مبادرة خارجية: بهذه الطريقة قامت رواية أدبية بتفسير أحداث الشغب البريطانية
بعض القصص تتنبأ بأمور قبل وقوعها. هل يعتبر هذا مجرد صدفة، أم أنها رؤية تنبؤية وإبداعية ومحاولة لفهم تفاعلات واضطرابات المجتمعات؟
هذا ما حاولت كارولين دي غرويتر كاتبة المقال في مجلة “مبادرة خارجية” الأمريكية أن تجد له تفسيرًا، مستوحاة من رواية “في انتظار البرابرة” للكاتب الجنوب أفريقي جيه إم كويتزي.
اكتشف المزيد
list of 2 items
موقع بريطاني: مؤيدون لغزة يعرقلون تجمعات كامالا هاريس لهذا السبب
لاجئون ببريطانيا: هذه معاناتنا داخل فنادق يستهدفها الطويل اليمين
نهاية القائمة
وجاءت المقالة بعد تصاعد أعمال العنف في بريطانيا بين جماعات من اليمين المتطرف وقوات الشرطة. ذلك جاء على خلفية حادث طعن ثلاث فتيات صغيرات من قبل مهاجر مراهق قبل عشرة أيام في مدينة ساوثبورت الساحلية شمال غرب البلاد. وزُعم بأن الجاني كان شابا مسلما.
وأوضحت دي غرويتر، أن تجارب العنف التي ينشرها اليمين المتطرف في بريطانيا تعيدها إلى تلك الرواية التي انتشرت في ثمانينات القرن العشرين وحققت شهرة بعد حصول مؤلفها على جائزة نوبل في الأدب لعام 2003.
تغذية بالأكاذيب والانحيازات
وأظهر كويتزي في روايته الصغيرة أسباب وتفاصيل اندلاع هذا الشكل من العنف، حيث ظلت المجتمعات ترتكب الأكاذيب والتحيزات العنصرية لفترة طويلة لتشكل فيما بعد صورة غير حقيقية للمجتمعات الأخرى (وفي هذه الرواية القبائل البربرية)، والتي لا تمت بصلة بالواقع.
وقد أقتبس المؤلف اسم روايته، والتي تُعتبر من أبرز الأعمال الأدبية في القرن العشرين، من قصيدة مشهورة للشاعر اليوناني المولود في الإسكندرية قسطنطين كفافيس (1863 – 1933) الذي يقول في نهايتها “وصل بعض جنود الحدود وأعلنوا عدم وجود البرابرة.. والآن بدون البرابرة، ما الذي سيحل بنا؟.. هؤلاء البرابرة كانوا حلا من الحلول”.
والشخصية الرئيسية في رواية “انتظار البرابرة” هي قاضٍ في منتصف عمره كان يدير لسنوات مستوطنة حدودية تابعة لإمبراطورية غير معروفة الاسم. ولا تحدث في القرية أحداث مهمة، فكل شخص فيها يعرف الآخر.
كان رعايا تلك الإمبراطورية والبرابرة الذين يقيمون على الحدود القريبة ويتخطونها بسهولة، يتجاهلون القوانين تمامًا ليتمكنوا من العمل دون تعرض للإزعاج؛ إذ يأتون البرابرة إلى القرية للحصول على الضروريات ثم يعودون بسلام.
إنسانية تتسم بالحكمة
على الرغم من أن كانت مهمة القاضي تنفيذ القوانين، إلا أنه كان يسعى لتنفيذها بطريقة إنسانية تتسم بالرحمة. حيث عند حدوث تجاوزات مثل سرقة الماشية، كان يجري مفاوضات جادة مع المتورطين. وكان نادراً ما يقوم بسجنهم، وإذا فعل ذلك، كان يُعيلهم ويحافظ على نظافتهم، وكثيراً ما كان يطلق سراحهم مبكراً. وقال في ذلك “لطالما اتبعت نهج السلوك الرفيع طوال حياتي”.
رأى أن الصراعات لا تعود بالنفع لأحد ويجب تجنبها. ورغم عدم وجود شيء مثالي في الحياة، إلا أن وجهة نظره هذه كانت تعزز السلام وتجعل المجتمعات تعيش بسلام وتنسجم بروح الوئام.
وصول اللواء
وفي يوم ما، زار وفد من الاستخبارات الإمبراطورية (المعروفة باسم المكتب الثالث)، بزعامة اللواء جول، القرية. وكان جول مسؤولًا بيروقراطيًا، وكان يعتقد بأن القبائل البدوية كانت تخطط سرًا لشن هجوم على الإمبراطورية. فبعد عودته من مهمة استكشافية للبحث عن متمردين ومتطرفين، جلب معه العديد من المشتبه بهم مكبلين بالقيود.
وصفت الرواية هؤلاء المشتبه بهم بأنهم كانوا في حالة رعب. وفجأة، امتلأت السجون بالسجناء الذين تعرضوا للاهانة والجوع والتعذيب. حاول القاضي وقف ذلك قائلاً “إنهم ليسوا متمردين بل صيادون!”، ولكن اللواء جول لم يهتم بأقواله، واستمر في تعذيب البرابرة حتى يُجبر الجميع على “الاعتراف” بجريمتهم.
وما أن غادر اللواء القرية، بدأ القاضي في إطعام السجناء والإفراج عن معظمهم. ومن بين هؤلاء كانت فتاة بدوية عالج جراحها، وغسل قدميها ونام معها. ثم عادها في النهاية إلى قبيلتها. وعند وصوله إلى منزله بعد رحلة طويلة، اكتشف أن جول قد عاد، واتهم القاضي بالخيانة “لتواطؤه مع العدو”، ثم ألقاه في نفس السجن الذي كان يحتجز به البرابرة.
التهدئة للبربريّة
على الرغم من عدم وفاء أحد بنداء القاضي للمساعدة، إلا أن العديد من سكان القرية أصبحوا في حالة هستيرية مثل الجنرال، وفضل الباقون الابتعاد عن الأنظار. لم يعد هناك أي سلوك يُعتبر طبيعيًا، بل أصبح كل شيء مشبوهًا في نظرهم. وفي النهاية، تهدمت القرية ذاتيًا دون تعرضها لهجوم من البرابرة.
تحولت القرية إلى أطلال بعد أن هجرها معظم سكانها، باستثناء القاضي الذي لم يجد مأوى يتوجه إليه. مع بداية فصل الشتاء البارد، بدأ القاضي في إدراك حماقته، كما لو كان رجلًا ضائعًا على دربه لا يدري إلى أين سيصل.
ترى الكاتبة دي غرويتر أن الرواية مهمة جدًا في العصر الحالي على الرغم من نشرها في عام 1980. تكشف الرواية عن سهولة تغيير الأوضاع في المجتمعات التي عاشت بسلام لفترة طويلة من خلال زرع شائعات كاذبة وخطيرة حول مجموعة معينة وضمها في قصة كبيرة تهدد السيادة والأمن. وإذا تسبب الخوف في ارتعاش المواطنين، سيصدقون كل شيء، وفقًا للكاتبة.