ما هي دلالة استيلاء مركز رفح سياسيا وإنسانيا؟
غزة- من خلال سيطرتها على معبر رفح البري مع مصر، تعزز إسرائيل من سيطرتها الصارمة على قطاع غزة، وتعزله بشكل كامل عن العالم الخارجي، مما يمنع المرضى والجرحى من السفر لتلقي العلاج، ويعيق تدفق المساعدات الإنسانية، وذلك يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة نتيجة الصراع المتواصل منذ 7 أشهر.
ضربت دبابات ومعدات عسكرية إسرائيلية، اليوم الثلاثاء، معبر رفح البري الواقع في جنوب شرق مدينة رفح الحدودية مع مصر، بعد إصدار تحذيرات من الاحتلال الإسرائيلي لسكان المناطق الشرقية للمدينة بإخلاء منازلهم، استعدادا لعملية عسكرية برية.
نشر الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو لدبابات ومعدات عسكرية تحمل العلم الإسرائيلي داخل معبر رفح، وعلى طول محور فيلادلفيا (الحدود بين مصر وقطاع غزة)، في منظر غير مسبوق منذ انسحاب إسرائيل من المعبر.
والمستوطِنات في قطاع غزة عام 2005.
وشاهدت هيئات محلية ودولية أنّ احتلال مُعبر رفح وإغلاق مُعبر كرم أبو سالم التِّجاري الوحيد مع غزة، يزيد من الكوارث الإنسانيّة والصحيّة التي يتعرّض لها القطاع الساحلي الصغير منذ اندلاع الحرب الإسرائيليّة عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأوّل من العام الماضي.
ووفقًا للتقديرات الرسميّة، يحتاج 11 ألف جريح من حروب إسرائيل و10 آلاف مريض بالسرطان بشكل حرج للسفر لتلقّي علاج حيوي في الخارج بعد تدمير الاحتلال للمُستشفيات، بمن فيها مُستشفى الصداقة الفلسطيني التركي الخاص بمرضى السرطان.
وجاءت هذه التطوّرات في شرق رفح بعد إعلان جيش الاحتلال عن مقتل 3 من جنوده وإصابة 12 آخرين في قصف من قبل كتائب القسام، وعقب ذلك أُغلِق مُعبر كرم أبو سالم التِّجاري الوحيد المُتاخم لمُعبر رفح.
اصدار حكم بالإعدام
وصرّح المُتحدث بإِسم هيئة المُعابر في غزة هشام عدوان للجزيرة نت بأنّ “احتلال مُعبر رفح سيزيد من التدهور الإنساني، خاصةً بالنسبة للمرضى والجرحى، وسيُصدِر على السكان حكم بالإعدام بسبب توقف إدخال المَساعدات الإنسانية”.
وأكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أنّ “استمرار انقطاع دخول المَساعدات وإمدادات الوقود عبر مُعبر رفح سيؤدي إلى تعطيل الاستجابة الإنسانية في كل أنحاء قطاع غزة”.
وحذّرت الوكالة الأممية من “كارثة الجوع التي يواجهها الناس، وخصوصًا في شمال قطاع غزة ستزداد سوءًا في حال توقّف دخول الإمدادات”، في إشارة إلى مئات آلاف الفلسطينيين في مدينة غزة وشمال القطاع الذين يعيشون معزولين عن النصف الجنوبي.
وأُعِيدَ فتح مُعبر كرم أبو سالم بعد الهدنة المؤقتة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ويتم دخول 190 شاحنة يوميًّا تحمل بضائع تجارية ومساعدات إنسانية عبره، بالإضافة إلى أقل عدد من الشاحنات عبر مُعبر رفح.
وقبل اندلاع الحرب، كان يُدخل يوميًّا عبر كرم أبو سالم أكثر من 500 شاحنة محمّلة ببضائع متنوعة ومستلزمات إنسانية، بالإضافة إلى الوقود.
ازمة غذائية
وعبّر مدير عام المكتبالمُذيع الرسمي إسماعيل الثوابتة أكّد خلال مقابلته مع شبكة الجزيرة نت على قرار الاحتلال بوقف إدخال المساعدات وإقفال معبري رفح وكرم أبو سالم، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تأتي في إطار “تنفيذ سياسة الإبادة الجماعية”. وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل مدمّر ومأساوي.
تُظهر الواقعية الحالة الإنسانية المُروّعة في شرق محافظة رفح، التي تعاني من مجاعة مدبرة ونقص في الموارد والمساعدات لمدة 7 أشهر متتالية. وبعد ذلك يأتي الاحتلال بقراره بوقف المساعدات وإغلاق المعابر، ما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي، وفقًا للثوابتة.
الثوابتة ناقش التحديات التي تواجه مدينة رفح، التي تُعد أصغر المدن في القطاع. وأكد أن اقتحام جيش الاحتلال وإغلاق المعابر، وقرار وقف المساعدات، وفرض حالة من الفوضى بين الطبيبين والجرحى والمرضى والنازحين، وإجبارهم على مغادرة المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء تدخل في سياق جرائم الإبادة المُستمرة.
جوانب سياسية وإنسانية
ألقى أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسام الدجني الضوء خلال حديثه للجزيرة نت على خصوصية رفح عن باقي المدن في مسألتين: الأولى هو استضافتها لأكثر من مليون نازح، وكونها مركزًا للعمل الإنساني برعاية منظمات دولية مثل الأونروا بعد انسحابها من مناطق شمال غزة جرّاء العمليات الإسرائيلية.
وبحسب الدجني، النقطة الثانية تتعلق بموقع رفح الجيوسياسي كمدخل لغزة إلى العالم الخارجي مع حدود تربطها بمصر، حيث أي هجوم على رفح وخاصة على محور التجويف قد يُفهم سياسيًا على أنه انتهاك لاتفاقية كامب ديفيد، بالإضافة إلى خوف من تدفّق الجماهير نحو الجانب المصري من المعبر.
ويرى الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم أن احتلال معبر رفح وتهجير شرق مدينة رفح يأتي كجزء من إستراتيجية حكومة بنيامين نتنياهو للضغط أكثر في محادثات التهدئة. ويسعى نتنياهو، حسب إبراهيم، لترويج صورة الانتصار وإقناع الإسرائيليين بأنهم “دخلوا رفح وسيطروا على أحد رموز سيطرة وحكم حماس، وستؤثر هذه الخطوة على قدراتها”.
ويرى إبراهيم، على نفس النهج الذي تبناه الدجني، أن عملية الاحتلال في رفح أثرت بشكل كبير على حياة السكان بمجرد إغلاق المستشفى الرئيسي وخروج الناس منه، مما أدى إلى انعدام خدمات الغسيل الكلوي وأجهزة الأشعة في المدينة، ما قد يتسبب في زيادة معدلات الوفيات بين المرضى والجرحى في حال استمرار الهجمات وتوسّع رقعتها.