هجرة العاملين اليهود لفلسطين.. دفعها نابليون وحاربها الملك عبد اللطيف

By العربية الآن



هجرة العاملين اليهود لفلسطين.. دفعها نابليون وحاربها الملك عبد اللطيف

بعد الانطلاق من قبرص إلى فلسطين، احتفال 297 عاملًا يهوديًا لجئوا بالغناء مع أطفالهم عند وصولهم إلى ميناء حيفا بإسرائيل، في 9 ديسمبر 1946. (صورة بواسطة بواسطة فوتوكوست/غيتي إيماجز)
السفراء الأجانب أشادوا بالهجرة اليهودية إلى فلسطين وسهلوا لهم اقتناء الأملاك (غيتي)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>حتى القرن التاسع عشر كان تواجد الشعب اليهودي في فلسطين قليلاً، ولم يتجاوز عددهم بضعة آلاف مشتتين بين صفد وطبرية والقدس ويافا ومناطق أخرى في فلسطين، لكن هؤلاء العاملين بالتدريج بدأوا يتزايدون مع الدعوات في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا لتشجيع توطين اليهود في فلسطين لأسباب دينية واقتصادية.

يعود بعض المؤرخين الفترة الأولى للتوطين اليهودي في فلسطين إلى نابليون بونابرت حين احتل مصر عام 1798 وأصدر حينها بياناً دعا فيه اليهود من مختلف مناطق آسيا وإفريقيا لمساندته في مساعدته مقابل دعمهم في الوصول إلى “أرض الوعد” وفق زعمه، وجاءت دعوة نابليون هذه نتيجة حرصه على تحقيق إنجاز بفضل مساعدة اليهود له.

ووفقاً لرفيق النتشةفي رسالته المعنونة بـ”العقود الاستعمارية وفلسطين”، يعكف على فشل حملة نابليون في مصر وفلسطين وعادته بعد ثلاث سنوات، بدأت بدايات الاستيطان اليهودي الحقيقي في فلسطين عام 1840 بمشاركة النبيل شافتسبري في مؤتمر لندن، حيث قدم مقترحًا إلى برلمان بالمرستون وزير الخارجية البريطاني يدعو إلى تنظيم هجرة اليهود ونقلهم إلى فلسطين.

ثم قبل بالمرستون هذه الدعوة وأظهر اهتمامًا بها لإنشاء تجمع يهودي لإقامة الدولة العبرية القديمة في فلسطين لأسباب سياسية ودينية شارك فيها البروتستانت واليهود، بهدف التسريع بعودة المسيح إلى فلسطين وضعف الدولة العثمانية.

وكان قانون الاستعمار العثماني قد أعطى الفرنسيين الحق في دعم ورعاية حقوق الكاثوليك، فيما أعطى الروس حق الدفاع عن الأرثوذكس، وأدركت بريطانيا فيما بعد أن وسيلتها لنفوذ في الإمبراطورية العثمانية ستكون عبر إقامة جماعة دينية تعتمد عليها في الأراضي المقدسة.

انعقاد مؤتمر في لندن

استفادت بريطانيا من فكرة نابليون بدعوة اليهود إلى فلسطين وأسست قنصليتها في القدس عام 1838 وأنشأت فروعًا في حيفا ويافا وعكا، ثم عقدت مؤتمرًا في لندن دعا اليهود للهجرة إلى فلسطين لإقامة الدولة العبرية تحت تأثيرها لخدمة مصالحها في المنطقة.

وتوثق الكاتبة نائلة الوعري في كتابها “الدور الاستيطاني للقنصليات الأجنبية في الهجرة اليهودية إلى فلسطين” تلك الخطة التي بدأت بريطانيا بتنفيذها على الفور بعد افتتاح قنصليتها في القدس، حيث تولى حماية اليهود مباشرة ومنع التصدي أو التدخل في شؤونهم.

واستفاد اليهود كثيرًا من هذه الخاصية، فكتب القنصل البريطاني الأول في القدس رسالة إلى القاضي المحلي يؤكد فيها أن “القنصلية هي المسؤولة عن حماية رعاياها اليهود عسكريًا وسياسيًا في فلسطين وعلى القاضي أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار رسميًا في معاملاته وتصرفاته”.

وبفضل حماية القنصلية البريطانية في القدس والمدن الفلسطينية الأخرى لليهود، كان من المتوقع بدرجة كبيرة أن تلعب دورًا كبيرًا في التدخل والإشراف على عمليات شراء وبيع الأراضي، حيث تدخل القنصل تمبل مور بتأكيد ملكية جمعية مرسلي الكنيسة الإنجليزية في فلسطين والتي كانت تهدف إلى مساعدة اليهود في شراء الأراضي الفلسطينية، كما كانت الصفقات بين اليهود تتم فقط من خلال القنصلية البريطانية في يافا.

وبهذا نرى أن الهجرة اليهودية واستيطانهم في فلسطين كانت بنسبة تفوق 90% تحت غطاء القنصليات الأجنبية وعلى رأسها بريطانيا، وعبر زيارة الأراضي المقدسة وتجاوز التأشيرة العثمانية الممنوحة لهم والهروب والبقاء، ومن خلال تغيير أسمائهم وهوياتهم حتى وصل عددهم إلى حوالي 40 بحلول عام 1882.

ثبات السلطان

يُعتبر السلطان عبد الحميد الثاني الذي تولى الحكم بين عامي 1867 و1909 من السلاطين الكبار الذين كان لهم تأثير كبير في اتجاهات السياسة الداخلية والخارجية للدولة العثمانية.

وبتوليه السلطة وجدت الدولة العثمانية نفسها في مواجهة تحديات مالية وسياسية بسبب الحرب الروسية العثمانية والثورات التي دعمتها فرنسا وبريطانيا وروسيا بين الأكراد والعرب والأرمن.

ويتزايد ذلك بنفوذ الدول الكبيرة وتدخلها في شؤون الدولة العثمانية بزعم حماية الأقليات والطوائف الدينية وفقًا لقانون الامتيازات العثماني القديم الذي وضعه سليمان القانوني مع فرنسا عام 1535 وما تبع ذلك.

ويطرح السؤال عن كيف كانت سياسة السلطان عبد الحميد الثاني والدولة العثمانية التي كانت تدير فلسطين والمنطقة في ذلك الوقت أمام هذه الخطط البريطانية واليهودية للهجرة والاستيطان اليهودي؟

بدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ عام 1840 واستمرت حتى 1881، حيث لم تعتبر الدولة العثمانية خلال تلك الفترة وجودهم تهديدًا للتوازن السكاني في فلسطين، بل اعتبرت القادمين في كثير من الأحيان مفيدة للحالة الاقتصادية بسبب استثماراتهم في الأراضي الزراعية والتجارية.

لكن مع تولي السلطان عبد الحميد الثاني الحكم في عام 1876، بدأت السلطات العثمانية تلاحظ تلاعب هؤلاء في عمليات شراء الأراضي من أصحابها، وأدركت السلطات المحلية في فلسطين والبابالخطر المنطوي في إسطنبول حيث يُمارس اليهود القادمون من أوروبا تمويهاً يُعد مهددًا.

جاء عام 1882 كمفترق طرق في هجرة اليهود؛ إذ انضمت جماعة من روسيا بعد أن تُمزّق اليهود بتهمة قتل القيصر الروسي الإمبراطور ألكسندر الثاني في العام السابق 1881.

ونتيجة لتحذير الاقتصاديين الروس وحاجة اتخاذ إجراءات رسمية للحيلولة دون انهيار الاقتصاد الوطني بسبب الأساليب غير المشروعة التي كان ينتهجها التجار والظُلّ في المجتمع اليهودي، اضطر هؤلاء إلى الهروب والبحث عن مقصد آخر.

وفي هذا السياق، أصدر السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1881 أول مرسوم يحظر الهجرة الجماعية لليهود القادمين من روسيا إلى فلسطين.

السلطان عبدالحميد (مواقع التواصل الاجتماعي)

وساطات لدى السلطان

وجد اليهود جلبة أحد أغنيائهم لورنس أوليفانت لحل الأزمة العثمانية، وسافر إلى إسطنبول، وطلب من السفير الأميركي التدخل عند السلطان لتعديل قوانين الهجرة، وإلا فشلت هذه المساعي.

بل، كانت تحركات اليهود وتضمين السفير الأميركي بمعركة محافل السلطان عبد الحميد، الذي قال للسفير أوليفانت إنه يمكن لليهود أن يعيشوا بكل سلام في أي مكان بالدولة إلا في فلسطين، حيث يرحب البلد بالمضطهدين ويرفض إنشاء مملكة لليهود في فلسطين بأساس ديني.

لذلك صُدم أوليفانت وبدأ بالتشهير بالسلطان، وعندما استمرت محاولاته أمر السلطان بطرده من إسطنبول ومنعه من العودة.

ويرى حسّان حلاق أن موقف الحكومة العثمانية كان صلبًا ومرعبًا بشأن الحركة الصهيونية.

إجراءات صارمة

حرص السلطان عبد الحميد وحكومته على وضع شروط صارمة للتأشيرة العثمانية إلى فلسطين، حيث كان على الوافدين اليهود توقيع سجل عدم الرغبة والموافقة على القواعد التي تسمح للسلطات بطردهم من البلاد في أي وقت.

بالإضافة إلى ذلك، أصدرت الحكومة في إسطنبول مرسوما يمنع بيع الأراضي لليهود وبناء مستوطنات لهم، وعيّن السلطان رؤوف باشا الشهير بنزاهته واليًا للقدس لمحاربة الرشوة والفساد، لمنع تسلل اليهود في البلاد.

ومع تَعيين رؤوف باشا، أصبحت القوانين العثمانية تمنع اليهود من دخول فلسطين إلا لأغراض الحجّ والزيارة لمدة تصل إلى 3 أشهر فقط.

ولكن ببعض المساعدة من أغنياء يهود أوروبا مثل البريطاني إدموند روتشيلد والروسي واينبرغ، تجنب العديد من اليهود الإجراءات العثمانية وأسّسوا 5 مستوطنات في عام 1883.

وكشف السلطان عبد الحميد الثاني عن دخول القناصل الأجانب بوضوح في تسهيل هجرة اليهود ودعمهم في ضرر المصالح العثمانية والمواطنين العرب، مما أدى في أغسطس 1887 إلى إصدار بلاغ رسمي بغضب السلطان والحكومة العثمانية بعدم تقديم إجراءات فعلية من قبل هذه القنصليات لتسهيل الخروج.

المهاجرون الأجانب اليهود الذين انتهت إقامتهم وفقًا لتوجيهات السلطان، وبناءً على أوامر “الباب العالي”، جرى منعهم من الإقامة في فلسطين.

ووفقًا للدراسة السابقة التي أجراها حسّان حلاق، كانت ردود أفعال القناصل و”ولاة” القدس العثمانيين على السلطان هو عدم قبول تنفيذ الأوامر إلا بعد استلام توجيهات من سفاراتهم في إسطنبول.

لمواجهة هذا التحدي، أصدر “الباب العالي” قوانين جديدة تنص على ضرورة تحمل اليهود الأجانب جوازات سفر توضح ديانتهم اليهودية لتمكينهم من الحصول على تصاريح زيارة للقدس من سلطات الميناء في يافا. ولم تسمح السلطات العثمانية بدخول اليهود القادمين دون تأشيرة صادرة عن القنصليات العثمانية في الدول التي جاؤوا منها.

في عامي 1890م و1891م، صدرت 3 فرمانات من السلطانية تقضي بطرد المهاجرين اليهود إلى أميركا بسبب مخاوف من إنشاء حكومة يهودية في القدس، وتحذيرًا من آثار ضارة على فلسطين. تمنع القوانين العثمانية بيع الأراضي الميرية في فلسطين لليهود، حتى لو كانوا رعايا عثمانيين.

بعد تشديد هرتزل على السلطان عبد الحميد الثاني للسماح بإقامة وطن لليهود، ورغم العروض المالية الضخمة، إلا أن السلطان ظل صامدًا أمام تلك المغريات.

تمكّن هرتزل بعد وساطات متعددة من لقاء السلطان عبد الحميد في مايو 1901م، حيث أكد السلطان رفضه الشديد لأي تدخل في شؤون بلاده.

بالرغم من الصمود الثابت للسلطان عبد الحميد الثاني ضد الهجرة اليهودية، استمرت قدوم اليهود واستقرارهم بصور غير شرعية، وذلك تحت وطأة التهريب والدخول بصفة زائرين، وتكتيب الأراضي تحت أسماء زائفة.

رفض السلطان عبد الحميد الثاني كافة المغريات، وظل متشددًا تجاه الهجرة اليهودية حتى إنقلاب عليه في عام 1909م، مما أدى بعد ذلك لسقوط فلسطين تحت الاحتلال البريطاني الذي فتح الباب أمام الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version