يوم تناول الصليبيون لحوم سكان معرة النعمان.. هل نسيت أوروبا تأريخها؟

By العربية الآن



يوم تناول الصليبيون لحوم سكان معرة النعمان.. هل نسيت أوروبا تأريخها؟

%d8%ad%d8%b1%d9%88%d8%a8 %d9%86%d8%a7%d8%a8%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86 1714571329
حروب نابليون أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة قدرت بنحو 4 ملايين شخص (مواقع التواصل)
غالبا ما استخدم الأوروبيون والغربيون عموما العبارات التالية “بهمجية، بربرية، وحشية” لوصف شعوب أخرى، ولكن كما يقول المثل العربي “ألقاني بدائها وانسحلت”، فتاريخ أوروبا ممتلئ بالحروب والصراعات المدمرة التي شهدت أقصى أنواع العنف من تعذيب، حرق، ابادة، وتناول لحوم البشر.

ويتضح ذلك بوضوح خلال فترة الحروب الصليبية، وفيما بعد خلال فترة الاستعمار الأوروبي والتوسعات، بل والنهضة الأوروبية الحديثة بنيت على هذه الأفعال.تقمصت شعوب أخرى ونهبت خيراتها واستولت على أراضيها ومحوت بعض المجتمعات من وجودها، وذلك بالاعتراف الذاتي للأوروبيين وبشهادات شهود من سكان أوروبا.

أظهرت الدراسة التي أجرتها جامعة كامبريدج البريطانية تحت عنوان “تاريخ العنف العالمي” أن في كل المناطق التي احتلها الأوروبيون صار مفهوم “الحضارة” يعادل العنف، وكثيرا ما استُخدم لتبرير الإبادة الجماعية وتطهير العرق والعبودية ضد السكان الأصليين.

في كل المناطق التي احتلها الأوروبيون استُخدم مفهوم الحضارة لتبرير الإبادة الجماعية والعبودية لأهل تلك المناطق (منصات التواصل الاجتماعي)

وأضافت الدراسة – التي قالت الجامعة إنها أعدتها تلبيةً للإقبال الأكاديمي المتصاعد على تاريخ العنف كمسألة فكرية رئيسية في زماننا – أن الأوروبيين تفوقوا على غيرهم بحجة محاربة التخلف وجلب الحضارة لتبرير الاستعمار.

وفي كتاب “التاريخ المضاد للحداثة” للباحث آميتاف غوش في جامعة هارفارد تم تأكيد أن خلال الاستعمار الأوروبي تم الإبادة الجماعية لشعوب بأكملها من أجل الثروات، معتبرًا أن ذلك يثير تساؤلات كبيرة حول حقيقة بعض المفاهيم مثل “الاكتشافات الكبرى والحضارة والحداثة”، وراءها تناقضات كبيرة.

مفهوم العنف

يعرّف خبراء في مجال القانون العنف بأنه الاعتداء المتعمد على سلامة الشخص بدنيًّا، ويمكن أن يُوسَّع هذا التعريف ليصبح “كل سلوك قهري أو استغلالي من شخص لشخص آخر” يشمل الأبعاد النفسية والاجتماعية والعاطفية، وغير ذلك.

يقود تعريف العنف إلى تصنيفه بين عنف غير مشروع يُعد ضمن الظلم، وعنف مشروع، ويمكن للقوانين تحقيق العدالة وتأديب المظلومين.

الموت الأسود زاد كارثية حرب الـ100 عام (منصات التواصل الاجتماعي)

الحروب الأوروبية

تتضمن تاريخ أوروبا سلسلة من الحروب حيث لا تبرح إحداها ساح المعركة إلا تندحر منها أخرى، ولا ينحصر الأمر في عدد الحروب فقط، بل حطمت أوروبا الأرقام القياسية بالنسبة لمدى تلك الحروب.

إذا كانت أطول الحروب في التاريخ العربي المعروفة هي حرب البسوس قد استمرت -حسب المؤرخين- 40 عامًا، فقد شهدت أوروبا حروبًا بمدد تجاوزت 80 عامًا بالإضافة إلى حرب تجاوزت 100 عام، ولم نسمع عن حرب واحدة قبل الحروب العالميتين راح ضحيتها ملايين الأشخاص إلا حرب تجاوزت 30 عامًا في أوروبا.

  • حرب الـ100 عام

اطلق عليها حرب الـ100 عام ولكنها فعليا دامت أكثر من ذلك، خاضت طياتها في الفترة من 1337 إلى 1453 بين مملكتي إنجلترا وفرنسا بسبب سعي إنجلترا للسيطرة على فرنسا.

زادت كارثية تلك الحرب بانتشار الأوبئة والطاعون الذي أسفر عنه كوارث إنسانية كبيرة شهدت آنذاك بالموت الأسود.

  • حرب الـ80 عامًا

كانت صراعًا مسلحًا استمر خلال الفترة من 1566 إلى 1648 وشمل المناطق التي تشتهر اليوم ببلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وأجزاء من ألمانيا وشمال فرنسا.

قاد هذا الصراع مجموعات من الهولنديين الثائرين ضد حكومة إسبانيا، وانتهت الحرب باعتراف إسبانيا باستقلال هولندا.

نهاية النزاع المسلح الذي دام 80 عامًا جاءت بإقرار إسبانيا استقلال هولندا (شترستوك)
  • نزاع الثلاثين عاما

تعتبر واحدة من أشد الصراعات تدميراً في تاريخ القارة الأوروبية، استمرت من عام 1618 حتى عام 1648، حيث انحصرت في منطقة وسط أوروبا، وأدت إلى وفاة حوالي 8 ملايين شخص.

وفقًا للسجلات التاريخية، يقال إن سبب هذا الصراع كان الانقسامات والخلافات الدينية داخل الإمبراطورية الرومانية المقدسة، حيث انقسمت أوروبا إلى جانبين دينيين: جانب كاثوليكي يشمل إسبانيا والنمسا، وجانب بروتستانتي يتضمن فرنسا وهولندا.

لوحة تصور لحظة مقتل الملك السويدي غوستاف الثاني في معركة لوتسن إحدى معارك نزاع الثلاثين عامًا (مواقع التواصل)
  • الحروب الفرنسية لنابليون

رغم عدم طول الفترة الزمنية للحروب الفرنسية لنابليون (1803-1815) بالمقارنة مع حروب سابقة، إلا أنها كانت كافية لتقلب أوروبا رأسًا على عقب، حيث كانت سلسلة من الصراعات بين فرنسا بقيادة نابليون، وتحالفات أوروبية متغيرة.

أثمرت الفترة الأولى من هذه الحروب عن انتصارات لافتة وهيمنة فرنسية على أوروبا ووصولها إلى السيطرة على العاصمتين الروسيتين القديمة سان بطرسبورغ والحالية موسكو، ولكن هذه الهيمنة لم تدم طويلًا، حيث نجحت التحالفات الأوروبية في تغلب فرنسا وهزيمة نابليون وإسقاط حكمه.

تسببت الحروب الفرنسية لنابليون في خسائر بشرية كبيرة تقدر بنحو 4 ملايين شخص، وتعرضت فرنسا لخسائر جسيمة في جميع المجالات، وكانت سيطرة جميع الأوضاع عليها، ووصف الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو تلك الفترة بأنها “العذاب البشري” في روايته “البؤساء” التي تناولت فترة سقوط نابليون والعقود التالية لها.

جُدت فرنسا لخسارات كبيرة في جميع الميادين وسودت فيها حالة من الانحدار نتيجة الحروب الفرنسية لنابليون (مواقع التواصل)
  • الحروب العالمية الكبرى

لا يمكن إنهاء مناقشة الحروب الأوروبية دون الحديث بسرعة عن الخسائر الهائلة الناتجة عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، إذ تسببت الأولى في وفاة 16 مليون شخص، بينما قُدر إجمالي ضحايا الحرب الثانية بأكثر من 60 مليون شخص، وتُعتبر الأخيرة واحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر العصور.

أمثلة على العنف

لجأ الأوروبيون إلى طرق عنف غير مسبوقة، وسنذكر هنا بضع أمثلة على ذلك:

  • أكل لحوم البشر

لو روى شخص غير أوروبي فظاعة أكل الأوروبيين لحوم البشر، لما صدقه أحد، وإذا وُصفت هذه الأفعال من قبل شخص آخر، ربما لوُصفت بالمبالغة، ولكنها تم ذكرها من قبل صحفيين فرنسيين ضمن تقرير نشر في صحيفة “لو بوان” تحت عنوان “12 ديسمبر 1098.. يوم قام فيه الصليبيون بأكل لحوم سكان معرة النعمان”.

وأكد التقرير أن جيش الصليبيين في حملتهم للاستيلاء على القدس استخدموا لحوم المسلمين سكان المدن المحتلة كطعام لهم، وتم تسليط الضوء على المأساة التي حدثت حين دخول الصليبيين إلى مدينة معرة النعمان حيث قتلوا 20 ألفًا من سكانها في 12 ديسمبر/كانون الأول 1098 ميلادي.

ذكر التقرير أحد المشاركين في الحملة بأنهم “قاموا بطهي المسلمين في القدور، وحولوا أجساد الأطفال إلى أسياخ لطهيها وأكلها بشكل مشوي”، ووصف آخر ما حدث قائلًا “كنا نستفيد من جزء أو جزئين من جثة أحد المسلمين، بعضنا كان ينتظر لشويها، أما البعض الآخر فقد تسبب بتقليصها بأسنانه الوحشية”.

مذبحة معرة النعمان وقعت خلال الحملة الصليبية الأولى (شبكات التواصل)
  • الرئيس العظم

استبدل الأمراء الأوروبيون أصنافًا مروعة من التعذيب، ومنها ما أشتهر عن حاكم بلغاريا في القرن 15 يُدعى فلاد الثالث، والملقب بـ”الرئيس العظم” نتيجة استخدامه العمود لتكبيل خصومه، والعمود عبارة عن عصا سميكة وطويلة يُدخل في الجسم غالبًا عبر فتحة واحدة ويتم تثبيت الشخص عليه حتى يفارق الحياة. يحرص الرئيس العظم على إدخاله بشكل يطيل معاناة صاحبه حتى يعاني لساعات طويلة مصلوبًا قبل أن ينتهي تنفسه.

رُويت حول شخصية هذا الجلاد الخارق العديد من القصص، منها رواية “دراكولا” للكاتب الإنجليزي برام ستوكر، حيث كان فلاد الثالث يعرف أيضًا باسم دراكولا، وهو اسم العشيرة التي يتبعها.

‪الكاتب الايرلندي برام ستوكر نسج شخصية دراكولا مصاص الدماء الشهير من إلهام سيرة فلاد الثالث الدموية‬ (غيتي)
  • الابادة

في مقال نشره الباحث الفرنسي في جامعة السوربون جيل فيمي تحت عنوان “المستوطنون الأوروبيين.. هؤلاء القتلة” تحدث الكاتب عن ممارسات وحشية قام بها الهولنديون خلال غزوهم لأرخبيل باندا في إندونسيا نهاية القرن السابع عشر.

يشير الكتاب إلى قصة مروعة حيث قامت فرقة عسكرية هولندية بقيادة الضابط مارتين سونك بإحراق قرية بأهلها في ليلة 21 من أبريل/نيسان 1621، وتمت عملية الإبادة لسكان جزر باندا خلال أقل من شهرين لتمكين شركة هولندية من استغلال الأرخبيل.

  • حرق البشر

وفي السياق نفسه، نُشرت في مجلة “لوبوان” الفرنسية تقارير عن ارتكاب القائد البرتغالي فاسكو دي غاما، الذي كان قائدًا لأول سفن تبحر من أوروبا إلى الهند، مذبحة مروعة تعتبر واحدة من أسود صفحات التاريخ الأوروبي، عندما أضرم النار في سفينة تقل حجاجًا مسلمين من مكة مع نسائهم وأطفالهم، وقضى فيها حوالي 400 شخص.

لم يكن ذلك حادثة عابرة أو خطأ، بل كانت مخططة ومدروسة مسبقًا بالعمد، حيث كان الحجاج غير المسلحين معروفين، ولم تكن استغاثات النساء والأطفال كافية لإقناع دي غاما بقبول فدية ورفضه أخذ أي ثمن لحرق سفينتهم حية، بهدف إذلالهم كمسلمين. أعلن دي غاما أن هدفه هو تثبيت عدم قدرة المسلمين على تحقيق رغباتهم في المستقبل، وكانت المأساة بالفعل فظيعة وفقًا للشهود، حيث استمرت السفينة في احتراق لعدة أيام.

فاسكو دي غاما أضرم النار في سفينة تقل حجاجًا مسلمين قادمين من مكة بينهم حوالي 400 شخص (غيتي)
  • أراضي اليد المبتورة

لكل دولة في الدول الأوروبية القديمة مساهماتها الخالدة في مجال العُنف، فوفقًا لتقرير نشرته مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور”، لم تقم بلجيكا بنهب ثروات الكونغو من مطاط وعاج فحسب، بل جبرت السكان على أعمال قسرية للتفريغ السريع لهذه الموارد.

باتت الكونغو في تلك الحقبة معروفة باسم أراضي اليد المبتورة، حيث كانت عقوبة البتر أكثر ال

بلجيكا كانت تعاقب سكان الكونغو بقطع أيدي كل الذكور في أي قرية لم تجلب ما يكفي من المطاط (مواقع التواصل)
  • ممارسات مروعة في بيرو

تضمن استخدام الأوروبيين العنف في جميع أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال في بيرو في أمريكا الجنوبية، كانوا يتطفلون على الرجال لجمع كميات ضخمة من عصير الأشجار المحلية أو ما يُعرف بالذهب الأبيض، ثم يستخدمون تلك العصائر لإنتاج المطاط البري الذي زاد الطلب عليه بعد اكتشاف السيارات، فإذا لم يحضروا الرجال المطلوب يتعرض نساؤهم للاعتداء ويتم حرق أطفالهم.

  • مأساة سربرنيتسا

ليس ببعيد منا حتى الآن صدى مأساة الضحايا الذين تعرضوا للمجازر في حرب البلقان بوسنة، حيث يتلاشى ببطء حزن هؤلاء الضحايا، ونذكر على سبيل المثال مجزرة سربرنيتسا التي شهدت في تموز 1995 حيث قتل فيها الصرب أكثر من 8300 شخص.

العنف المقدس

حاول الأوروبيون دائماً تبرير تصرفاتهم الوحشية تجاه الآخرين بأغطية دينية، فمثلًا قائد الكشوفات الأوروبية كريستوفر كولومبوس كان يتخيل العثور على كنوز من الذهب في رحلته إلى الهند لتمويل حملة صليبية لاستعادة القدس من يد المسلمين، وهذا ما تناولته الباحثة الأميركية في الأنثروبولوجيا كارول ديلايني في كتابها “كولومبوس وطموحاته للقدس”.

ويتحدث كتابات أخرى عن أن رحلة فاسكو دي غاما كانت أيضًا تحمل معاني دينية، إذ يعتبر الكاتب البريطاني نايجل كليف في كتابه “حروب مقدسة” بأن الدافع الديني كان العامل الرئيسي خلف حملة الاستكشافات الجغرافية التي قامت بها البرتغال لمدة 80 عامًا.

الصهيونية المسيحية اليهودية

يقوم العنف الديني لدى الأوروبيين على التحالف بين بعض الجماعات الدينية المتطرفة مع ظهور ما يسمى “الصهيونية المسيحية اليهودية” التي تروج لبعض الأفكار والتنبؤات المستقبلية بشأن التعامل مع بعض القضايا وتبرير بعض السياسات، وهذا ما ناقشته الكاتبة الأميركية غريس هالسل في كتابها “النبوءة والسياسة.. الإنجيليون العسكريون ومسيرتهم نحو الحرب النووية”.

وتقول في كتابها إن رجال دين مسيحيين ويهود قد يُحثون الغربيين على التصديق بنزول المسيح لإنقاذ العالم من الشرور من خلال معركة سميت معركة هرمجدون يتوقع أن يقتل فيها ما يقارب 200 مليون شخص.

وتُضيف أن هذا لن يحدث إلا بعد عودة اليهود إلى أرضهم في فلسطين وإنشاء دولتهم، مشيرةً إلى أن تلك التنبؤات تشير إلى أن اندلاع تلك المعركة سيكون بناء الهيكل على أطلال المسجد الأقصى.

هذه العقائد تعتبر المبرر الرئيسي لتقاعس الغرب وتواطؤه مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته، وقد تم ارتباط تلك الممارسات بتشكيل عصابات الأرغون والهاغانا التي ارتكبت العديد من المجازر والذبح قبل تأسيس دولة إسرائيل.

وتستمر الانتهاكات مع الاحتلال مع مجموعة واسعة من الانتهاكات والعنف التي أسفرت عن مجازر ستظل خالدة في تاريخ المنطقة؛ بدايةً من مجزرة دير ياسين والطنطورة وصبرا وشاتيلا وصولًا إلى المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وحتى مذبحة في مستشفى المعمّدين ومجزرة مخيم جباليا، والتي تظل ترصد يوميًا مع بداية العدوان على غزة من خلال مجازر تُرتكب بدعم وتغطية أوربية غربية.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Exit mobile version