في يوم مؤلم للشعب الكويتي والأمة العربية والإسلامية، انتقل إلى رحمة الله أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات في خدمة بلاده ومنطقته والعالم. في هذا المقال، سنعرف على سيرة ومسيرة وإنجازات الشيخ نواف الأحمد، الذي تسلم الإمارة في الكويت في سبتمبر/أيلول 2020، وتحديات واجهها في ظل جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط والأزمات السياسية بين الحكومة والبرلمان. وسنستعرض تأثيره على الكويت والمنطقة والعالم من خلال سياسته الخارجية والإنسانية والتعاونية، ونقدم تقييمًا لإرثه ومكانته في تاريخ الكويت والأمة العربية والإسلامية.
مواليده ونشأته وتعليمه
رزق الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بمدينة الكويت يوم 25 يونيو/حزيران 1937، وهو الابن السادس لأمير الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي حكم الكويت من 1921 وحتى 1950، وهو الأخ غير الشقيق لأمير الكويت المرحوم صباح الأحمد الجابر الصباح. نشأ الشيخ نواف في بيوت الحكم وتأثر بالقيم والمبادئ التي تربى عليها أجداده وآباؤه من الحكام الصباحيين، والتي تتمثل في العدل والشجاعة والحكمة والتسامح والمحبة. تلقى تعليمه في الكويت ضمن مدارسها النظامية، ومن بينها المدرسة المباركية، وحرص على التحصيل العلمي والثقافي والاطلاع على مختلف المجالات العلمية والفنية والرياضية.
مسيرته السياسية والوظيفية
بداياته المهنية للشيخ نواف الأحمد
انطلق الشيخ نواف في حياته المهنية يوم 21 فبراير/شباط 1962 عندما عيّنه الأمير المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح محافظاً لمحافظة “حوالي”، وظل في هذا المنصب حتى 19 مارس/آذار 1978. خلال فترة حكمه للمحافظة، قاد الشيخ نواف تحولات كبيرة في مختلف المجالات كالخدمات والتنمية والاجتماعية، ساعيًا لتحسين جودة حياة السكان. عمل أيضًا على تعزيز الروابط الاجتماعية وتشجيع المشاركة الشعبية وتنظيم الفعاليات الثقافية والرياضية والترفيهية.
الشيخ نواف الأحمد وزيرًا للداخلية
يُعتبر الشيخ نواف مؤسسًا حقيقيًا لوزارة الداخلية الكويتية، حيث شغل منصبها مرتين في عهد شقيقه الغير الشقيق الأمير المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، الفترة الأولى كانت من 19 مارس/آذار 1978 حتى 26 فبراير/شباط 1988، قبل أن يُعين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للداخلية يوم 13 يوليو/تموز 2003. خلال فترتي توليه الوزارة، عمل على تحديث المنظومة الأمنية وتعزيزها، وضمان الأمن والاستقرار في البلاد، وحماية حقوق المواطنين والمقيمين، وتعزيز التعاون الأمني مع الدول الشقيقة والصديقة.
الشيخ نواف الأحمد وزيرًا للدفاع
في 26 يناير/كانون الثاني 1988، تم تعيينه وزيرًا للدفاع، وعاد لتولي هذا المنصب مرة أخرى في 20 يونيو/حزيران 1990. خلال فترة توليه الوزارة، عمل على تحديث المنظومة الدفاعية وتعزيزها، وتعزيز القدراتالقوات المسلحة للكويت، بالإضافة إلى توفيرها الحماية والرعاية لها. بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي في عام 1990، قام الشيخ نواف بتولي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من 20 أبريل/نيسان 1991 وحتى 17 أكتوبر/تشرين الأول 1992، وخلال هذه الفترة ساهم في تقديم الدعم للمتضررين من الغزو، وتنفيذ برامج إعادة الإعمار والتنمية، وتشجيع العمل الخيري والتطوعي.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1994، تعين الشيخ نواف نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير، وظل في هذا المنصب حتى عودته إلى التشكيل الحكومي يوم 13 يوليو/تموز 2003 كنائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية من جديد. وعمل الشيخ نواف على تعزيز دور الحرس الوطني في حفظ الأمن والاستقرار، وتقديم الخدمات والمساعدات للمواطنين والمقيمين، وتنظيم الفعاليات الوطنية والاحتفالات.
تولى الأمير نواف الأحمد ولاية العهد
في 7 فبراير/شباط 2006، صدر أمر أميري بتعيين الشيخ نواف وليا للعهد، وبعد أن بادر بمبايعته في 20 من الشهر نفسه من قبل مجلس الأمة، أدى اليمين الدستورية أمام الأمير السابق الشيخ صباح والمجلس بتوليه المنصب. خلال فترة ولايته، كان الشيخ نواف اليد اليمنى للشيخ صباح في قيادة البلاد، وكان له دور في اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية، ومساعدته في التعامل مع الأزمات والتحديات في المنطقة والعالم.
تولى الشيخ نواف الأمارة في البلاد في 29 سبتمبر/أيلول 2020، وأدى اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في اليوم التالي، خلفًا للأمير السابق صباح الأحمد الجابر الصباح الذي توفي في الولايات المتحدة عن عمر يناهز 91 عامًا.
تولي الأمير المباشرة والتحديات التي تواجهها
تعرض الشيخ نواف لأكبر أزمة اقتصادية في 2020 بعد انخفاض أسعار النفط إلى أرقام قياسية، تأثر تصنيف الكويت الائتماني لدى الوكالات الدولية، لكن تم التغلب بسرعة على هذه الأزمة واستعادة الاتجاه الصحيح على الرغم من التحديات الاقتصادية التي فرضها فيروس كورونا في ذلك الوقت. سعى الشيخ نواف إلى تحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة وتطوير منتجاتها وخدماتها، وعمل على خلق فرص استثمارية تنافسية، وتم احتلال الكويت المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا في قيمة أصول الصندوق السيادي التي وصلت إلى 738 مليار دولار بعد أن كانت 270 مليار دولار في عام 2011.
واجه الشيخ نواف أزمة سياسية بين الحكومة والبرلمان، والتي تفاقمت بعد الانتخابات في عام 2020، مما أدى إلى تشكيل معارضة قوية ضد الحكومة. اشتدت التوترات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأدت إلى استقالة الحكومة في يناير 2021، قبل أن تعيد تشكيلها في فبراير 2021. لم تنجح الحكومة الجديدة في الحصول على ثقة مجلس الأمة، وتم محاكمتها واستجوابها في العديد من القضايا، وأدى ذلك إلى تقديم استقالتها مرة أخرى في أبريل/نيسان 2021.
لحل هذه الأزمة، دعا الشيخ نواف إلى حوار وطني شامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعين وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح رئيسًا للحكومة في يونيو/حزيران 2021، وأمره بتشكيل حكومة جديدة تضم وجوهًا جديدة وتحظى بثقة مجلس الأمة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدر الشيخ نواف مرسومين أميريين بالعفو عن مواطنين ونواب سابقين في البرلمان.
وفاته وتأثيره على الكويت والعالم
توفي الشيخ نواف الأحمد يوم 16 ديسمبر 2023، بعد تدهور حالته الصحية، وقد دخل المستشفى نتيجة ذلك. وأكد الديوان الأميري في بيان.
ببالغ الحزن والأسى، ننعى
إلى شعب دولة الكويت والأمتين الإسلامية والعربية والشعوب الصديقة في العالم، ها نحن نعلمكم بوفاة فقيدنا المغفور له بإذن الله تعالى، سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، الذي ودعناه اليوم ظهرًا، يوم السبت.
مصدر: الديوان الأميري الكويتي
وتم الإعلان في وقت لاحق عن تولي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، والذي هو الأخ غير الشقيق للمرحوم، منصب ولي العهد لدولة الكويت.
وقد تلقى الشعب الكويتي والقادة والمسؤولون والشخصيات العربية والعالمية تعازيهم ومواساتهم، مشيدين بدوره ومكانته التاريخية في قلب الكويت والأمة العربية والإسلامية، وبإسهاماته الكبيرة في تعزيز السلام والتعاون والتنمية في المنطقة والعالم.
رحيل الشيخ نواف الأحمد كان له أثر بارز في المشهد السياسي والإنساني لدولة الكويت، حيث شارك في تعزيز القضايا العربية والإسلامية، وتقديم المساعدات والإغاثة للمتضررين من الحروب والكوارث، وتعزيز العلاقات مع الدول الصديقة.
كان الشيخ نواف الأحمد زعيمًا بارزًا في العالم العربي والإسلامي، حيث ساهم في إنشاء وتعزيز هيئات ومنظمات إقليمية ودولية، مثل مجلس التعاون ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرها من المنظمات العالمية.
الختام
يتناول هذا المقال حياة وإنجازات الشيخ نواف الأحمد، الذي قاد دولة الكويت وواجه التحديات الكبيرة مثل جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط والأزمات السياسية. نسلط الضوء على تأثيره الواسع من خلال سياسته الخارجية والإنسانية، ونقدم تقييمًا لإرثه في تاريخ الكويت والأمة العربية والإسلامية.
نتقدم بخالص العزاء لشعب الكويت وأسرة الفقيد الشيخ نواف الأحمد في هذه اللحظة العصيبة، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته ويرزقه الفردوس الأعلى. ندعو أيضًا لتوفيق ونجاح الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في رحلته التنموية، ولحفظ الكويت وسكانها من كل شر ومكروه.
أسئلة شائعة
من هو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح؟
الأمير السادس عشر لدولة الكويت وأخ غير الشقيق للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي انتقل إلى رحمة الله في سبتمبر 2020.
متى وُلد ومتى توفي الشيخ نواف الأحمد؟
وُلد الشيخ نواف الأحمد يوم 25 يونيو/حزيران 1937، وتوفي يوم 16 ديسمبر/كانون الثاني 2023.
ما هي أبرز الإنجازات التي قدمها الشيخ نواف الأحمد لدولة الكويت والمنطقة والعالم؟
قدم الشيخ نواف الأحمد العديد من الإنجازات الهامة لدولة الكويت وللعالم، حيث قام بتطوير القطاعات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية. وشارك في التصدي للاجتياح العراقي ودعم عمليات التحرير والإعمار. كما أصدر العديد من المراسيم بالعفو والصفح عن المعتقلين والنشطاء، وعمل على تعزيز السلام والتعاون والتنمية في المنطقة والعالم، بالإضافة إلى دعم القضايا العربية والإسلامية وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين وتأسيس ودعم منظمات دولية وإقليمية.