رحيل فخري قعوار.. الأديب الأردني العروبي المفتون بقضية التقدم والعدالة
اسهاماته الأدبية
بدأ قعوار رحلته في الصحافة قبل ظهور العصر الرقمي، وظل نشطًا ككاتب قصص قصيرة ومقالات حتى سنوات قريبة. كونه أحد مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين، تولى قعوار رئاستها لفترات عدة، وكان الأديب الأردني الوحيد الذي انتُخب رئيسًا للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
يعتبر قعوار من أبرز رموز الأدب العربي في جيل الستينيات، وقد أسهم بشكل ملحوظ في تطوير القصص القصيرة. أجريت له العديد من اللقاءات في مجلة “الأفق الجديد”، التي كانت نقطة انطلاقه الأدبي، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من المجلات العربية الشهيرة.
الرؤية النقدية والإعلامية
تميز بأسلوبه النقدي المتميز الذي تناول القضايا المجتمعية المعاصرة، مما جعله شخصية هامة في الأوساط الثقافية والنقابية. كما اقترن اسمه بقضايا التقدم والعدالة، وظل دائمًا يُعبر عن آمال وآلام المجتمعات العربية في أعماله الأدبية.
المسيرة الصحفية
تداخلت بدايات قعوار كصحفي مع بداياته ككاتب أدبي، حيث ساهمت الصحافة في إتاحة الفرصة له للتعبير عن مشاعر المجتمع اليومية. وبفضل خلفيته الأدبية، قدّم قعوار مواضيع غنية وعميقة استطاعت أن تنال اهتمام قراءه.
### تأثير الصحافة في إنتاج فخري قعوار القصصي
يُعتبر الأديب فخري قعوار من الكتاب الذين استطاعوا أن يستلهموا من تجاربهم الصحفية ثروة غنية من الموضوعات والشخصيات المتنوعة التي صعب الاقتراب منها في ظروف أخرى. وقد تركت الصحافة بصمتها على إنتاجه، حيث جاءت كتاباته مليئة بالمواجهات مع القضايا المتجددة والمعاصرة. إلى جانب ذلك، استفاد قعوار من أسلوب اللغة الصحفية التي تهتم بالتواصل والوضوح، متجنبًا التعقيد والافتعال.
تأثرت كتاباته الصحفية أيضًا بمواهبه القصصية، حيث ظهرت بشكل مثقف يتخلله تأمل وعمق، على الرغم من تنوع موضوعاتها وسرعتها. لم يقتصر الأمر على ذلك بل ربط قعوار بين الأحداث اليومية والمواضيع الأزلية، مما أضفى بعدًا أدبيًا يستخلص الدروس والعبر من الحوادث الطارئة.
إطلالة على الإنتاج القصصي
يمكن تلخيص إنتاج قعوار القصصي من خلال مجموعة من الأعمال التي عكس فيها تجاربه وأفكاره:
- مجموعة “البرميل”: تحتوي على قصصه المبكرة من عقد الستينات، نُشرت تلك القصص في الصحف والمجلات، ثم تم جمعها ونشرها في عام 1982.
- مجموعة “ثلاثة أصوات”: صدرت عام 1972 بالشراكة مع كُتّاب آخرين.
-
مجموعة “لماذا بكت سوزي كثيرًا”: نُشرت في عام 1973.
-
مجموعة “ممنوع لعب الشطرنج”: صدرت عام 1976.
-
مجموعة “أنا البطريرك”: نُشرت عام 1981.
-
مجموعة “أيوب الفلسطيني”: صدرت في عام 1989.
-
مجموعة “درب الحبيب”: نُشرت في عام 1996.
-
مجموعة “عزيز وعزيزة”: صدرت في عام 2009.
-
مجموعة “رقصة الحياة”: نُشرت عام 2012، وتضم بداياته القصصية غير المنشورة والتي تعود لما قبل عام 1960.
بالإضافة إلى ذلك، توجد مجموعة “حلم حارس ليلي” التي نُشرت عام 1993، وهي مختارات من أعماله، وكذلك لديه رواية قصيرة بعنوان “عنبر الطرشان” نشرت في عام 1996.
الأديب المفتون بالعدالة والتقدم
يحتل كتاب “ليالي الأنس” مكانة مميزة في أعمال قعوار، حيث يمثل شهادة متكاملة عن تجربته الأدبية وثقافته. يستعرض الكتاب تطور الأدب القصصي والحياة الأدبية والثقافية الأردنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ويعكس قعوار في كتابه تأثيرات عديدة شكلت شخصيته الفكرية والثقافية، حيث قال: “فتنت بفكرة العدالة والتقدم، وانتصرت للعمال والفلاحين وسائر الكادحين”.
أثر النضال الاشتراكي في توجيه قعوار نحو الأدب الواقعي، مما جعله يعبر عن هموم الطبقات الكادحة ويسلط الضوء على التغيرات الاجتماعية.
معالم في التجربة القصصية
استندت تجربة قعوار القصصية على تناول القضايا الكبرى للعرب، حيث عكست قصصه هموم المقاومة والتحرر. تناولت أعماله أيضًا قضايا المرأة والمشكلات التي تعوق نضالها، سواء في التعليم أو في العمل.
تتناول قصصه جوانب متعددة من المقاومة الاجتماعية والسياسية، مما جعلها تجسد القضايا الملحة التي واجهت المجتمع العربي، وتؤكد بذلك على دوره كناقد اجتماعي وأديب معاصر.### تعدد الأبعاد في كتابة فخري قعوار
ينتمي الكاتب فخري قعوار إلى مدرسة تعنى بالفن الموجه للمجتمع وللناس، حيث يدمج الجوانب الفنية مع الاشتراطات الجمالية. لقد وسعت مدونته القصصية من آفاقها لتشمل عوالم ومناخات وشخصيات متعددة. في كل مرحلة من مراحل تجربته الأدبية، قام بتجديد أسلوبه الكتابي وقصصه، مع الحفاظ على رؤيته “النضالية” وطبيعة انحيازه للكادحين والبسطاء. فهو يعتبر نفسه دائماً مع “العامة” ضد “الخاصة”، ومع “الجمهور” في مواجهة “النخبة”، ومع “البساطة” ضد “التعقيد”.
الواقعية كعنصر رئيسي
إذا أردنا تحديد مسار رحلة قعوار القصصية، فإن “الواقعية” تظل في الصدارة. فقد تجلت المعالجة الواقعية في قصص الستينيات، حيث شكلت هذه الواقعية تيارًا جديدًا في مواجهة الرومانسية العاطفية التي سبقته، وكانت للنكبة الفلسطينية تأثير كبير في هذا السياق. زادت هذه الأحداث من الحاجة إلى واقعية جديدة كانت أقل تأثراً بالأفكار البرجوازية السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن قعوار وأبناء جيله من الكتاب، مثل خليل السواحري وصبحي شحروري، يستلهمون من التراث الأدبي لكتاب سابقين مثل نجاتي صدقي، الذي اهتم بالاشتراكية ودرس الأدب الروسي، مما أثر على أسلوبهم الكتابي.
التصوير الواقعي وتأثيره
تظهر كتابات قعوار سمات واضحة، مثل الوعي الطبقي وتجسيد العلاقات بين الأشخاص في البيئات العربية. يُصوّر الأغنياء والمستثمرين بصورة سلبية، مما يكشف عن استغلالهم للفقراء. على سبيل المثال، في قصة “بخار الماء الساخن”، يستغل الجزار فتاحة وزوجها تحت ذريعة تقديم اللحم المجاني. كما يبرز الاستغلال في قصة “البرميل”، حيث يعتدي عفيف على العاملات، مما يعكس قسوة العلاقات الطبقية في المجتمع.
التحولات في الكتابة القصصية
في مجموعته الثانية، “لماذا بكت سوزي كثيرًا”، استأنف قعوار استكشافه الواقعي ليشمل عناصر من الحكايات الشعبية. ومع ذلك، حافظ على معالجة ذات طبيعة نقدية لهذه الحكايات، حيث قدم رؤية جديدة حول المعتقدات الشعبية. تميزت هذه المجموعة بدخول أشكال جديدة من الكتابة، مثل القصة القصيرة جدًا.
وفي هذه المجموعة، استخدم قعوار الهوامش السردية لتدعيم النص الرئيسي، مما يُظهر تجربته الجديدة في طرح القصة. ومن خلال موضوعات تجمع بين التجريب والواقع، يعكس قعوار اهتمامًا متزايدًا بالشكل الفني وتجديد أساليب الكتابة القصصية.
التجريب والابتكار في السرد
تُشير قصته الرئيسية “لماذا بكت سوزي كثيرًا” إلى محاولات قعوار للابتكار، حيث استخدم البناء القصصي المتسلسل، وهو شكل جديد في الكتابة، بما يتضمن العناوين الفرعية التي تربط بين القصص ضمن سياق واحد.
في النهاية، يعكس عمل فخري قعوار تطوراً مستمراً في الأسلوب والطريقة، ويسعى لتحقيق التواصل بين الأدب وهموم المجتمع، مما يجعله ينتمي إلى قامات الكتابة العربية المعاصرة.
التقنيات الحديثة في الأدب
يلعب الشكل والطباعة حجم الخط دوراً بارزاً في توجيه القراءة السردية، ويعكس هذا الملحظ جوانب “جغرافيا النص” باعتباره نصاً مكتوباً. يرتبط هذا ببعض تقنيات الطباعة الصحفية وتجارب أدبية عالمية مثل أعمال وليم فوكنر وأدب غسان كنفاني.
المكان في أدب قعوار
تستحضر قصة “ثرثرة على مقهى الكوكب” عنصر “المكان” كعنصر محوري، مع لمسات من العجائبية. تقودنا القصة إلى أبعد من مجرد حديث عابر بين الأصدقاء، حيث تقدم نمطاً من الحوار يعكس “الفكرة الديمقراطية” التي تبناها قعوار في أعماله، ويحمل الحوار في صيغته الجلية والضمنية تعبيراً عن ديمقراطية الحياة والفن.
الأسلوب التعبيري في أعمال قعوار
تجربة الأديب قعوار تتمتع بميزات متعددة سواء من رؤية أو موضوع أو أسلوب، بحيث تسلط الضوء على مبادئ الإنسان النضالية مع الحفاظ على انفتاح فكري. تتميز مجموعته “ممنوع لعب الشطرنج” بتوسعها في كتابة القصة التعبيرية، وتتجلى في تخلصها من الواقعية التقليدية واعتماد الرمزية.
الإبداع في الرمزية
تتجلى الرمزية بشكل بارز في قصة “شجرة معرفة الخير والشر”، حيث تحاكي القصة مسألة الحرية وحق المعرفة من خلال إعادة صياغة الخطيئة الأولى. تستمر التجربة التعبيرية في أعمال قعوار التالية، مع تعزيز اللمسات الرمزية والعجائبية، ويعتمد فيها على لغة شعرية تركز على التجريد.
الإرث الفني لقعوار
خلال مسيرته الأدبية، أظهر قعوار قدرة بارعة على استثمار المفارقات واستعمال المحاكاة الساخرة، مما جعل اللغة نفسها تلعب دوراً أساسياً في بناء قصصه. تأتي تجربة قعوار كواحدة من التجارب اللامعة في الأدب العربي المعاصر، إذ حقق توازناً بين الجوانب الفنية والإنسانية.
- تُعتبر مساهمته في الأدب، الصحافة، والحياة البرلمانية تجربة ضافية تعكس التزامه لفترة زمنية طويلة.
- يبقى إيراد ذكراه في قلوب قرائه وجمهوره أثره العظيم، مما يجعله من الشخصيات الأدبية التي لا تُنسى.