هل العالم على شفير حرب جديدة وسط التصعيد بين الصين وتايوان؟
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>
تسود التوترات بين الصين وتايوان من جديد نتيجة تكثيف بكين لوجودها العسكري حول الجزيرة، حيث تشهد الصين أكبر انتشار بحري لها منذ سنوات.
في منتصف شهر أكتوبر الماضي، أجرت بكين مناورات عسكرية ضخمة تحت عنوان “السيف المشترك 2024 بي”، والتي تُعتبر الأكبر منذ أكثر من عام. وتهدف هذه المناورات إلى توجيه تحذيرات ضد “الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان”، من خلال محاكاة حصار لموانئ وأهداف استراتيجية، دون تحديد موعد لإنهائها.
في المقابل، تواصل تايوان الإعلان عن رصد تحركات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة كرد فعل لضغوط الصين بعد جولة رئيس تايوان، لاي تشينغ تي، في منطقة المحيط الهادئ، التي انتهت يوم الجمعة الماضي وشملت زيارة ولاية هاواي وغوام.
بدوره، أكد رئيس تايوان لاي تشينغ تي على “حماية” الجزيرة وتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، التي تعتبر الداعم الرئيسي لتايوان، رغم عدم اعترافها الرسمي بسيادتها.
تصاعد التوتر
تعود جذور النزاع بين الصين وتايوان إلى عام 1949، عندما انتهت الحرب الأهلية الصينية بفوز الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ وسيطرته على البر الرئيسي، بينما لجأ الحزب القومي (الكومينتانغ) إلى جزيرة تايوان، وأعلنها مقراً للحكومة الصينية.
تعيش تايوان تحت تهديدات صينية متزايدة، وتشتد هذه التهديدات مع أي تحركات تقوم بها تايوان للتقارب مع دول أخرى، حيث تعتبرها بكين استفزازاً وتهديداً لوحدتها وسيادتها، فتعمل على عزل تايوان دبلوماسياً.
مع أي تحرك من هذا النوع، ترد الصين بتحركات عسكرية، وقد أدانت جولة رئيس تايوان الأخيرة، دافعة الولايات المتحدة إلى “التوقف عن التدخل في شؤون تايوان”. وقد رافق ذلك انتشار بحري صيني وصف بأنه الأكبر منذ أغسطس 2022، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان.
وفقاً للرصد الذي أجراه معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع “IGSDA”، تعتمد الصين تكتيكات جديدة تركز على الحصار الاقتصادي وتطويق الجزيرة، مما يزيد الضغوط عليها، بالإضافة إلى زيادة وتيرة المناورات البحرية والجوية.
تستهدف هذه المناورات الحكومة التايوانية الداعمة للاستقلال وصفقات الأسلحة مع الأميركيين، حيث تعيد تأكيد موقف الصين الثابت في ما يتعلق بسياسة “صين واحدة”، وتعمل على منع تايوان من اتخاذ أي خطوات نحو الاستقلال.
كما تندرج هذه المناورات ضمن جهود الصين لإرسال رسائل تحذيرية للحلفاء الغربيين لتايوان، واستعراض قدراتها العسكرية المتزايدة، بهدف الحفاظ على هيمنتها الإقليمية ومنع التدخل الغربي في بحر الصين الجنوبي.
تعتبر تايوان جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الصينية، وتعد مصلحة حيوية لبكين، حيث يراها المحلل السياسي ثامر العناسوة جزءاً من الأمن القومي الصيني، خاصة في ظل المكانة الاقتصادية المتنامية للصين.
بحسب العناسوة، فإن الصين تستعد لدخول مرحلة جديدة يقودها الرئيس شي جين بينغ، تهدف إلى إحياء الهوية القومية الصينية، واستعادة الأراضي التي احتلتها القوى الغربية، مع اعتبار سحب الاعتراف الأميركي بتايوان خطوة مفصلية في هذا الاتجاه.
<
h2 id=”سيناريوهات-محتملة” class=”heading-with-anchor”>سيناريوهات محتملة
<
svg width=”24px” height=”24px” viewbox=”0 0 24 24″ fill=”none” xmlns=”http://www.w3.org/2000/svg”>
الوضع الراهن في الصين وتايوان
تعتمد السيناريوهات المحتملة في النزاع بين الصين وتايوان على عوامل عدة تتعلق بالقرارات المحلية والدولية، بالإضافة إلى استعداد الأطراف للمخاطرة. يحذر الخبراء من أن الوضع الحالي يشير إلى توتر متزايد، لكن الإجراءات السياسية والعسكرية يمكن أن تغير المعادلة في أي وقت.
يزيد التفوق العسكري للصين من تعقيد المشهد، بينما تسعى تايوان لتعزيز قدراتها العسكرية وتطوير صناعاتها الدفاعية من خلال شراكات مع حلفاء دوليين. يرى المحللون أن مسألة إعادة توحيد الصين مع تايوان هي مسألة وقت، حيث يتساءل الكثيرون عن توقيت هذا الحدث، وما إذا كان سيتزامن مع شعور بكين بتراجع الموقف الأمريكي في الدفاع عن تايوان، أو إذا كان سيحدث بطرق دبلوماسية أكثر.
سيناريوهات العمل العسكري
يرى الخبير العسكري العميد الركن أيمن الروسان، في حديثه للجزيرة نت، أن الصين قد تسيطر على الحدود الجوية والبحرية لتايوان، أو تفرض حصارًا كاملاً على مضيق تايوان لمنع إدخال وإخراج أي شيء. هذه الإمكانية متاحة للصين باستخدام عدة وسائل، منها الخيار العسكري والقصف الجوي والحرب السيبرانية لضغط تايوان، لكنه يعتبر أن السيناريو الأقرب هو تبني الصين سياسة “الحرب غير المقيدة” مع تايوان، مع تجنب الصدام العسكري المباشر.
تحديات حلم الاستقلال
يشير المحلل السياسي الدكتور ثامر العناسوه إلى احتمال حرمان تايوان من تحقيق حلم الاستقلال عبر تقليل الاعتراف الدولي بها. فقد حققت الصين نجاحات كبيرة في تحجيم شرعية تايوان الدولية، مما يمهد الطريق لإجراءات عسكرية لاحقة لضمه. ويرى أن موقف الصين المقبل سيؤدي إلى توتر دولي مشابه لما حدث في أوكرانيا عام 2014، لذا على العالم الاستعداد لأزمات متعددة في شرق آسيا.
من جهة أخرى، يبقى الخيار الدبلوماسي قائمًا عبر توسيع العلاقات التجارية بين الصين وتايوان، حيث لا زالت الصين وجهة رئيسية لصادرات تايوان. ولكن العناسوه يشير إلى أن هذه العلاقة تواجه عوائق، بما في ذلك معارضة الحكومة التايوانية ورفض 60% من المجتمع التايواني للوحدة مع الصين. كما تتنامى النزعة القومية لدى الشعب التايواني، مما يشكل عائقًا رئيسيًا.
الاحتفاظ بالوضع الراهن
يتفق الخبراء على ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن، هذا من خلال استمرار الحكم الذاتي لتايوان دون اعتراف دولي، مع استمرار الصين في الالتزام بسياسة “صين واحدة”. ولكن ذلك سيستمر في وجود توتر سياسي، حيث تبقى الصين تحت ضغط دولي لتقليل دعم تايوان، وتهدد بكين بفرض عقوبات على الدول التي تتعامل مع تايوان.
الموقف الأمريكي
تمتلك الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في هذا الصراع، حيث تُعتبر أكبر قوة عالمية وحليفا رئيسيا لتايوان. ومع ذلك، يرتبط هذا الدور بالسياسات المتغيرة بين الإدارات الأمريكية. إذ يتبنى الرئيس الحالي جو بايدن سياسة دعم لتايوان دون استفزاز الصين، بينما يتبنى الرئيس السابق دونالد ترامب أسلوب المواجهة والدعم المباشر.
خلال فترة رئاسة ترامب (2017-2021)، استخدم دعمه لتايوان كورقة ضغط ضد الصين، مما ساهم في توسيع الأزمة. الآن، مع فوز ترامب مجددًا، من المتوقع أن يستمر في دعم تايوان، ولكن في سياق يركز على العقوبات التجارية بدلًا من الاستخدام الفوري للقوة العسكرية.
بحسب غبريال صوما، العضو في المجلس الاستشاري للرئيس ترامب، فإن السياسة الحالية تعني عدم التخلي عن تايوان تحت الضغوط الصينية، لكن في نفس الوقت عدم استخدام القوة العسكرية في حال حدوث غزو. بينما يتفق المحلل السياسي عامر السبايلة مع صوما، حيث يرى أن الصين لن تقبل بتحويل تايوان إلى نقطة تهديد لها.
في النهاية، يظل مصير العلاقات بين الصين وتايوان مرتبطًا بالتغيرات السياسية داخليًا في تايوان، بالإضافة إلى الاستراتيجية الصينية تحت حكم شي جين بينغ، بما في ذلك التأثيرات الاقتصادية والتقنية. قد تتجه العلاقات نحو مزيد من التصعيد أو التسوية على المدى البعيد، لكن يبقى للمواقف العالمية، ولا سيما موقف الولايات المتحدة، تأثير حاسم في تحديد مستقبل هذه القضية.