من هو زئيف جابوتنسكي الذي يعتبر نتنياهو مثالًا له ويحتفظ بسيفه؟
كذلك، منذ أن تولى حزب الليكود السلطة، خصصت إسرائيل يومًا سنويًا لإحياء ذكرى جابوتنسكي، وتم إطلاق اسمه على عدد من المراكز والشوارع.
يعتقد إرن كابلان، رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو، في دراسة بعنوان “لمحة عن الأيديولوجية التي توجه نتنياهو”، أن الحرب الإسرائيلية الحالية التي تحولت إلى مأساة إنسانية في غزة تعكس الفكر الذي أطلق عليه جابوتنسكي اسم “الجدار الحديدي” في العشرينيات، والذي كان قد أثر كثيرًا في نتنياهو خلال عقدين من حكمه.
من جهة أخرى، يصف الكاتب الأميركي زاك بوشامب في مقال له بعنوان “الأفكار التي تحدد شخصية بنيامين نتنياهو” مواقف نتنياهو المتشددة، مما يؤدي أحيانًا إلى توتر علاقاته مع حلفائه، كمثل الولايات المتحدة وذلك بسبب ارتباطه بالتيار الصهيوني الأكثر تشددًا الذي أسسه جابوتنسكي.
يضيف الكاتب أن جابوتنسكي، المولود في أوديسا عام 1880، قدم رؤية فكرية أثمرت في النهاية إلى تأسيس حزب الليكود واستمرار السياسات المتشددة المعتمدة اليوم.
يتفق الباحثون على أن سياسات نتنياهو التي تتجاهل أي معارضة، حتى من حلفاء، واعتقاده بأن القوة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن الإسرائيلي، تمثل تجسيدًا لأفكار جابوتنسكي.
كتب جابوتنسكي في عام 1923 أن “السبيل الوحيد الذي قد يوافق العرب بموجبه على قيام دولة يهودية في فلسطين هو القوة التي تخضعهم”، مشيرًا على نحو مماثل لمواقف نتنياهو الحالية، إلى أن “الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى اتفاق مع الأعداء العرب في المستقبل هي التخلي عن أي فكر يسعى للوصول إلى اتفاق معهم حالياً”.
نتنياهو.. نسل المنظمات الإرهابية
في مقال نشر في 31 أكتوبر 2023، بعنوان “عندما وصف أينشتاين من يحكم إسرائيل بأنهم فاشيون”، يؤكد الباحث اليوناني يورغوس ميترالياس أن ما يقوم به حكام إسرائيل اليوم ليس وليد اللحظة بل هو نتاج أفكار قديمة.
يقول ميترالياس إن نتنياهو، الذي يحوز الرقم القياسي في رئاسة الليكود والحكومة، ينتمي إلى ذلك “الرحم الفاشي” الذي أنجب مناحيم بيغن وإسحاق شامير وغيرهم من اليمينيين. ويُعتبر له علاقة مباشرة، بل عائلية، مع الأجنحة الفاشية التي ألهمها جابوتنسكي قبل قرن من الزمن.
ويتابع ميترالياس أن القيادات الحالية لحزب الليكود لا تبتكر شيئًا جديدًا، بل إن أفعالهم تتشابه مع ما كانت تتبناه المنظمات التي نشأوا فيها، مثل بيتار وإرغون وشتيرن، والتي كانت ذات سمعة سيئة في ذلك الوقت.
يرى ميترالياس أن هناك اختلافًا كبيرًا بين الماضي والحاضر؛ إذ في السابق كان جابوتنسكي ورفاقه ذوي السمعة السيئة وكان السياسيون يتجنبونهم، أما اليوم، فقد تحول الفاشيون والإرهابيون من أعداء إلى شركاء استراتيجيين للعديد من الحكومات الغربية.
ويعتبر ذلك الإعجاب بجابوتنسكي مصدر قوة لنتنياهو، خصوصًا أن والده بن صهيون نتنياهو كان أيضًا من أتباع جابوتنسكي.
يشير الباحث المجري لازلو بيرنات فيسبريمي إلى أن نتنياهو، كونه ابن مؤرخ متخصص في تاريخ يهود إسبانيا، يؤمن بأن التاريخ اليهودي هو تكرار لمحاولات تدمير اليهود عبر العصور.
علماني يستغل المتشددين
يشير فيسبريمي إلى أنه من المفارقات أن نتنياهو يستغل المسيحيين المتشددين في إسرائيل لتعزيز سلطته، رغم أن الخلفية الفكرية لحزب الليكود تستند إلى صهيونية علمانية تحت مسمى “الصهيونية التصحيحية” التي أسسها جابوتنسكي عام 1925.
تتعارض الصهيونية التصحيحية مع المرونة والاعتدال، وفقًا للدارسين، بل تعني توجهًا أكثر تشددًا، حيث تتجنب أي تسوية مع العرب.
لقد اعتبرت هذه الحركة، التي وُلِد منها الليكود، أن البريطانيين أعداء لهم، واستهدفتهم بالنقد، بل إن العصابات المسلحة التي أسسها قادتها استهدفت قوات الاحتلال البريطاني.
كان جابوتنسكي يعتقد أنه يجب أن تمتد الدولة اليهودية إلى حدودها التوراتية، وكان لديه مقولة شهيرة “لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا وتلك أيضًا”.
جابوتنسكي ونظرية الجدار الحديدي
يرى بوشامب أن رؤية جابوتنسكي، التي تشكلت نتيجة المذابح الروسية، تفترض أن الحياة اليهودية محاطة بالمخاطر. لذا، يرى نتنياهو القوة الإسرائيلية مستندة إلى مفهوم “الجدار الحديدي”، الذي يعني استخدام القوة العسكرية لضمان بقاء الدولة.
يؤكد كابلان أن جابوتنسكي انتقد أولئك الصهاينة الذين رأوا إمكانية التعايش مع العرب، حيث اعتبر أن أي سكان أصليين عبر التاريخ لن يقبلوا بالتغيير. لذلك، يجب محاربتهم وفرض السيطرة على الأرض.
يعتبر الباحثون أن تطبيق نتنياهو لهذا الفكر واضح، سواء من خلال زيادة الاستيطان أو عبر سياسة القوة المدمرة في غزة.
لا تسوية سلمية مع العرب
يعتقد كابلان أن نتنياهو كان يسعى لقتل اتفاقيات أوسلو، حيث اعتبر أن الحل يكمن في دولة يهودية قوية ترفض أي تنازلات، وتحدد التهديدات التي تواجه الشعب وتنطلق للقضاء عليها بقوة.
بحسب فيسبريمي، فإن سياسة التطبيع مع الدول العربية التي حدثت في عهد نتنياهو أيضًا مستلهمة من فكر جابوتنسكي، التي تهدف لبناء قوة ساحقة تقضي على أي معارضة.
يرى الباحث كابلان أن الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 كان فرصة لنتنياهو لترسيخ فكرة “الجدار الحديدي” حيث شنت حربا كبيرة ضد غزة، مشيرًا إلى أن العمليات لن تتوقف حتى يتم القضاء على حماس.
جابوتنسكي.. موسوليني اليهود
يشدد فيسبريمي على أن أتباع جابوتنسكي كانوا يصفونه بـ”موسوليني اليهود”، حيث كان يتطلع إلى إنشاء تنظيم مركزي ويسعى للترويج لفكرة الجيش الموحد.
وفقًا للكاتب اليوناني ميترالياس، فإنه من المفارقات أن جابوتنسكي تحالف مع قاتلي يهود مثل سيمون بيتليورا وارتبط بموسوليني نفسه.
بل وأكثر من ذلك، لم تقتصر تحالفات جابوتنسكي على مسببي الكوارث، بل إن الحكومات الغربية التي يقودها الفاشيون تدافع عنه اليوم وتتهم كل منتقد له بمعاداة السامية.
أينشتاين: إسرائيل يحكمها فاشيون
يؤكد الكاتب ميترالياس أن نتنياهو وحكومته يعملون على تأكيد ما لاحظه أينشتاين عام 1948 حين اعتبرهم “فاشيين عنصريين”.
يذكر ميترالياس أن أينشتاين نشر رسالة في صحيفة نيويورك تايمز عام 1948 يوضح فيها أن حزب “هيروت” يشبه النازية والفاشية في منظمته وفلسفته.
يرى أينشتاين أن مذبحة دير ياسين تجسد الشراسة والحرمان من الإنسانية لدى مؤسسي الليكود، مشددًا على أن قادة الحزب يقومون بنشر منهج يجمع بين العنصرية والتطرف.
يواصل ميترالياس بالقول إن التحذيرات التي أطلقها أينشتاين قد تحققت واقعيًا من خلال أفعال مناحيم بيغن وإسحاق شامير وبنيامين نتنياهو.
إسرائيل نحو التفكك.. ونتنياهو يبحث عن مصالحه
يستنتج ميترالياس أن أحفاد “المنظمات الإرهابية” في 1948 يقودون إسرائيل الآن نحو “التدمير النهائي”، رغم ما تظن إسرائيل أنها قوية.
يدعو ميترالياس إلى ضرورة التطلع إلى الخلافات بين نتنياهو والأميركيين من خلال فهم خلفيته الأيديولوجية المبنية على القوة العسكرية التي تعزز من مواقفه.
بينما يعتقد بوشامب أنه من الممكن دفع نتنياهو للتنازل، لكن هذه الخلفية ليست العامل الوحيد الذي يحركه، بل إن مصالحه السياسية أيضًا تلعب دورًا محوريًا.
رابط المصدر