الدواء الزائف… شفاء أم خديعة؟

Photo of author

By العربية الآن



الدواء الزائف… شفاء أم خديعة؟

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>عانى جيلكريست -في القرن الـ18- من مرض شديد ووصف أنه “غير قابل للشفاء على الإطلاق” فطلب المساعدة من أحد أشهر الأطباء الأسكتلنديين في تلك الحقبة.

كان وليام كولين (1710-1790) المعلم الطبي الأكثر شهرة وتأثيرا في زمنه، حيث شغل مناصب في الكيمياء ونظرية الطب وممارسة الطب في جامعة إدنبرة.

وكان يحضر الآلاف من التلاميذ محاضراته الشهيرة، كما استشار آلاف المرضى كولين عن طريق البريد أو شخصيا في عيادة إدنبرة، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل صديقه آدم سميث الاقتصادي البارع.

وأخبر كولينطلبة الطب الذين دافعوا لتبني حالة جيلكريست فعلوا ذلك لأسباب علمية بالدرجة الأولى، وليس لأسباب سريرية. أشاروا إلى أنهم أرادوا مشاركة بعض الملاحظات حول حالته، ولكي يتعلموا شيئاً مفيداً عند وفاته. ونظراً لعدم وجود أمل في شفاء جيلكريست، قرر الطبيب استخدام الدواء الوهمي “Placebo” لتهدئته أو تطمينه.

في أواخر القرن الثامن عشر، كانت كلمة “علاج وهمي” تُستخدم في سياق ديني بدلاً من طبي. ولكن تغيرت الأمور، وأصبحت “علاج الهدف منه إرضاء المريض” هي المعنى الرئيسي للكلمة.

يبدو أن المصطلح أصبح شائعاً في فترة ما من القرن الثامن عشر، حيث لم يكن يحتوي القاموس الطبي الجديد لجورج مذربي عام 1775 على أي إشارة حول هذا الموضوع، بينما تعرّف الإصدار عام 1785 “العلاج الوهمي” على أنه “طريقة أو دواء شائع”.

تأثير العلاج الوهمي

تحت تأثير العلاج الوهمي، يرون بعض الأشخاص تحسناً غامضاً في صحتهم بعد تلقي علاج زائف لا يحتوي على أي مكون فعال، ربما تكون الحبة المعطاة محشوة بحبيبات السكر. ولكن ما هو الذي يُسبب تأثير العلاج الوهمي بالضبط؟ هذا ما حاول كمال نحاس توضيحه في مقال كتب لموقع “Live Science”، حيث أجرى حوارات مع عدد من الباحثين لفهم سياقات استخدام العلاج الوهمي في المجال الطبي وأسباب شعور بعض الأشخاص بالتحسن عند تناول هذا العلاج.

لفهم تأثير العلاج الوهمي، يجب التعريف به أولاً. يشير الدكتور كريستوفر لابوس، طبيب في مكتب ماكجيل للعلوم والمجتمع، إلى أن الأشخاص غالباً ما يسيئون فهم عبارة “العلاج الوهمي” باعتباره دواءاً زائفاً يُعطى لخداع المريض وجعله يعتقد أنه يتحسن، ويلمح بأن “لا يمكنك تقديم شيء تعرف أنه غير فعال”.

يمكن للشخص أن يشعر بتحسن عند تناوله للعلاج الوهمي بسبب عوامل نفسية وتغيرات فسيولوجية في الدماغ والجهاز العصبي. ومع ذلك، هناك عوامل أخرى بجانب الدماغ يمكن أن تلعب دوراً. وفي بعض الحالات، قد تحدث تحسنات للأشخاص بغض النظر عما إذا كانوا يتلقون علاجًا حقيقيًا أم وهميًا، إذ يعتقدون ببساطة أن هذا التغيير قد حدث لأنهم تناولوا شيئًا.

في الأبحاث العلمية، عندما يشير الباحثون إلى الدواء الوهمي، يقصدون في الواقع علاجًا غير فعّال يُستخدم كتحكّم أو نقطة مقارنة في التجارب البشرية.

يقول لابوس “يعلم الأشخاص (في التجربة) بأن هناك احتمالية نسبتها 50% أن يحصلوا على دواء وهمي”، فلا يوجد خداع هنا. وتعتبر الأدوية الوهمية أهمية بما أنها تمكّن العلماء من التفريق بين فوائد الدواء الحقيقي الذي يُختبر والتغيرات الطبيعية في شدة المرض.

تأثير هوثورن

وأشار لابوس إلى أن “تأثير العلاج الوهمي” هو مصطلح يُستخدم لتغطية عدد من الظواهر المختلفة. يشمل ذلك ظاهرة نفسية تُعرف بتأثير هوثورن Hawthorne effect، حيث يميل الأشخاص إلى الشعور بالتحسّن بعد طلب الرعاية الطبية أو المشاركة في التجارب، بغض النظر عن العلاج الذي يتلقونه.

تُظهر الدراسات أيضًا أن تأثير العلاج الوهمي يعتمد على فعالية الأطباء وحماسهم تجاه المشاركين. ويقول لابوس إن الأشخاص قد يتصرّفون بشكلٍ مختلف أيضًا بعد تلقي الدواء الوهمي إذا توقعوا تخفيف الأعراض.

هناك عوامل أخرى يمكن أن تسهم في تأثير العلاج الوهمي. يشير لابوس إلى أن بعض الأمراض يمكن أن تتحسّن بشكلٍ طبيعي مع الوقت، ومن الممكن أن يُعزى هذا التحسّن بشكلٍ خاطئ إلى تأثير العلاج الوهمي أو الدواء على الجسم.

يمكن أن يؤدي تحيز الرغبة الاجتماعية إلى تحريف نتائج التجارب السريرية. ويفسر لابوس ذلك بأن المشاركين في التجربة، مع تناولهم أقراص سكرية، قد ينقللون من أهمية أعراضهم دون معرفة ذلك، حرصًا على تجنب إحباط فريق البحث.

تفاعل الخلايا العصبية

ومع ذلك،

تظهر البراهين أن التغييرات الفسيولوجية تلعب دورًا في تأثير العقاقير الوهمية بشكل متزايد. يُمكن أيضًا للمؤثرات الاجتماعية وتجارب الأفراد أن تؤثر على استجابتهم للأدوية الوهمية. يشير لابوس إلى أنه في حال علم أحد المشاركين في التجربة بأنه سيتلقى علاجًا وليس دواءً وهميًا، قد يتحمل الألم بشكل أفضل، حيث تشير تجاربهم السابقة بأن العلاج سيحسّن شعورهم، مما يؤدي إلى تحيز تجربتهم الوهمية.

الباحثة في العلاج الوهمي بجامعة هارفارد، كاثرين هول، تتفق على أن “التأثير الاجتماعي يمكن أن يعدل تجربتك مع الألم”. كما تشير إلى أهمية وجود عملية فسيولوجية تدعم هذا التغيير “حيث يجب أن يؤثر تناول الدواء الوهمي على الجهاز العصبي، مما يغير كيفية تفاعل الخلايا العصبية مع التحفيز”.

تُسلط البراهين الضوء على قدرة الدماغ على تحويل إدراك الألم للأشخاص، مما يجعل إشارات الألم تظهر بشكل أكثر أو أقل حدة حسب السياق الذي يتم تحفيزها فيه. قد يعاني الفرد من ألم أقل عند استخدام كريم يظن أنه يحتوي على ليدوكائين، مقارنة بما يشعر به عندما يدرك أنه يستخدم الفازلين فقط.

أظهر الباحثون أن قشرة الفص الجبهي -المركز الذي يعالج المعلومات في الدماغ- يمكنها تعديل الألم عندما يكون الأفراد تحت تأثير الدواء الوهمي. يُمكن لهذه المنطقة الدماغية رفع العتبة الخاصة بالألم وبالتالي المساهمة في تخفيف الألم الذي يتوقع أن يعاني منه المشاركون.

المصدر : مواقع إلكترونية



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.