بين ولادة السجن وموته.. سجناءٌ مؤبّدون
25/12/2024
يكن سجن صيدنايا مسخًا اتخذ من السجون الفرنسية التقليدية مثالًا في التعذيب والسفك اللامعقولين، ومن الحديثة منها سرّيّة السراديب واسوداد الحيطان المطلية خارجًا بدماء من ذُبِحوا.
رغم الاحتفاء بالنصر وسط الإبادة الجماعية في غزة والهدنة في لبنان، كيف يمكننا أن نبتسم أمام صور المساجين وذاكرتهم المقتولة، وسنوات حياتهم المدفونة في مكان أصبح دهليزًا تقتفيه كاميرات الإعلام؟
تحدث فوكو في كتابه “المراقبة والعقاب” عن ولادة السجن، ولكن هل تموت السجون حقاً بمجرد تدميرها أو الهروب منها؟ أم أنها تتجذر في ذاكرة مساجينها إلى الأبد؟
تطرّق فوكو أيضًا إلى تصميم السجون، وركز على الفرق بين سجون العصور القديمة والحديثة، مشيرًا إلى أن العقاب الحديث أصبح يعتمد على المراقبة الذاتية بدلاً من التعذيب العلني. استخدم مثال “البينتكايون” لشرح كيفية جعل العقاب تجربة نفسية.
لكن في سوريا، وخاصة في سجن صيدنايا، كان الحكم السياسي يعبر عن ذاته كـ “بينتكايون”، بينما زُج بالسجن ليكون نموذجًا للتعذيب والسفك الغير معقول.
الوحوش لا تقتل المخلوقات الأخرى لمجرد الابتهاج، الوحوش لا تبني معسكرات اعتقال أو غرف غاز.
كما ذكر بيرنهاردت ج. هوروود في كتابه “التعذيب عبر العصور”، معبرًا عن الشرور غير المعقولة التي يعيشها الناس، حيث تتزايد الآلام والتراجيديا في حياتهم.
الأنظمة القمعية وتعذيبها السادومازوخي، لا تعبر إلا عن الانضباط والقمع.
يطلب هوروود منا عدم الانذهال من الشرور البشرية لأن هذه الظواهر موجودة منذ زمن بعيد. ومع ذلك، فإن التاريخ يحمل وعدًا بتحرير المظلومين وتدمير السجون.
إلا أن النخب الحاكمة تبدو غير مهتمة بالتغيير، حيث يتجلى تأثير السلطة في الممارسات السادومازوخية. فأي سلطة هي في النهاية علاقة مضطربة تؤدي إلى معاناة الطرف الآخر؟
رغم كل هذه الأفكار، أجد نفسي أعود للكتابة عن هذا الموضوع، لأن العالم يبدو وكأنه دائرة من السادومازوخية، حيث تتكرر الأنظمة القمعية والممارسات التعذيبية، في حين أن الخطابات “الحضارية” للحكام تبقى في فلك الانضباط والقمع.
رابط المصدر