<
div aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>في نيروبي- تجمع العشرات من أسر ضحايا “مأساة غابة شاكاهولا” تحت خيمة نُصبت على عجل، أمام مركز التشريح “كيليفي” في كينيا لاستلام جثث أحبتهم، الكثيرون منهم يرتدون أقنعة طبية، بينما تعبق رائحة الموت من سيارات الإسعاف وأكياس حفظ الجثث.
تعمل فرق الإنقاذ على استخراج جثث الضحايا تباعًا من سيارات الإسعاف، وتنقلها إلى قسم التشريح لاستعادتها لعائلاتها، بعد أن تراكمت أكياس الجثث السوداء التي تحتوي على بقايا جسدية هزيلة فارقت الحياة جراء التجويع المتعمد، كوسيلة وحيدة “للوصول إلى الجنة ومقابلة السيد المسيح”.
أصول الكارثة
أقنع زعيم “طائفة كنيسة غود نيوز”، بول ماكنزي، أتباعه أن يوم 15 أبريل/نيسان 2023 هو موعد نهاية الزمان، وأنهم يجب أن يمتنعوا عن تناول الطعام “لنيل الخلاص والوصول إلى الجنة”، لكن في اليوم الذي يسبق الموعد بيوم واحد، تحديدًا في 14 أبريل/نيسان، قدم بول ماكينزي نفسه للسلطات واعتقل، وبقي تحت الاعتقال منذ ذلك الحين.
في بداية شهر أبريل/نيسان 2023، تلقت السلطات الكينية بلاغًا من مجهول حول وجود جثث في غابة “شاكاهولا” جنوب شرق البلاد، فانطلقت فرق التحقيق إلى الموقع، حيث عثروا على مقابر جماعية تحوي عشرات العائلات، بما فيهم أطفال، في مواقع مختلفة داخل الغابة.
في البداية، وجد المحققون عددًا من الجثث مدفونة في قبور ضحلة، ومع استمرار فرق البحث والإنقاذ، اكتشفوا أشخاصًا على قيد الحياة ولكنهم يعانون من هزال شديد، وتوفي معظمهم لاحقًا بعد نقلهم للمستشفيات.
شهادات الناجين من الطائفة تضاربت، حيث زعم بعضهم أمام الشرطة، بعد إنقاذهم، أنهم أجبروا على الصيام “لإظهار إلتزامهم بتعاليم دينهم”، بينما أكد آخرون أنهم انضموا للكنيسة بمبادرة شخصية و”لم تجبرهم أحد على تجويع أنفسهم”.
وامتدت نطاقات البحث التي قامت بها السلطات لتشمل مساحة تبلغ حوالي 325 هكتارًا، وأعلنت حظر التجول، ولكن زادت أعداد الضحايا، حيث وصل العدد إلى نحو 429 ضحية بحلول نهاية يوليو/تموز الماضي، وتم اتهام ماكنزي وعدد من أتباعه بالضلوع في قتلهم، ووجهت للموقوفين تهم بالإرهاب.
ماكينزي سائق السيارة العامة
وفقًا لشهادات أشخاص مقربين منه، عمل بول ماكنزي كسائق لسيارة أجرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ثم اختفى لفترة قبل عودته عام 2003 يدّعي أنه قس، وأسس جماعة دينية إنجيلية سماها “كنيسة الأخبار الجيدة”.
اشتهرت آراء ماكنزي المتطرفة، واعتقل بين عامي 2017 و2018 بسبب تحريضه على الأطفال لعدم الدراسة، مدعيًا أن التعليم “لا يتماشى مع الكتاب المقدس”، كما حُبس عام 2023 بدعوى قتل طفلين، إلا أنه تم الإفراج عنه بكفالة.
وانتشرت مقاطع فيديو له على الإنترنت، يقول في أحدها “الأطفال يبكون لأنهم جوعى، فلندعهم يفارقون الحياة”، كما وصف بالتعليم الرسمي بأنه “يد من الشيطان” ويستخدم للابتزاز وضياع الأموال، وكان يحث الأمهات على تجنب الرعاية الطبية أثناء الولادة واعتماد “الروح القدس”.
في الحادثة الأخيرة، كشفت التحقيقات أن ماكنزي حث أفراد طائفته على التوجه إلى غابة شاكاهولا “للتحضير لنهاية العالم”، واختار تلك المنطقة بسبب انعزالها، وعند وصول أتباعه للمستوطنات التي أسسها، طلب منهم “تدمير الوثائق الرسمية” كما قالت السلطات.
أثبتت التقارير الطبية بعد التشريح أن جوعًا هو سبب الوفاة، وأن بعض الأفراد توفوا جوعًا وبعضهم تعرض للضرب والخنق، مما يجعل هذه الكارثة واحدة من أسوأ الأحداث المرتبطة بالعبادة في كينيا،وأدى كشف معلوماتها إلى توجيه انتقادات شديدة للجهات المعنية، نظرًا لعدم اعتقال ماكنزي في فترات سابقة على الرغم من توجيه عدة اتهامات له.
الجثث المجهولة
وبعد مضي أقرب إلى سنة، تم تسليم جثث 33 شخصًا تم التعرف عليهم لأهاليهم، متبقية أكثر من 390 جثة لم يُعرف أصحابها حتى الآن، وفقًا لرئيسة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان روزلين أوديدي، حيث أن غياب الوثائق التي تثبت هويات الضحايا جعل عملية التعرف على الجثث أكثر صعوبة.
دعت أوديدي السلطات الكينية إلى زيادة عدد أطباء الطب الشرعي والمختبرات الوراثية لتسريع عملية التعرف على هويات الضحايا، وأعربت من أمام مشرحة كيليفي عن أن “الاستمرار بالعمل بهذه الوتيرة الحالية سيؤدي إلى تأخير إغلاق هذا الملف لمدة على الأقل 10 سنوات”.
ماكنزي يُحتجز حاليًا في السجن في انتظار انتهاء محاكمته، حيث يُواجه مع عدد من مساعديه اتهامات بما في ذلك القتل والوحشية وتعذيب الأطفال والإرهاب، وفي انتظار المحاكمة سُجّلت وفاة أحد المتهمين، الذي توفي بعد أن دخل في إضراب عن الطعام وأفقده نفسه الطعام حتى توفي.