أيام التأمل والتكفير لدى اليهود
تُعرف أيام التأمل والتكفير لدى اليهود بـ “أيام الرهبة”، وهي تتزامن مع الأعياد المقدسة التي تنطلق يوم الأربعاء. هذه الفترة، التي تستمر لعشرة أيام بدءاً من رأس السنة اليهودية وحتى يوم كيبور، تمثل مزيجاً عاطفياً من الاحتفال والنظر في الذات والتكفير عن الذنوب لليهود في جميع أنحاء العالم.
الذكريات المخيمة على الأعياد هذا العام
هذا العام، سيتسم الاحتفال بمشاعر قوية للغاية، إذ يتصادف اليوم السابع من أكتوبر مع الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي، وأدى إلى نشوب الحرب المستمرة في غزة. بالنسبة لليهود في الولايات المتحدة، التي تُعتبر أكبر مجتمع يهودي خارج إسرائيل، كانت الاثني عشر شهراً الماضية مليئة بالتحديات المرتبطة بهذا التاريخ. حيث شهدت البلاد زيادة في الحوادث المعادية للسامية، وشهدت الجامعات احتجاجات مثيرة للانقسام دعماً لفلسطين. ويعاني اليهود من الحزن لفقدان الإسرائيليين الذين قُتلوا أو أُخذوا كرهائن من قبل حماس، كما يشكون أيضاً جراء مقتل آلاف الفلسطينيين خلال الهجمات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
صعوبة الرسالة خلال الأعياد
قالت غايل بومرانز، كبيرة الحاخامات بمعبد “بيث شلوم” في ميامي بيتش: “لقد كانت فترة صعبة، من أصعب الفترات التي عشناها كيهود في أمريكا”. وأضافت: “أأمل أن تساعدنا الأعياد على وضع معاناة مجتمعنا في سياقها ودون أن تغمرنا”.
وفي هذا السياق، أشار الحاخام ريك جاكوبس، رئيس اتحاد اليهودية الإصلاحية، إلى أن تزامن الأعياد مع الذكرى يجعلها “لحظة مستحيلة” بالنسبة للحاخامات الذين يقومون بواجبهم تجاه جماعتهم. وأوضح أن الطقوس الخاصة برأس السنة اليهودية تتضمن سؤالاً يطرح: “من سيعيش ومن سيموت في العام القادم؟”، مما يعطي معنى مختلفاً هذا العام، خاصة مع ذكرى 7 أكتوبر التي وصفها بأنها “يوم حزن لا يوصف في حرب لا تنتهي بل تزداد تعقيداً”.
الأمل وسط القلق
على الرغم من الأوضاع المقلقة، هناك دلائل على تجدد الفخر اليهودي والتضامن. حيث شهدت صفوف المدارس الدينية في ميامي بيتش ارتفاعاً في عدد المشاركين. وذكرت غايل بومرانز ويوسف جاكوبس أن أعضاء الجالية بحاجة إلى بعضهم البعض في هذه الأوقات الصعبة، حيث تمثل المنظمات التي يقودها جاكوبس أكثر من 800 معبد يهودي في أمريكا الشمالية.
لكن القلق بشأن ازدياد حوادث العداء للسامية لا يزال يهيمن. حيث أكدت تقارير جديدة، بما في ذلك تقرير جرائم الكراهية الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2023، أن المجتمع اليهودي كان الأكثر استهدافاً، إذ تم تسجيل 1832 حادثة معادية للسامية، مما يشكل 67% من جميع جرائم الكراهية المسجلة.
أهمية الأمن والسلامة
نتيجة لهذه الأوضاع، تسود حالة من اليقظة. سبقت الأعياد المقدسة تدريبات عبر الإنترنت حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ. كما يتم تقديم دروس في تقنيات الدفاع الذاتي (كراف ماغا)، وهو نظام تطوير فيه تقنيات مستمدة من بوكسينغ، جودو، كاراتيه وتقنيات أخرى.
في هذا السياق، قال جوناثان غرينبلات، المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، إن الوضع الأمني يحتاج إلى اهتمام كبير. وأكد أن جميع المعابد والمراكز اليهودية لديها حراس مسلحين، مضيفاً: “هذا ليس أمراً طبيعياً”.
ومع اقتراب الأعياد، نبّه غرينبلات إلى أن هذه الأيام ستكون مليئة بالتأمل العميق داخل المجتمع اليهودي.### الوقت للتفكير بعمق
تحدث نوح فركاس، الرئيس التنفيذي لجمعية اليهود في لوس أنجلوس الكبرى، عن الوقت العصيب الذي يمر به المجتمع اليهودي، معتبرًا أنه مناسب للتأمل في الأسئلة الوجودية. وقال: “إذا لم نكن آمنين في الحرم الجامعي حيث نتعلم، أو في أماكن العمل، أو في المعابد حيث نعبد، فأين يمكن أن نكون آمنين حقًا؟”
وأضاف فركاس أننا بحاجة إلى التحقق من أنفسنا العليا لنكون أفضل، متسائلًا: “ماذا نفعل بحياتنا؟” وأكد على أهمية اختيار الأفعال الصالحة والعناية بالآخرين.
الدعوة للتفاؤل والإيجابية
قدم الحاخام موشي هور، نائب الرئيس التنفيذي للاتحاد الأرثوذكسي، نصيحة للمجتمعات اليهودية المقلقة بأن تتبنى نظرة شمولية. وعلق على الأحداث التي شهدها السابع من أكتوبر بالقول إنه من السهل أن نشعر بالإحباط إذا نظرنا إلى الأحداث في إطار زمني ضيق، ولكن من الأهمية أيضًا أن نرى الأمور في سياق تاريخ طويل من الاضطهاد والمأساة.
وأشار هور إلى أن المسلمين يصلون في رأس السنة لطلب عالم أفضل تتجلى فيه روح الإلهية والخير، حيث تتلاشى الشرور. وأكد أنهم يشعرون حاليًا بأنهم بعيدون عن ذلك.
خدمات خاصة في ذكرى 7 أكتوبر
في العديد من المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة، تم التخطيط لقيادة خدمات خاصة بمناسبة الذكرى السنوية لحادث 7 أكتوبر. في مدينة نيويورك، سيجتمع اليهود الذين يعارضون الصهيونية ويؤيدون قضايا فلسطينية لصلاة خاصة مع بداية رأس السنة.
سيتولى الحاخام أندي كاهن، المدير التنفيذي لمجلس اليهودية الأمريكية، قيادة هذه الخدمة. وأوضح كاهن أن جزءًا كبيرًا من رسالته هو توفير بيئة للأشخاص الذين يرغبون في عيش حياة يهودية، لكن دون الانتماء للصهيونية.
التأكيد على الوحدة والمرونة
في ولاية فلوريدا، ستستضيف كنيسة تمبل بيث شولوم خدمة تذكارية للمنطقة الحضرية في ميامي، بالتعاون مع معابد ومؤسسات أخرى. وسيشارك الحاخام إليوت بيرلسون، من معبد مينوراه في شاطئ ميامي، الذي يعيش هناك منذ الستينيات.
وسيتناول رسالته خلال الأيام المقدسة فكرة الوحدة والصمود رغم الصدمات الكبيرة. وأشار إلى أن المجتمع اليهودي مر تاريخيًا بخسائر ولكنه دائمًا ما ينهض بقوة أكبر.
رسالة الأمل
كما تنوي بومرانتز تقديم شيء جديد في يوم كيبور، حيث سيتحدث جميع القساوسة بالكنيسة بشكل فردي بدلاً من تقديم رسالة واحدة من حاخام واحد. وتركز بومرانتز على فكرة “إطار الأمل” موضحة أن الشعور باليأس والإحباط أمر سهل، لكن يجب علينا أن نرى أنفسنا كأشخاص لديهم القدرة على إحداث تغيير.
وأكدت: “لا يمكننا أن نعتبر أنفسنا ضحايا، بل يجب أن نرى أنفسنا كأشخاص لديهم قوة، ومن ثم سنجد الأمل في ذلك”.