تركيا تستقطب المستثمرين الدوليين
وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، بدأت تركيا بتطبيق سياسات جديدة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي، من خلال إعادة هيكلة السياسات النقدية وإطلاق حوافز قوية لاستقطاب الاستثمارات في مجالات متعددة مثل العقارات والتكنولوجيا والطاقة.
تركيا ملاذ استثماري آمن
تشير تصريحات المسؤولين الحكوميين والخبراء الاقتصاديين إلى مكانة تركيا البارزة كوجهة آمنة للاستثمار في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية.
قال رئيس مكتب الاستثمار الرئاسي، أحمد بوراك داغلي أوغلو، إن تركيا تقدم فرصاً هامة للمستثمرين لتحقيق أهداف الاستدامة والرقمنة، مؤكداً على أنها تعتبر “ملاذاً آمناً” في هذا الإطار.
وذكرت وكالة الأناضول أنه أكد خلال الاجتماع السنوي السادس لصناديق رأس المال الخاص أن “تركيا حققت عاماً ناجحاً في جذب استثمارات مباشرة بقيمة 10.5 مليارات دولار”.
كما أشار داغلي أوغلو إلى نجاح تركيا في استقطاب استثمارات كبيرة في مجالات حيوية مثل السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، حيث استثمرت شركات عالمية مثل “بي واي دي” ونوردكس وبوش مبالغ ضخمة، مما يعكس زيادة الاستثمارات من أبو ظبي وكازاخستان ويعزز موقف تركيا كمركز رئيسي للإنتاج والتكنولوجيا في المنطقة.
وكشف باريش أوناي، الشريك المؤسس والمدير لشركة “غلوبال ترك كابيتال” للاستثمارات، عن أن تركيا تضم نحو مليوني شركة مسجلة، منها 15 ألف شركة تبلغ مبيعاتها السنوية 10 ملايين يورو أو أكثر، مما يوفر فرصاً مغرية للمستثمرين.
تركيا وجهة استثمارية جذابة
تتمتع تركيا بالقدرة على التكيف مع التحديات العالمية، مما يجعلها وجهة جذابة للمستثمرين الباحثين عن الأمان والفرص. تتميز تركيا باستقرار نسبي مقارنة بالدول المجاورة، وتشجع سياساتها الاقتصادية على الثقة في السوق.
يرى الأستاذ في جامعة أولوداغ، يوكسل أوكشاك، أن تصنيف تركيا كملاذ آمن للمستثمرين الدوليين، مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، يرتكز على عدة عوامل رئيسية، مثل الاستقرار السياسي النسبي، وتوفر قوة عاملة شابة ومتعلمة، والموقع الإستراتيجي الذي يمكنها من الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أعرب أوكشاك عن تفاؤله بشأن استمرار جاذبية تركيا الاستثمارية رغم المخاطر الجيوسياسية، حيث يوازن المستثمرون بين المخاطر والعوائد المتوقع تحقيقها. كما يعزز الموقع الإستراتيجي لتركيا من دورها كمركز للطاقة، خاصةً بعد تصاعد الأهمية التي اكتسبتها كحلقة وصل للطاقة بين روسيا وأوروبا بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.
### تعزيز جاذبية تركيا للاستثمار
تسعى تركيا لتحقيق أهدافها في النمو الاقتصادي المستدام من خلال مجموعة من الإصلاحات التي تشمل قطاعات التكنولوجيا والبناء والإنتاج، مما أدى إلى خلق فرص استثمارية جديدة. وقد أسفرت السياسات الهادفة إلى السيطرة على التضخم والاستمرار في الإصلاحات الهيكلية عن زيادة اهتمام المستثمرين الدوليين.
تشجيع الحكومة التركية للاستثمار
يؤكد أوكشاك أن الحكومة التركية تعمل بجد على تشجيع الاستثمار، خاصة في القطاعات الاستراتيجية، عبر تقديم حوافز مثل تخفيضات ضريبية وتسهيلات في الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى تقليل الإجراءات البيروقراطية وتعزيز الأمان القانوني، مما يزيد من جاذبية الاستثمار في البلاد.
كما يرى أوكشاك أن الإصلاحات التي تم تنفيذها في تركيا صبّت في صالح زيادة جاذبيتها للمستثمرين الأجانب. ولكن، يعتمد استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على القدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية وتطبيق الإصلاحات بفعالية.
سوق واعد للمستثمرين
يوجد في تركيا عدد من الفرص الواعدة، ولكنها تواجه أيضًا تحديات تؤثر على قرارات المستثمرين الدوليين. في هذا السياق، يشير الباحث الاقتصادي أسامة معوض إلى أن قانون الاستثمار الأجنبي المباشر رقم 4875، الذي تم تطبيقه في عام 2003، يلعب دورًا كبيرًا في جذب الاستثمار الدولي، حيث أزال الحاجة للحصول على إذن لتأسيس الشركات للاستثمار في تركيا.
يعكس المعوض الارتفاع الملحوظ في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث سجلت تركيا زيادة بنسبة 32% في الربع الثاني من عام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وصولًا إلى نحو 3.6 مليار دولار.
استراتيجيات جديدة للاستثمار
تسعى تركيا من خلال استراتيجيتها الجديدة للاستثمار الأجنبي المباشر للفترة من 2024 إلى 2028 إلى تحقيق تحسينات نوعية وكمية في مجالات متنوعة، وتعزيز مكانتها كمركز رئيسي للإنتاج والتصدير على مستوى العالم. الهدف هو رفع حصة تركيا من الاستثمارات الدولية المباشرة إلى 1.5% بحلول عام 2028.
العقارات والتحديات الاقتصادية
حول سوق العقارات، يشير معوض إلى أنه يعد من أبرز القطاعات الجاذبة للمستثمرين الدوليين، خاصة في أوقات عدم الاستقرار. حيث يمكن للمستثمرين الأجانب الحصول على الجنسية التركية عبر استثمار عقاري بقيمة لا تقل عن 400 ألف دولار. وقد أسهمت هذه الحوافز في تعزيز مكانة السوق العقارية التركية، وجعلتها الوجهة المفضلة للباحثين عن حماية ثرواتهم في بيئة اقتصادية مستقرة.
مع ذلك، يواجه المستثمرون تحديات، مثل تأثير العقوبات على روسيا، وارتفاع معدلات التضخم، وتأثير السياسات الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بفوز ترامب، والتي قد تؤثر سلبًا على الأصول المالية التركية.
المصدر
المصدر: الجزيرة