وخلال المحادثات الدبلوماسية الطويلة التي نظمت في القاهرة والدوحة خلال الساعات الأخيرة، صرحت وزارة الخارجية الأميركية بأن الخطوط العسكرية الإسرائيلية الحالية بخصوص غزو رفح لا يجب دعمها من قبل واشنطن، وأن إسرائيل لم تقم بما يكفي لتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة.
وبعد زيارة طويلة إلى عواصم المنطقة للتوصل إلى اتفاق حول إطلاق سراح المحتجزين ووقف النار بين حماس وإسرائيل، غادر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المنطقة ليحمل حَرَكَة حماس مسؤولية عدم قبولها المقترحات المصرية القطرية.
وبعد ساعات، عاد مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز في جولة تفاوضية معقدة بين القاهرة والدوحة ساهمت في توضيح الموقف الأميركي من الصفقة المعروضة.
سريعة ومستمرة
ومن ناحية أخرى، صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي “ما زلنا مؤمنون بأن صفقة الرهائن هي الأفضل من أجل حياة الرهائن، وتجنب الغزو لرفح، حيث يتواجد أكثر من مليون شخص، وحالياً هناك مفاوضات سريعة ومستمرة”.
وفي تصريح صحفي بعد الإعلان عن موافقة حماس على الصفقة، قال كيربي “نحن ندرس رد فعل حماس حاليًا ونتناقش فيه مع حلفائنا في المنطقة، ولن أتمكن من التعليق بشكل أوسع حول هذا الأمر حتى نشهد تقدمًا في المحادثات”.
وسبق أن أكد الرئيس جو بايدن لنتنياهو “أن الغزو لرفح سيكون خطأ”، وأكد أن واشنطن لا تؤيد هجومًا بدون خطة واضحة لمساعدة نحو 1.2 مليون مدني يتواجدون هناك.
وخلال محادثة مع نتنياهو يوم الإثنين، أكد بايدن “موقفه الواضح” بشأن التوغل المحتمل، وفقًا لتقرير صدر عن البيت الأبيض، الذي أشار أيضًا إلى استعراض بايدن “التحدثات التي تُجرى لضمان إطلاق سراح الرهائن ووقف فوري لإطلاق النار في غزة”، بالإضافة إلى “بحث زيادة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بما في ذلك الإعدادات لفتح معابر شمالية جديدة بدءًا من هذا الأسبوع”.
تعقيدات موقف بايدن الداخلي
ويخشى المسؤولون الأميركيون من أن تؤدي محاولة نتنياهو لتنفيذ
اقتحام بري كبير لرفح إلى وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين، مما قد يزيد من الضغوط الداخلية على بايدن المؤيد للكيان الصهيوني.
ويُمثل الضغط الذي تقوم به إدارة بايدن، من خلال جهود دبلوماسية مكثفة للوساطة في تحقيق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل لتجنب احتلال رفح، أولوية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.
وأفادت التقارير بقرار اتخذته إدارة بايدن بتأجيل تسليم الذخائر إلى إسرائيل كرسالة تحذيرية ليست مستعدة لمواجهة عواقب تصعيد الأمور إذا قامت إسرائيل بشن هجوم عسكري كبير على رفح. وامتنع كيربي عن تصريح علني بشأن هذه التقارير.
إستراتيجية “عناق الدب”
يخشى بايدن من أن يكون اقتحام رفح ضربة لإستراتيجية “عناق الدب” (الدعم الكامل لإسرائيل) التي ينتهجها والتي ترى أن دعم الولايات المتحدة المستمر لإسرائيل يمكن للأمريكان من دلالة الإسرائيليين نحو عمل عسكري بمستوى أقل.
كما أن تصاعد العنف في غزة قد يعقّد الوضع السياسي الداخلي لبايدن، الذي يواجه بالفعل تحديات داخلية في حزبه الديمقراطي، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأولية، وكذلك حركات الاحتجاج الضخمة التي تجتاح مئات الجامعات الأميركية بسبب سياسته المناصرة لإسرائيل.
ويأمل مساعدو بايدن أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى تخفيف الضغوط عليه، بالنظر إلى اشتداد الاحتجاجات والمخاوف المتزايدة منهناك توتر مرتقب خلال اجتماع الحزب الديمقراطي في شهر أغسطس.
وقد أعرب السيناتور المستقل بيرني ساندرز عن حاجة بايدن لاتخاذ موقف قوي، حيث نشر تغريدة على منصة تويتر قائلاً: “قد هرب مليون شخص إلى رفح خلال عدة أشهر، حذرت الولايات المتحدة من تصاعد التوترات، ولم يأخذ نتنياهو التحذيرات على محمل الجد. الآن، هناك هجمات محتملة قد تؤدي إلى قتل عدد غير معروف من المدنيين. يجب على الرئيس بايدن دعم كلامه بأفعال، ووقف جميع أشكال المساعدات العسكرية لإسرائيل.”
هل سيتخذ بايدن إجراءات؟
من ناحية أخرى، ذكرت هايدي ماثيوز، أستاذة القانون الدولي في جامعة يورك بكندا والتي عملت سابقا في المحكمة الدولية والمحكمة الخاصة لسيراليون، أن إدارة بايدن أعلنت منذ فترة أنها لن تدعم عمليات عسكرية في رفح بدون خطة إنسانية موثوقة.
وخلال مقابلتها مع شبكة الجزيرة، أشارت إلى أن إسرائيل قد أمرت بنقل حوالي 100 ألف مدني من رفح إلى مناطق خارجة لا توفر الحياة الكريمة، بما في ذلك السكن ونظام الصرف الصحي والتغذية، ودعت إدارة بايدن إلى اعتبار الهجوم على رفح بوجود هذه الظروف “خطا أحمر” قد يؤدي إلى تجميد المساعدات العسكرية لإسرائيل.
من جانبه، أكد السفير ديفيد ماك، الذي كان سابقاً مساعد وزير الخارجية للشؤون الشرقية والخبير الحالي في المجلس الأطلسي، خلال مقابلة مع شبكة الجزيرة، أن “أفضل استجابة يمكن لبايدن أن يتخذها تجاه الرأي العام الأمريكي هي فرض حظر على تصدير الأسلحة الهجومية الأمريكية إلى إسرائيل حتى يتحقق وقف دائم لإطلاق النار.”