من أين يجب أن نبدأ للخروج من التخلف؟

By العربية الآن



من أين يجب أن نبدأ للخروج من التخلف؟

2 copy 49
الشعب العربي أصبح من أقل الشعوب قراءة في العالم (شترستوك)
لا يمكن أن نختلف حول كوننا متخلفين عن التقدم، ولم نعد نستطيع مسايرة باقي اﻷمم نحو التطور، لقد أصبحنا مع الوقت مجرد مستهلكين لكل المنتجات التي تنتج في أوروبا، في آسيا، في أميركا، وقريبًا في إفريقيا، وغيرها، هل نستغرق في التنظير لنظرية المؤامرة ومحاربة الغرب لنا؟ هل نتمادى في عدم تحمل مسؤولية أفعالنا؟

نعتقد بأن أفكارنا ومعلوماتنا صحيحة ولا تحتمل الخطأ، وهكذا ننغلق على أنفسنا حتى نرى أن من يختلف عنا هو مخطئ، ثم ننتقل إلى اعتبار من يختلفون معنا أعداء

لنفرض جدلًا أن كل العالم يحاربنا، لكن قبل ذلك يجب أن نقف أمام المرآة ونقيم أنفسنا بموضوعية في بضع نقاط سوف نعرضها فيما يلي:

  • القراءة

نحن من أقل الشعوب قراءة في العالم، لنكن صرحاء مع أنفسنا، كم كتابًا نقرأ في السنة خارج بعض العناوين وبعض الملخصات هنا وهناك؟ ثقافتنا تعتمد على السمع في اﻷماكن العامة (المقاهي في أغلب اﻷحيان)، نحن نحمل أفكارًا تم برمجتنا بها منذ الصغر، وغير مستعدين لسماع ما يمكنه أن يغير نظرتنا وأفكارنا، نحن نخاف من اكتشاف الحقيقة التي قد تكون مختلفة عما اعتقدناه لعدة سنوات، فننطوي على ذواتنا، ونرفض كل ما هو جديد دون إعطاء الفرصة ﻷنفسنا للتفكير فيه (نهرب من المواجهة).

  • الخلط بين الشخص والفكرة

لم نصل بعد إلى مرحلة التفرقة بين الأشخاص واﻷفكار، عندما يأتي رجل -نعتقد مسبقًا أنه شخص سيئ بناءً على المعايير التي تعلمنا أن نحكم بها- ويطرح أفكارًا صحيحة نذهب مباشرة إلى التعرض لشخصه والتهجّم عليه، وعلى ماضيه دون مناقشة الفكرة التي طرحها.

  • التفكير المطلق

نحن -في أغلبيتنا- نميل إلى الاعتقاد بأن اﻷفكار التي نحملها هي أفكارنا، لِمَ لا نتوقف من حين إلى آخر مع أنفسنا لنناقش هذه الأفكار التي قد تكون مجرد برمجة تم برمجتنا بها عن طريق المنظومة التعليمية، عن طريق اﻹعلام، عن طريق الدعاية، وعن طريق أجهزة اﻷنظمة التي ربما من مصلحتها أن نبقى هكذا؟

هناك أمر آخر فيما يخصّ تلك اﻷفكار، وهو أننا نعتقد بأن أفكارنا ومعلوماتنا صحيحة ولا تحتمل الخطأ، وهكذا ننغلق على أنفسنا حتى نرى أن من يختلف عنا هو مخطئ، ثم ننتقل إلى اعتبار من يختلفون معنا أعداء.

نحن نلصق كل شيء باﻵخرين حتى نتجنب تحمل مسؤولية نتائج أفعالنا، إذا نجحنا فهذا عملنا ونتيجة جهدنا، وإذا فشلنا فمسؤولية ذلك تقع على عاتق اﻵخرين الذين يتآمرون علينا

  • الكراهية

كل إنسان له طاقة، عندما يكون صغيرًا يمكنه أن يستغل تلك الطاقة في التعلم واللعب، ثم عندما يكبر يمكنه أن يستغلها في العمل والبناء، لكن أغلبيتنا عندما لا نجد شيئًا يمكننا أن نستثمر طاقتنا فيه، فإننا نهدرها كل صباح في البحث عن شيء يمكننا أن نكرهه، عن شخص يمكننا أن نتعارك معه، عن أشياء يمكننا أن ننتقدها أو نحطمها، مع الوقت ودون أن نعرف تصبح الكراهية والبحث عن أعداء هي المحرك لحياتنا (كراهية اﻵخر المختلف وعدم تقبل الاختلاف).

  • فكرة الرجل القوي العادل

هي فكرة توارثناها من الماضي، وما زلنا نحلم دائمًا بالرجل القوي في عقله وفي جسده، هذا الرجل هو من يمكنه أن يعاقب الناس السيِّئين ويجازي الخيّرين، فهو من ينشر العدل ويحقق التقدم للأمة في جميع المجالات. عندما يموت لسبب ما نقول إنه مات مسمومًا أو مقتولًا بطريقة ما؛ ﻷنّه الزعيم، ولا يمكن أن يموت طبيعيًا دون مؤامرة من جهة ما (الفكرة تشبه فكرة اﻷخ اﻷكبر في رواية 1984 لجورج أرويل)، نحن نعيش في الماضي ولا ننظر من حولنا إلى أمم متقدمة، شعوبها تعيش في رفاهية كبيرة.

  • نظرية المؤامرة

عندما لا يريد شخص ما أن يتحمل نتائج أفعاله تكون نظرية المؤامرة هي الحل السحري، سمعت رجلًا يرد عندما سأله رجل آخر عن جرح فوق جبينه: (جرحني حائط في الشارع..)، هذه اﻹجابة ورغم بساطتها يمكنها أن تختزل فكرة عدم تحمّل المسؤولية في ثقافتنا، فلا يمكن أن نتصور أن الحائط الثابث يمكنه أن يكون هو المسؤول عن فعل الجرح!

نحن نلصق كل شيء باﻵخرين حتى نتجنب تحمل مسؤولية نتائج أفعالنا، إذا نجحنا فهذا عملنا ونتيجة جهدنا، وإذا فشلنا فمسؤولية ذلك تقع على عاتق اﻵخرين الذين يتآمرون علينا.. لكننا لا نستطيع أن نبرر لماذا لا نستطيع أن نتآمر عليهم؟

أكل شحوم الحيوانات قد تكون مضرة للجسم في الصحراء، لكنها قد تكون مفيدة له في المنطقة القطبية

الخلاصة

لكن، ماذا يجب علينا القيام به لنعود إلى السير نحو المستقبل مثل باقي اﻷمم؟ هل نغمض أعيننا ونستمر في الكذب على أنفسنا؟ هل نحاول الانطلاق بالسرعة الخامسة نحو الماضي؟

أظن أنه علينا الانطلاق من حيث انطلقت البشرية، علينا أولًا -حسب تقديري- أن نبدأ من فكر سقراط حول التفكير النقدي الذي يعني عدم قبول أية فكرة وأية معلومة كمسلّمات دون الشك بإمكانية كونها تحتمل الخطأ، عندما نبدأ التفكير بتلك الطريقة تبدأ حركية كل اﻷشياء من حولنا، ونبدأ السير؛ ﻷن الذي يكون صحيحًا في زمن ما وفي مكان ما قد لا يكون كذلك في زمن آخر وفي مكان آخر، فأكل شحوم الحيوانات قد تكون مضرة للجسم في الصحراء، لكنها قد تكون مفيدة له في المنطقة القطبية.

بعد أن نبدأ التفكير النقدي نصل بعدها إلى أحد المبادئ التي بُني عليها العلم الحديث، وهو مبدأ عدم التناقض الذي أتى به أرسطو.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version