من شانغهاي إلى تشانكاي: الصين تعزز روابط بيرو وأميركا اللاتينية من خلال مبادرة الحزام والطريق

By العربية الآن

بين شانغهاي وتشانكاي.. الصين تربط بيرو وأميركا اللاتينية بمبادرتها للحزام والطريق

الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيسة بيرو دينا بولوارت خلال احتفالهما بافتتاح ميناء تشانكاي (الفرنسية)
الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيسة بيرو دينا بولوارت خلال احتفالهما بافتتاح ميناء تشانكاي (الفرنسية)
بكين – يُعتبر حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ لأحداث قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (آبيك) في بيرو، وقمة مجموعة العشرين في البرازيل، فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث أثبتت هذه المنطقة أهميتها الكبيرة في التجارة الخارجية للصين.

في ذلك السياق، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن قيمة التبادل التجاري بين الصين وأمريكا اللاتينية بلغت 427.4 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بزيادة قدرها 7.7% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. من المتوقع أن تقترب هذه القيمة من 500 مليار دولار مع نهاية عام 2024.

التجارة البحرية عبر المحيط الهادي

يشكل افتتاح ميناء تشانكاي، الذي أُطلق في احتفال حضره الرئيس شي جين بينغ ورئيسة بيرو دينا بولوارت، علامة فارقة في جهود الصين لتعزيز تواجدها الاقتصادي في العالم. يقع هذا الميناء الحديث على بُعد 78 كيلومتراً شمال العاصمة ليما على سواحل المحيط الهادئ، ويهدف إلى أن يكون نقطة وصل بين شمال شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.

يتطلب مشروع الميناء استثمارات تصل إلى 3.5 مليارات دولار، وهو جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تسعى لبناء شبكة تجارية وبنية تحتية تربط بين العديد من الدول. وتهدف هذه المبادرة إلى تحقيق تنمية اقتصادية مشتركة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية.

في مقال نشر له، أكد الرئيس شي على أهمية نجاح مشروع ميناء تشانكاي من خلال استكمال مراحل بنائه وتشغيله، لتحقيق الفائدة الاقتصادية للبلدين في ظل تعزيز الروابط التجارية.

تم اختيار موقع تشانكاي أيضاً بسبب موقعه الاستراتيجي، الذي يسهل الوصول منه مباشرة إلى شواطئ الصين ودول شرق آسيا من خلال المحيط الهادئ، مما يجعله ميناءً طبيعيًا لكل الأعمال التجارية البحرية.

تتوقع بيرو أن يُعزز هذا المشروع الروابط الاقتصادية والاستراتيجية بينها وبين الصين ودول شرق آسيا، مشيرة إلى أن البلدان المجاورة مثل البرازيل والإكوادور وكولومبيا وبوليفيا وتشيلي يمكن أن تستفيد أيضًا من وجود ميناء تشانكاي.

من المتوقع أن يُساعد هذا الميناء في تقليل تكاليف الشحن بنسبة 20%، حيث ستصل السفن التجارية إلى الصين في فترة زمنية تقل بـ 12 يوماً مقارنة بالموانئ الأخرى. إذا تحقق هذا، فقد يصل إجمالي الإيرادات السنوية الناتجة عن المشروع إلى 4.5 مليارات دولار، بالإضافة إلى توفير 8000 فرصة عمل محلية.

ميناء تشانكاي يتوقع له أن يحقق ما يبلغ 4.5 مليارات دولار من الإيرادات سنوياً (الفرنسية)

علاقات متينة

يشير هذا المشروع إلى وجود أسس قوية لبناء علاقات تجارية متينة بين الصين وأمريكا اللاتينية، بما يعزز من التعاون الاقتصادي المتبادل ويرفع من مستوى الرفاهية في هذه الدول.

## الصين وبيرو.. شراكة تاريخية

تتجاوز علاقة الصين مع بيرو كونها مجرد تداخل تجاري، حيث تُعتبر الصين أكبر شريك تجاري لبيرو على مدى السنوات العشر الماضية تُعزى لهذا الأمر. إذ تشكل صادرات بيرو إلى الصين ما يقارب 36% من إجمالي صادراتها، وتُقدر الاستثمارات الصينية في البلاد بحوالي 30 مليار دولار، مما يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي لبيرو.

مشاريع استراتيجية

تشير التقارير إلى وجود مشاريع متعددة بين الصين وبيرو، بما في ذلك مشروع مستشفى ساول غاريدو في مدينة تومبيس الذي سيخدم 100 ألف مواطن. بالإضافة إلى مشروع لتحسين خدمات المياه في ثلاث مناطق بالعاصمة ليما، والذي يهدف إلى توفير المياه لنحو 400 ألف من السكان.

كما تُعتبر بيرو أول دولة في أمريكا اللاتينية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين بعد تأسيس الجمهورية الشعبية، وأول دولة توقع اتفاقية تجارة حرة مع الصين عام 2010، وتم تحديث هذه الاتفاقية مؤخرًا مع وضع خطة تعاون لأفضل السنوات القادمة.

جذور العلاقة تمتد لـ175 عامًا

تمتد جذور العلاقة بين بيرو والصين لأكثر من 175 عامًا، حيث يُعتبر “الحي الصيني” في العاصمة ليما شاهداً على الوجود الصيني القديم المتجدد. وقد جاء العديد من المهاجرين الصينيين منذ ذلك الحين، لا سيما من إقليم غواندونغ، ليعملوا في مجالات عدة مثل البناء والتعدين والزراعة.

تحتفل الجالية الصينية في بيرو بمرور 175 عامًا على موجات الهجرة الصينية إلى البلاد، حيث يكون الاحتفال بمثابة اعتراف بدور المجتمع الصيني في تشكيل الهوية البيروية.

الموجات اللاحقة للهجرة

عقب عام 1949، كانت هناك موجة ثانية من المهاجرين الصينيين إلى بيرو، ومعظمهم من طبقة متعلمة وثرية. تمحور نشاط هؤلاء حول الأعمال التجارية، وشملت أيضًا أفراد من تايوان وجنوب شرق آسيا.

في حين يُقدر عدد المهاجرين الصينيين القادمين إلى بيرو بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بنحو 100-120 ألف شخص، تشير التقديرات إلى أن عددهم اليوم قد يصل إلى نحو مليون شخص في البلاد، رغم الصعوبات في إثبات ذلك نظراً لتداخل أنسابهم عبر الزواج من قوميات مختلفة.

صعود الصين وتأثيره على الصينين في بيرو

مع صعود الصين كقوة اقتصادية، يدرك الصينيون في بيرو أهمية الروابط الاقتصادية والثقافية مع بلدهم الأم. يُعتبر تحسين العلاقات بين بيرو والصين فائدة لكلا الطرفين، حيث يساهم ذلك في تعزيز الروابط التجارية ويُعزز من حضور الثقافة الصينية في المجتمع البيرواني.## الثقافة الصينية في بيرو: استمرارية رغم تغيّر الأسماء

تواصل الثقافة الصينية تأثيرها في بيرو رغم أن العديد من ذوي الأصول الصينية فقدوا أسماء عائلاتهم الأصلية واستبدلوها بأسماء بيروية. يتمثل ذلك في الكثافة الكبيرة للمطاعم الصينية، التي يصل عددها إلى نحو 50 ألفًا، والمعروفة محليًا بمطاعم الـ”شيفا”.

تعليم اللغة الصينية: انفتاح على الفرص

تُعتبر اللغة والثقافة الصينية من البرامج التعليمية المهمة حالياً، حيث تُدرس للشباب البيروي، ويقبل الكثير من الطلاب الذين ليس لديهم جذور صينية على تعلم هذه اللغة. بيد أن هناك مدرستين متخصصتين في تدريس اللغة الصينية بالعاصمة ليما، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذه اللغة في مجالات العمل والتجارة.

المعاهد الكونفوشيوسية: نشر الثقافة الصينية

توجد أربعة معاهد كونفوشيوسية في بيرو، وهي نقاط مركزية لتعليم الثقافة واللغة الصينية، تحت إشراف وتمويل وزارة التعليم الصينية. هذا البرنامج بدأ يشهد انتشاراً عالمياً منذ عام 2004.

اقتصاد الصين: فرصة جديدة لأبناء الجاليات

يمثل الصعود الاقتصادي للصين في العقود الأخيرة فرصة جديدة لأبناء وأحفاد الجاليات الصينية في بيرو وأمريكا اللاتينية. يتيح لهم هذا الصعود اكتشاف جذورهم وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مما لم يكن متاحاً قبل ثلاثة أو أربعة عقود.

المصدر: الجزيرة

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version