هدايا الغزيين في زمن الحرب والمجاعة: بيضة و”أندومي” ورغيف خبز
غزة– أغمضت هلا عصفور عينيها لحظة تلقيها “ربطة خبز” كهدية من خطيبها محمد سلامة، ووصفتها بأنها ليست مجرد رغيف، بل أول هدية تحصل عليها منذ خطوبتهما الشهر الماضي. وتؤكد: “الخبز أغلى الهدايا في زمن الحرب والمجاعة”.
يشترك محمد وهلا في مهنة الصحافة، وقد اختارا كل منهما أن يتحدوا الظروف القاسية بحب يجمعهما، حيث وجدوا لحظات من الفرح وسط الألم والمعاناة. لدرجة أن عنوان خطوبتهما قد يكون: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
قبل الهدية، قضت هلا ليلة جائعة بسبب عدم توفر الخبز والطحين لعائلتها النازحة من شرق خان يونس، حيث أخبرت محمد: “سأنام الآن جائعة، فليس لدينا خبز أو أي شيء للأكل”.
عانى محمد (24 عاماً) من القلق بشأن هلا (23 عاماً) خلال الليل، مؤكداً أنه كان يشعر بالعجز بسبب الوضع المتدهور، حيث قال: “الخيارات معدومة في زمن الحرب والمجاعة”.
مهمة مستحيلة
مع بزوغ الفجر، قرر محمد الذهاب إلى المخبز الوحيد في خان يونس بحثاً عن “ربطة الخبز”، التي أصبحت حلمًا صعب المنال بالنسبة للكثيرين. العديد من المخابز مغلقة، والطحن نادر.
بعد ساعات من الانتظار، استطاع محمد الحصول على “ربطة خبز” تكفي عائلته ليوم واحد فقط، ساعياً لإخفائها عن أعين الجوعى. يقول: “أخفيتها في شنطة المعدات الصحفية كأنها كنز، لأصل بها لهلا”.
في السيارة، أخبر محمد هلا بلهفة أنه حضّر لها مفاجأة، مما زاد من حماسها. وعندما اكتشفت أن هديتها كانت “ربطة خبز”، احتضنته بدمعة وابتسامة في لحظة مؤثرة.
هلا شاركت لحظتها السعيدة عبر صورة قالت إنها ستمثل أول هدية بعد خطوبتهما، مشيدة بحب محمد الذي يثبت يوماً بعد يوم أنه يستحق قلبها، حتى في أصغر الأمور. “للحب طقوسه في زمن الحرب”، كما عبرت عن مشاعرها.
هدايا وطقوس حرب
رحلة بحث عن الأندومي في الحرب
عبد الله المصري، عريس في العشرينيات من عمره، قضى عدة كيلومترات من منطقة “خان يونس البلد” نحو منطقة المواصي الغربية، بحثا عن الأندومي. وهو يقول: “لست من مدمني أكل الأندومي”، مستطرداً ضاحكاً: “لكنني سعيت لتحقيق أمنية عروسي في أوقاتٍ صعبة، وأريد أن أسعدها رغم الظروف المأساوية التي نعيشها جرّاء الحرب والحصار”.
تحديات الزواج في ظل الحرب
عبد الله، الذي ارتبط بشريكته ملك أبو شاويش قبل أسبوعين، يحتفل بزفافه في حفل متواضع مقتصر على الأهل والأحبة، ويقول: “الحياة يجب أن تستمر، مع مراعاة مشاعر شعبنا المكلوم”. بعد حفل الزفاف، انتقلت ملك لتعيش مع عبد الله في غرفة صغيرة بمنزل أسرته المتضرر جزئياً.
الظروف القاسية تقتصر الخيارات
ورغم ظروف الحرب والمعاناة اليومية، يسعى عبد الله لإيجاد طرق لإسعاد عروسه. ويقول: “لم يعد لدينا خيارات، فنحن نعاني من نقص في الورود، الملابس، والمطاعم، بسبب الدمار الذي حل بنا بسبب الحرب والحصار”.
وفي ظل هذه الظروف، ارتفعت أسعار السلع بشكل غير مسبوق، حيث اشترى عبد الله “كيس الأندومي” الصغير بـ 6 شواكل، بينما كان ثمنه شيكل واحد قبل اندلاع الحرب.
هدايا في زمن المجاعة
سألنا بعض الغزيين عن أغرب هدية تلقوها في زمن الحرب والمجاعة، وكانت الإجابات تتضمن هدايا غير معتادة كـ”بيضة واحدة” ثمنها حوالى 3 دولارات، و”قهوة” تصل تكلفة الكيلو منها إلى 110 دولارات، وكيلو الطحين الذي يبلغ ثمنه حوالى 15 دولارا، بالإضافة إلى الفواكه الشحيحة التي أسعارها أقلها 13 دولاراً.
إبادة بالتجويع
ينتظر أكثر من مليون و800 ألف فلسطيني في جنوب القطاع مساعدة عاجلة لتأمين “لقمة العيش”، في ظل أزمة خانقة ونقص في الخبز والطحين وارتفاع أسعار السلع.
تفرض إسرائيل قيودًا صارمة على دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم، وتواجه انتقادات محلية ودولية لصعوبة وصول الشاحنات المحملة بالمساعدات إلى الناس. وفي ظل هذه الظروف، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن تعليق إيصال المساعدات عبر هذا المعبر، مشيرة إلى أن “الطريق ليس آمناً منذ شهور”.
تفاقم الأوضاع الإنسانية
المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، وصف القرار بأنه صعب، معربًا عن أسفه على تفاقم الظروف الإنسانية، مشددًا على أهمية العناية بطرق إيصال المساعدات بدون مخاطر. وهناك تقارير تفيد بتعرض قافلة من مساعدات للأسر للسرقة، ما زاد من تعقيد الوضع.
نائب المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، أمجد الشوا، أشار إلى أن “مخازن الأونروا فارغة” وأن الناس يواجهون “كارثة إنسانية ومجاعة تهدد حياتهم”.