واجبنا تجاه احتجاجات الطلاب في الغرب

By العربية الآن



واجبنا تجاه احتجاجات الطلاب في الغرب

%d8%aa%d9%83%d8%b3%d8%a7%d8%b3 1714822357
قوات أمن أميركية في حرم جامعة تكساس لقمع احتجاجات الطلاب ضد مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة (الفرنسية)
ليس هناك شكّ في أن القوى الحية بالعالم العربي والإسلامي بل والعالم الثالث مدينة بالتفاعل مع حراك طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية الذي انطلق خلال الأسابيع الماضية، يدافع عن أهم قضايانا ويطالب “بالحرية لفلسطين” كل فلسطين.

لقد انطلق الطلاب عابرين ما بيننا وبينهم من بحار ومحيطات وثقافات، وهم يعلنون رفضهم الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، ويطالبون بمقاطعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في حركة طلابية واعية، تهدف بالضرورة لتفكيك القبضة الصهيونية عن المجتمعات الغربية، وتعمل على تحريرها من احتلال صهيوني من نوع آخر.

وفي ذات الإطار، فقد تضمنت حركتهم الكثير من الأهداف والأفكار، التي تلتقي بأهداف مجتمعاتنا، مثل: الحرية وحقوق الإنسان، والتنديد بكثير من المشكلات الشبيهة بالمشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، مثل: الخضوع للعنصرية الصهيونية، وقمع حرية التعبير؛ لأجل معصوميتها السامية.

أهم قضايانا وأخطرها

لا شك في أن شعوب العالم العربي والإسلامي وشعوب العالم الثالث عامة، مدينة لحركة الطلاب الشبابية بدين كبير، وهي تخرج يوميًا لتعلن تضامنها مع أهم قضايانا وأخطر مشكلاتنا في فلسطين، والتي تتعرض اليوم للإبادة الجماعية في غزة، فها هم طلاب الجامعات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء معتصمين، وها هم يتظاهرون ويقابلون القمع بتحدٍ منقطع النظير.. فهل نوفّي الدين، ونكون على ذات المستوى؟

الحقيقة أننا أمام فرصة تاريخية لاكتشاف المشترك الإنساني في القرن الحادي والعشرين، والذي أصبح بيّنًا واضحًا أكثر من أي وقت مضى، فالأزمات ذات الطابع العابر للثقافات والحدود يمكنها أن تصنع المعجزات في هذا المجال، ولعلّ محنة غزة التي تُقطع أكبادنا تكون سببًا لتلاقي الأفكار والأهداف، وتبشّر بمستقبل أفضل للإنسانية، وذلك عبر محاصرة عناصر الفساد الإنساني والسياسي هنا كما هناك.

وهو ما يجعل العمل على تدشين حوار مدني شعبي (إسلامي/ غربي) يتجاوز فساد واستبداد الحكومات عندنا، كما يتجاوز عنصرية ولا ديمقراطية الحكومات عندهم، من أهم واجبات الوقت. فالترابطُ والتبعية بين الحكومات على الضفتين واضحان، والتواطؤ على مصالحنا ظاهر، واتفاقهم على دعم المشروع الصهيوني غير مستتر، ودعمهم عدوانه على المنطقة لا تخطئه عين.

وترجع أهمية هذا الحوار المدني إلى أنه بعيد عن دهاليز الحكم ومؤامرات الساسة، وذلك بعد أن فشلت كل أشكال الحوارات السابقة بين العالمين: الإسلامي والغربي، والذي يرجع بالأساس إلى أن الغرب الرسمي يدخله بنوايا وأهداف تآمريّة، تبدأ من الاستكشاف وتنتهي عند الحصار، أو توظيف الحوار لأهدافه الاستعمارية، مما يزيد من تحكم أدواته في منطقتنا، فضلًا عن ابتزاز كل أطرافها.

ولهذا فالحوار الذي يجب أن ندعو إليه اليوم من قلب العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث عامة، أن يكون برعاية مؤسسات المجتمع المدني، كما يتوجه إلى مؤسسات المجتمع المدني في الغرب، لا حكوماتها، حيث لم تعد أجندتُها خافية بالنسبة لبلادنا ومجتمعاتنا وقضايانا، وذلك بعد أن تبين مدى وآفاق التعاون الممكن مع المجتمعات الغربية، التي هبّ طلابها وقلبها النابض بالحياة للوقوف مع أهم قضايانا، التي تآمرت عليها حكوماتهم على مدى عقود، إن لم يكن قرونًا.

إننا أمام فرصة تاريخية لبناء “شبكة علاقات مدنية جديدة” انطلاقًا من غزة، التي وحّدت وبلورت مواقف القوى الحية والرشيدة في كل مكان من العالم، وذلك بهدف تغيير وجه العالم، وتغيير وجهة التحولات الكارثية الجارية التي تديرها وتسيطر عليها مراكز القرار الدولي.

لوبي شعبي ضاغط

وليس بعيدًا عن ذلك أن القوى الحية المرشحة لهذا الحوار داخل مجتمعاتنا يجب أن تشمل الهيئات والمؤسسات المدنية والشعبية، من أحزاب سياسية، وجامعات ومنظمات مجتمع مدني (حقوقية – أهلية – بحثية – إعلامية)، فضلًا عن المنتديات الثقافية والفنية والنوادي الرياضية وأن يكون الهدف منه:

  • التعاون لتشكيل لوبي شعبي ضاغط، لوقف الإبادة الجماعية في غزة، والعمل معًا لأجل استرداد الحقّ الفلسطيني.
  • العمل على نزع فتيل الألغام التي أضرت بالعلاقات بين الإسلام والغرب، والتي زرعتها الصهيونية، وتعمل على تكريسها، وتستفيد منها بعض الحكومات الغربية، كما بعض حكومات العالم الثالث.
  • التضامن والتعاون لمحاصرة الحكومات التي تدعم الصهيونية في الغرب أو في العالم الثالث.
  • الدعوة لإعادة بناء الأمم المتحدة على أسس جديدة، تكفل التمثيل العادل للحضارات والقارات، وتلغي حق النقض.
  • العمل معًا لاستعادة الوجه المشرق للديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير في العالم.

والبداية بطبيعة الحال لابد أن تكون من خلال “بناء شبكة حوار متسع ومتصل”، يبدأ من القوى المدنية الحية في العالم العربي والإسلامي، ويمتدّ ليشمل كافة القوى المعنية بذات الحوار في أميركا اللاتينية، وفي آسيا، وأفريقيا، ليتواصل مع التوجهات السياسية والاجتماعية الصاعدة في الغرب، والتي أبرزتها احتجاجات الطلاب بشكل فريد.. والهدف العام هو بناء “عالم أفضل” تحكمه التوجهات الحقيقية للشعوب عندنا وعندهم، كما عند الشعوب الأخرى في العالم.

كما يجب أن يكون الهدف من وراء هذا التعاون، تدارك مخاطر استمرار مسيرة النظام الدولي، الذي وصل اليوم إلى مأزق خطير، وليس أمامه للخروج منه سوى الانتحار، سواء بحروب عالمية جديدة؛ بحثًا عن هيكلة جديدة، أو بالفشل المتوقع في مواجهة المشكلات الكبرى التي أنتجها وابتُليت بها الإنسانية مثل: أزمة المناخ والاحتباس الحراري والأزمة المالية العالمية، فضلًا عن تكدس الأسلحة النووية التي يتباهون بمدى قدرتها على تدمير الكرة الأرضية مرات عديدة.

إن النظام الدولي الذي تآمر على اعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية، وأزال من مقررات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يتضمن ذلك في التسعينيات، لهو نظام عارٍ من الإنسانية وعارٌ عليها، فهو يعمل بشكل صريح على تكريس العنصرية وتتويجها لحكم العالم! وها هو اليوم بالفعل يدعم الإبادة الجماعية في غزة بكل أسلحته وذخائره وترسانته السياسية والدبلوماسية، وكان ينبغي ألا نتوقع منه غير ذلك، ولا ينبغي للإنسانية اليوم أن تستسلم لذلك.

بناء عالم أفضل

إن الإشارات التي أرسلها الطلاب الأميركيون، باهتمامهم بقضية خارج حدودهم، وتقع في العالم الثالث ـ بل وفي العالم العربي ـ، تمثل حدثًا غير مسبوق، وتحمل دلالات عميقة الأثر، فإذا كان التفاعل مع “فيتنام” في الستينيات والسبعينيات كان مرتبطًا بانخراط أميركا بنفسها في الحرب، فإن انخراطها اليوم بالتبعية وليس مباشرًا، ومع ذلك فقد حملوها كل المسؤولية، وعندهم كل الحق.

إن اختراق الشباب الأميركي كلَّ الحواجز عبر السوشيال ميديا ليتفهم قضايانا ويتفاعل مع آلامنا ومعاناة شعوبنا لهو حجة علينا، وخاصة مع وجود جيل كامل من الشباب لدينا منخرط في الإعلام الخاص، ويمكنه أن يتفاعل مع الشباب هناك، وهو ما يجعل مسؤولية التفاهم والحوار وتشبيك الهموم والأولويات أكبر، فأدوات التواصل اليوم أصبحت حجة على كل أحد.

كما أن تحديهم للعنصرية الغربية والتي تجلت اليوم في دعم أميركا والغرب للصهيونية ـ الحركة العنصرية الأشهر في القرنين الأخيرين ـ يضيف سببًا آخر لضرورة الحوار والتعاون لبناء عالم أفضل.

كما أن علوّ نبرة المتظاهرين؛ خوفًا على الديمقراطية في بلادهم يجعلنا نتضامن معهم، فنحن أكثر الشعوب تضررًا من تردّي أحوال الديمقراطية، فضلًا عن محاربتها غربيًا في بلادنا، ولا بدّ من صيغة للتعاون لاستعادة الوجه المشرق للديمقراطية غير العنصرية، وإذا كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير تتعرض لانتكاسة في بلادهم، فإنهم قد أصابوها في مقتل في بلادنا.

مجتمع مدني عالمي جديد

الحقيقة أنّ الاحتجاجات والاعتصامات الطلابية الشبابية تعمق أهمية التأسيس “لمجتمع مدني عالمي جديد”، يتجاوز فساد الحكومات ووحشية السياسات، كما يتجاوز الخلافات الأيديولوجية ويكرّس للتضامن والتعاون على أساس قيمي وأخلاقي، فلم يحضر في هذه الاحتجاجات بأي شكل من الأشكال الخلاف التاريخي بين الإسلام والغرب، والذي هو في جانب كبير منه مصنوع ـ وفق قواعد النظام الدولي المعاصرـ لمصالح السياسات الغربية العالمية، ومصالح المشروع الصهيوني، كما أشار جمال حمدان في بعض كتاباته في الخمسينيات.. كما رأينا انقسام اليسار الأوروبي بين داعم لإسرائيل، وبين مناهض للصهيونية ليؤكد أن “الاصطفافات الأخلاقية” غير الأيديولوجية يجب أن تتزايد قيمتها ويتعمق تأثيرها.

لقد استطاعت الاحتجاجاتُ أن تقفز فوق كل الحواجز ـ إن لم تكن قد هشّمتها ـ والتي ظلّ الإعلام الغربي المسيّس يكرّسها، ولاسيما في العقود الأخيرة، والتي اعتمدت في جانب كبير منها على تشويه صورة العرب والمسلمين بما يجعل من المستحيل معها أن يجدوا ـ فضلًا عن أن تجد أهم قضاياهم في فلسطين ـ أيّ شكل من أشكال التعاطف هناك، لهذا فما يجري الآن هو إعجاز ـ بكل الحسابات ـ لا يمكن نسبته إلا إلى الشباب والأجيال الجديدة غير المؤدلجة وغير المسيّسة والتي تتخلّق اليوم في الغرب على ساحات السوشيال ميديا.

ليس هناك شكّ في أن احتجاجات الطلاب، أكدت أن “قضية فلسطين” قد أصبحت رمزًا للكرامة الإنسانية وحريات الشعوب، كما أصبحت عنوانًا للثورة على كل أشكال الفساد في العالم، كما هي بالضرورة مركز للصراع على النفوذ العالمي، وميدان للتلاقي بين شعوب العالم، وخاصة شبابه لبناء عالم جديد خالٍ من العنصرية والاستعمار، وظلم الشعوب وتهميش آلامها.. لقد أصبحت قضيّة فلسطين بحقّ “عاصمة لتصدير القيم الأخلاقية” و”مركزًا لإشعاع القيم الإنسانية” التي تتلاقى حولها الشعوب؛ آملًا في بناء عالم جديد، تكون القيم الإنسانية والأخلاقية هي قبلته ومركز توجُّهه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.





رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version