نماذج التأليف القديسة.. “حبر الأمة ومترجم القرآن”
مع تقدم دينه ودين أبوه، فلم يتسن له أن يهاجر إلا قبل فتح مكة، وذلك بعد أن أسلم والده، فهاجر معًا، فالتقيا مع النبي ﷺ، في الجحفة وهما ذاهبان لفتح مكة،
عاد إلى مكة مع شهادته في فتحها
أسماءه ونسبه وكنيته
هو عبد الله بن العباس، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، ابن كعب، ابن لوي، ابن غالب، بن فهر، بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان، ثم يرتفع نسبه إلى أن يصل إلى إسماعيل، بن إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، واسم عبد الله من الأسامي المعروفة المتداولة قبل الإسلام، وهو اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام فحبب على التسمية به، وجعله من خير الأسماء التي تختار للأبناء، ففي الحديث (إن أحب أسماءكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن)، ويكنى أبو العباس، أكبر أولاده وهو العباس.
إسلامه وهجرته
بغض النظر عن المداولات في زمن إسلام العباس، ابيه، فان القصص تتحدث بتقديم إسلام عبد الله بن العباس، على غزوة الفتح، بزمن غير سهل، ورد في صحيح البخاري، عن ابن أبي مليكة ان عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) تلا: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال)، قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وجاء في صحيح البخاري تعليقًا، قال: كان ابن عباس (رضي الله عنهما)، مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: أي عبد الله بن العباس: إن الإسلام يعلو ولا يعلى.
هجرته
مع تقدم إسلامه وإسلام ابيه، فلم يحال له أن يهاجر إلا قرب فتح مكة، وذلك بعد أن أسلم ابوه، فهاجرا معًا، فاتفق لقاءهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، في الجحفة وهو ذاهب لفتح مكة، فعادا وشهدا معه فتح مكة، وكان فتح مكة سنة ثمان من الهجرة صباح يوم الجمعة لعشرين من رمضان، وعلى هذا يكون انتقال ابن عباس إلى دار الهجرة سنة الفتح وقد بايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر، وهو صغير لم يبلغ الحلم.
كان أحد الفقهاء السبعة، الذي انتهت إليهم الفتوى، بعد رسول الله، وقد جمع أبو بكر محمد، بن موسى، بن يعقوب، ابن أمير المؤمنين المأمون، فتيا عبد الله بن عباس في عشرين كتابا
مكانته وشخصيته العلمية
شخصية عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) كانت شخصية متكاملة، متنوعة الخصال، الكريمة، فما من عيب من خصال الخير والفضيلة إلا وجده متفوقا فيها، ولا شك أخذ معظم هذه الخصال من ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الكمال في صفات البشر الخيرية، فما هو السبب في ذلك، إن من هذه الأسباب التي جعلته كذلك:
- دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال له: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، فكان بهذه الدعوة فقيها ومفسرا لكتاب الله.
- ذكاؤه النادر، وقريحته الوقادة، وصبره في تحصيل العلم، وقدرته على الاستيعاب، فلقد كان بارعًا في ميادين شتى؛ العلم والمعرفة؛ والأدب والشعر واللغة.
واتفق الناس أن ابن عباس برع على وجه خاص في الفقه: والتفسير والحديث، حتى كان مرجع الناس إليه بالغدو والآصال.
مكانته في الفقه
كان (رضي الله عنه) فقيهًا، بل كان أحد الفقهاء السبعة، الذين انتهت إليهم الفتوى، بعد رسول الله، وقد جمع أبو بكر محمد، بن موسى، بن يعقوب، ابن أمير المؤمنين المأمون، فتيا عبد الله بن عباس في عشرين كتابا، وكان عبد الله بن عباس مرجع الصحابة عند اختلافهم في أمور الفقه: وقالت فيه عائشة أعلم الناس بمناسك الحج، وشهد له عبد الله بن عمرو بن العاص. قال فيه: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء.
مكانته في التفسير
سلك ابن عباس في التفسير منهجًا سليمًا، فهو حين يستعمل العقل يستعمله مستعينًا بمقاصد الشريعة، وأهدافها، واللغة العربية التي نزل بها القرآن، وكان عبد الله بن عباس يكره أن يآخذ من أهل الكتاب، أو يسألهم وكان يقول: كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم أحدث تقرؤونه محضا لم ينشب.
منزلته في الحديث
كان ابن عباس من المحدثين البارزين عن رسول الله، ولكنه كان يكره الإكثار من الحديث عن الرسول، كما كان لا يقبل حديثًا إلا بعد تثبت، وكان ينهج في هذا النهج نهج عمر، ورغم كراهيته للإكثار من الحديث فإنه يعد من المكثرين للحديث، مع أبي هريرة وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين.
أن ابن عباس يعد من المكثرين للحديث
وقد بلغ مجموع ما رواه ابن عباس: 1660 حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة وتسعين حديثًا، وأنفرد البخاري بمائة وعشرين حديثًا، وانفرد مسلم بتسعة وأربعين حديثًا، وفي الرياض المستطابة ليحيى بن أبى بكر العامري، روى عبد الله بن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر فأخرج له الشيخان مائتين وأربعة وثلاثين حديثًا واتفقا، على خمسة وسبعين وانفرد البخاري، بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة وأربعين، وخرج عنه أصحاب المسانيد والسنن كلهم.قال طلحة
أحاديث الاصحاب
موضعه في نظر عمر (رضي الله عنه) ورؤيته للمذهب المكي
هذه التيار المعرفي نال عظيم الانتقاد لدي أتباع المذاهب، الساكنين والحجّاج، والزوار، بل غلبت الكعبة على قلوب كل مؤمن تجلها، أو تساوره أتمنى لضوء، وقد كان المعرفة بمكة تزدهر في مدة الأصحاب، ثم زكت في آخر زمنهم، فضلاً عن زمن التابعين وأصحابهم، مثل ابن أبي نجيح، وابن جريج، لكن مكة عنصرت في زمن التابعين بحفظ الأمة وتفسير القرآن ابن عباس رضي الله عنهما الذي أخذ عنه كثيرًا وحدث عن فهم عمر، وتبع علمهما
عناصر النجاح والهيمنة على المذهب المكي:
رأي الرسول ﷺ له بالفقه الشرعي، والتعبير، التعلم من كبار الأصحاب، قوة استنارته، وقوة فهمه، تركيزه على التفسير، طريقة تدريسه التي تميزت، اهتمامه بنشر المعرفة، رحلاته ورحلاته، تأجيل وفاته، قرب منزلته من عمر. لقد كان عمر يبحث مع أعيان الأصحاب، وذلك لأنه وجد فيه قوة عقلية، جودة فكرية، دقة استدلال، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر كان يسألني مع أصحاب محمد ﷺ، ثم كان يقول لي: انتظر حتى ينتهوا من التحدث، ثم عندما تكلمت، كان يعلن: تفوقتم علي في جلب الأفكار هذا الصبي الذي لم تعبأ رؤوس أشعة. لذا كان ابن عباس يتميز لدرجة أنه عند جلوسه في مجلس مع أفراد أعماره أو أكبر لم ينطق حتى يسمح له، وعمر كان يلاحظ هذا منه، فيدفعه، ويحفزه على الكلام لتنشيط نشاطه الذهني، وتشجيعه على العلم، كما حدث معنا في تفسير قوله تعالى: {أيوّد أحدكم أن تكون له جنة} [البقرة: 266]، وقوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1].
وقال طلحة بن عبيد الله: لم أقابل عمر بن الخطاب يفضل ابن عباس على أحد، وكان ابن عباس يواكب عمر بكثرة، شغفاً بالاستفسار والتعلم منه؛ لذا كان من بين الصحابة الأكثر نقلًا، وإتقانًا لتفسير أمثلة عمر وتعليمه (رضي الله عنهم)، وقد أشار الكثيرون إلى أن جل علم ابن عباس جاء من عمر (مع توجيه الحمد)، كل هذا هو جزء من ما عاشه ابن عباس إمام مدرسته المكية من اهتمام الفاروق، واصطفاء له (رضي الله عنهم)، وأظن أن هذا ما شجع ابن عباس ودافعه للمضي قدمًا في مسيرة العلم بشكل عام، والتفسير بشكل خاص.
الآراء المذكورة في هذا النص هي آراء صاحبه وليست بالضرورة آراء قناة الجزيرة.