أمية جحا تكتب: تجارب فنية من غزة اضطرت للانتقال قسراً إلى قاعة الإنجاب المتسلسلة (7)

Photo of author

By العربية الآن



أمية جحا تكتب: تجارب فنية من غزة اضطرت للانتقال قسراً إلى قاعة الإنجاب المتسلسلة (7)

لوحة فنانة الكاريكاتير أمية جحا للجزيرة
رسّامة الكاريكاتير أمية جحا وقد احتفظت في تجاربها بأيام النزاع الإسرائيلي على غزة خاصة الأحداث الدائرة حول محيط مستشفى الشفاء (الجزيرة)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>وقد خلدت رسّامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا في تجاربها العشرة المنشورة على الجزيرة نت، المواقف الإنسانية الصعبة التي تجري خلال الصراع الإسرائيلي على منطقة غزة، بما في ذلك محيط مستشفى الشفاء، الذي وُصِف في تقرير منظمة الصحة العالمية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي باعتباره “منطقة موت”.

أمامكم عزيزي القارئ الحلقة السابعة من سلسلة النصوص، التي تُنشر تباعاً في الأيام القادمة، وتعرض قصة سيدة فلسطينية من حي النصر، برج زغبر بمدينة غزة، وما شاهدته من أحداث، وكيف تم نقلها إلى مستشفى الشفاء في غزة (حتى تواصل آخر معها قبل اقتحام المشفى للمرة الثانية في 18 مارس/آذار 2024)، وكيف جلست تنتظر النجاة على أرضية العيادة الباردة.


الجمعة الثالث من نوفمبر/تشرين الأول

كان مساء ذلك الجمعة، من أسود أمسيات العنبر، حيث وصل وفد من آلاف النازحين من مدرسة بمخيم الشاطئ، بعد تعرضها لهجوم جديد، فانتقل النازحون إلى أماكن أخرى، يبحثون عنها

الإحساس بالأمان. بالإضافة إلى التهديد الذي يتلوح في الأفق من قبل الاحتلال لسكان المخيم بضرورة إفراغه.

على الرغم من اكتظاظ الناس في العنابر، إلا أننا تقدمنا بطلب لاستيعاب الوافدين الجدد، الأمر الذي أثار مشكلات مع الإدارة ونشوب نزاعات كلامية بين الوافدين أنفسهم. نظرًا لعدم توافر مساحة تذكر حتى لأطراف أصابع أقدامنا من أجل تجاوز تجمعات النازحين للوصول إلى دورات المياه. وهذا دفع بالوافدين الجدد في النهاية إما للبحث عن أماكن أخرى أو الاكتفاء بالاستلقاء في الممرات الضيقة.

في حوالي الخامسة مساءً، أعلنت إدارة المستشفى عبر السماعات العامة أن التيار الكهربائي سيتوقف تمامًا في جميع العنابر الساعة الثامنة. وهذا أثار حالة من الهرج والمرج، حيث بدأ الجميع في البحث عن شواحن هواتفهم، وبعضهم ذهب لاستخدام دورات المياه لقضاء حاجياتهم واحتياجات أطفالهم، بينما قام آخرون بإطعام أطفالهم بقايا الخبز.

أما ثائرة، قد قررت الدخول في معركة جديدة، ولكن هذه المرة ليس مع الوافدين الآخرين بل مع الزمن. سرعت بعجن كمية صغيرة من الدقيق لأسرتها، التي لم تتمكن من شراء الخبز طوال اليوم. نجحت في خبزها باستخدام قدر الخبز الكهربائي الذي كان ملك إحدى الأسر الأخرى قبل انقطاع التيار الكهربائي. وهكذا فعل العديد من الوافدين.

كان من المؤلم رؤية الأطفال المحتاجين، يراقبون بشهوة رغيف الخبز الساخن أو كوب النودلز في أيدي أطفال آخرين. سكان غزة غالباً ما يتسمون بالكرم، ولكن الظروف الصعبة والمعقدة التي يعيشونها بسبب حرب الإبادة والتجويع التي يشنها الاحتلال تجاههم، تجعل من الصعب للغاية على العائلات توفير القليل من الخبز الذي لا يكفيها في الأساس. والاكتظات بالعشرات من الأطفال في العنابر تجعل من الصعب أن تتصرف ببذل اللطف مع أحدهم دون الآخرين.

أسعار الخضروات والسلع الأساسية والمعلبات والنودلز ترتفع يوميا، حيث يعجز الحصار الذي يفرضه الاحتلال على القطاع عن استيراد أي بضائع، بالإضافة إلى إغلاق الأسواق والمراكز التجارية التي كانت تعج بالزبائن. كان الباعة الجائلون يتسللون إلى طوابق المستشفى لبيع بعض السلع الضرورية للوافدين، ومعظم الباعة كانوا من الأطفال. من المحزن أن يجد الأطفال أنفسهم يصطفون لبيع السلع في ساحات المستشفى والشوارع بدل اللعب في المدارس والحضانات.

اليوم، تناولت لقمة واحدة فقط من الخبز، الذي تم شراؤه قبل يومين فقط وكان سهل التفتيت بسبب الجو الحار الذي جعله يتعرض للتلف. هذا النوع من الخبز كان يُطعم للدجاج في السابق. قمت بدهن قطعة الخبز بقليل من مربى الفراولة، دون سبب محدد، فقط من أجل تفادي الحاجة لاستخدام الحمام. الصغار هنا انتفضوا ضد فكرة مربى الفراولة وجبنة الفيتا. قد تناولوا وجبة الغداء اليوم التي كانت تتألف من الأرز المطهو بمكعبات مرقة الماجي، وكانت لذيذة جدًا في نظرهم، حيث لم يطلبوا وجود قطعة لحم لأنهم كانوا يعلمون بصعوبة توفرها.

الأسواق والمراكز التجارية مغلقة تمامًا، وتعرضت العديد من المخابز للقصف أو التهديد، فتنفّذ الديزل الضروري للأفران الآلية مما أدى لإغلاقها. يصل الرجال إلى العنابر لعائلاتهم بعد الثامنة صباحًا، يحملون الطعام والضروريات والمشروبات. أحيانًا ينامون بعض الرجال على فراش أولادهم في العنابر لساعات قليلة لتجنب النوم في ساحات المستشفى ليلا خوفًا من قصف مفاجئ من قبل طائرات الاحتلال، لكن يجب عليهم مغادرة العنابر قبل الثامنة مساءً ليعودوا للنوم في ساحة المستشفى الخارجية في الهواء الطلق.

أصوات القصف في ساحة المستشفى أعلى وأعمق منها في العنابر، على الأقل هذا ما يقوله الرجال. لذلك، يفتقدون طعم النوم.

عندما يأتي الأب لأسرته، ينبهر الأطفال به ويحيطون به بفرح لأنهم يعلمون أنه جلب معه الطعام والشراب وإن كان القليل.

وفي إحدى اللحظات، دخلت قطة صغيرة إلى العنبر قبل صلاة المغرب، جعلت الأطفال يتجمهرون حولها. بدت القطة بحالة شديدة من الجوع وربما العطش، كانت تهرع نحو حاويات القمامة بحثًا عن بقايا طعام الوافدين، وتقوم بالتقاطها بلسانها حتى بقايا الأرز.

أوصيت أختي بسكب بعض حليب الرضاعة الخاص بطفلها في صحن صغير. كانت تسخر في البداية لكنها قبلت أخيرًا برجاء من الله بأن تنتهي هذه الحرب وتزول الأزمة.

بعدما انتهت القطة الصغيرة من الحليب في الصحن، قام أحمد، ابن الشهيد، بإلقاء قطعة من الخبز الصغيرة المتبقية لها. بدأت القطة في التهام الخبز بشراهة بينما كان الأطفال يحيطون بها بدهشة وسعادة.

تم إطفاء الأنوار تمامًا في المستشفى قبل الموعد المحدد بربع ساعة، حيث سادت لحظات من الصمت التي انقلبت سريعًا إلى تصفيق وتصفير من قبل الصغار. كم كانت قاسية تلك اللحظات من الفرح للأطفال في زمن يستدعي البكاء..

أنغمست برأسي نحو الشباك الواسع المطل على السماء، حيث كانت العديد من الفوانيس تزين الأفق، متنبئة بليلة جديدة ساخنة، بينما كانت الأصوات المتشابكة لبكاء الأطفال والمحادثات والمشادات الكلامية تعلو خلفي.

“use strict”;

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.