام البشرية التي تبلغ حوالي 17,000 عام من الألغاز التي حيرت علماء الآثار في أحد الكهوف بجنوب فرنسا. صُنعت العديد من هذه الآثار باستخدام كعب القدم فقط، مما يوحي بأنها كانت دليلًا على طقوس دينية مرتبطة بنحت تمثالين من البيسون. في 2013، ضم الفريق ثلاثة أفراد من قبيلة جو/ هوانسي في ناميبيا، الذين يتمتعون بمهارات متميزة في تتبع آثار الحيوانات، وكانت وجهتهم فحص آثار الأقدام التي اكتشفها الفريق. قال أحد المتتبعين، دام ديبي: “لقد أخبروني أن الأمر يمثل تحدياً، ووجدنا بالفعل أن آثار الأقدام كانت أقدم بكثير مما نعتقد عادةً”.

تلقى الفريق تفسيرًا جديدًا للأحداث النسائية التي جرت في الكهف قبل آلاف السنين، حيث اتضح أن آثار الأقدام تعود لمراهق ورجل في الثلاثينيات جمعا الطين من حفرة صغيرة لصنع تمثال بيسون. يبقى السؤال: لماذا ساروا على كعبي أقدامهم؟ وفقًا للفريق، يستطيع أي شخص مطلع التعرف على أفراد قبيلته من خلال تتبع آثار أقدامهم كاملة. صحيح أن المشي على كعبي الأقدام غير مريح، لكنه قد يكون وسيلة فعالة لإخفاء الهوية، وكانت هذه ممارسة ربما ارتبطت بأعمال نحت ذات طابع طقوسي.

______________________

*إضافة من المترجم.

هذه المادة مترجمة عن موقع نيوساينتست ولا تعبر بالضرورة عن العربية الآن.

المصدر : مواقع إلكترونية



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version