عام من الصراع في السودان.. الخراب يسيطر على العاصمة | سياسة

Photo of author

By العربية الآن

<

div aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>بعد مضي 12 شهرا من المواجهات بين القوات المسلحة وجماعات الدعم المسلح، تحولت أغلب أحياء العاصمة السودانية إلى مدن مهجورة، إذ أصبحت الخرطوم غير قابلة للتعرف عليها بسبب منازلها المهدمة والمنهوبة والمحترقة التي تحكي قصص تراجيدية عن وحشية الحرب.

بعد عام من النزاع، تكبدت البنية التحتية والصناعات والمنشآت خسائر بالمليارات من الدولارات، حيث فقد الملايين وظائفهم وتوقفت رواتب الموظفين وتهجر أكثر من 10 ملايين سوداني نتيجة للاستفتاء العنيف الذي انتشر إلى عدة ولايات.

ظهرت آثار المعركة بوضوح على آلاف المباني الحكومية والخاصة في شوارع الخرطوم، حيث لا يزال القتال مستمرا في عدة مناطق من العاصمة رغم تراجعه قليلا عن الأوضاع في الأشهر الأولى، لكن صهيل الطائرات ودوي الرصاص ما زالوا سامعين في أماكن متعددة بالخرطوم.

تحويل محطة النقل العام في حي الشهداء لساحة مهجورة
تحويل محطة النقل العام في حي الشهداء لساحة مهجورة (الجزيرة)

أطلال

تغيرت ملامح حي الشهداء في أم درمان إثر النزاع، إذ استخدمته قوات الدعم كمعقل للقناصة لمدة عام تقريبا، ما جعل الحي هدفا للطائرات الحربية والقذائف العسكرية، حيث تحولت المباني التاريخية والحديثة والأثرية إلى أطلال.

شهد الحي -الذي تم تسميته باسم “شهداء” نسبةً لمعركة كرري التاريخية التي جرت عام 1898 بين جيش المهدي والقوات البريطانية- أعنف الاشتباكات وتناثرت جثث الضحايا في المكان، وما زال لم يُحدد حتى الآن عدد القتلى من الطرفين.

السيارات المدمرة متناثرة في شوارع حي الشهداء
السيارات المدمرة متناثرة في شوارع حي الشهداء (الجزيرة)

وتشير الأدلة في بعض مناطق حي الشهداء إلى أنها كانت مخزنا للأسلحة وملجأ للمركبات العسكرية لتجنب الهجمات الجوية، كما أن منظر السيارات المتضررة والمسروقة التي تفتقد أجزاء رئيسية يبدو شائعًا، حيث انتشرت على ممرات الحي.

وعلى جميع الجهات والشوارع الرئيسية والجانبية في وسط أم درمان وشرقها، تم تدمير خطوط الكهرباء وأعمدتها بسبب القذائف.

السيارات التالفة ومحطات الوقود الخارجة عن الخدمة تملأ شوارع الخرطوم
السيارات التالفة ومحطات الوقود الخارجة عن الخدمة تملأ شوارع الخرطوم (الجزيرة)

لم يسلم منازل الشخصيات التاريخية في أم درمان من الدمار والسرقة، حيث اقتحمتها قوات الدعم واحتلتها، وتم سرقة التحف التاريخية منها، كالمنزل الذي كان يعود للرئيس السابق جعفر النميري الذي تم تدمير أثاثه وسرقة المقتنيات التاريخية منه، وانتشرت صوره على الأرض.

كما تعرض منزل الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء السابق للسطو، بالإضافة إلى منزل الزعيم إسماعيل الأزهري رافع علم الاستقلال وأول رئيس وزراء سوداني، حيث انتشرت قوة عسكرية لتأمينه، لكن بوضوح تعرض للقصف والنهب.

مستشفى أم درمان التعليمي تأثر بالقتال وتدمرت أجزاء رئيسية فيه
مستشفى أم درمان التعليمي تأثر بالقتال وتدمرت أجزاء رئيسية فيه (الجزيرة)

ضرر

يعد الخراب في المستشفيات والأماكن والجامعات سمة بارزة للوضع في أم أدرمان، حيث تحولت أغلبها إلى ساحات بلا علامات وملعب للقطط والكلاب الضالة.

تضررت مستشفى أم درمان التعليمي من قذائف القتال بأقسامه المختلفة التي تلبي احتياجات القطاع الصحي في المنطقة والمناطق المحيطة، كما تعرضت المستشفيات الخاصة في محيط الشهداء للتدمير، بما في ذلك مستشفى النيل الأزرق ومستشفى المناطق الحارة ومستشفى آسيا الذي اشتعلت فيه النيران بالكامل.

وحول هذه المستشفيات تناثرت معدات طبية، وأصبحت الصيدليات الملحقة بها خالية من الأدوية التي انتشر بعضها في الشوارع القريبة.

ووفقًا لتقديرات وزارة الصحة السودانية، بلغ حجم التخريب والخسائر في المستشفيات والمراكز الصحية حوالي 11 مليار دولار.

مستشفى النيل الأزرق في حي الشهداء بدت عليه آثار القصف والدمار
مستشفى النيل الأزرق في حي الشهداء بدت عليه آثار القصف والدمار (الجزيرة)

اختفت تمامًا ملامح الأسواق والمحال العديدة في سوق أم درمان التاريخية، التي كانت تضج بالحياة والبضائع من مختلف الأصناف وتستقطب عددًا كبيرًا من سكان العاصمة بسبب تنوعها وتوازنها بين البضائع التقليدية والحديثة، بالإضافة إلى أسعارها المناسبة.

تحولت السوق إلى أنقاض وتمت سرقتها بالكامل، بما في ذلك سوق المجوهرات الذهبية، وقد حرقت معظم المحلات بعد نهبها، بينما تضررت غيرها من القذائف المتساقطة.

تغيير المحلات التجارية في المحطة الوسطى بسبب القصف والسرقات
تغيير المحلات التجارية في المحطة الوسطى بسبب القصف والسرقات (الجزيرة)

صراع عنيف

أصبحت المحطة الوسطى في أم درمان ساحة للروائح الكريهة بسبب تفتت الجثث، ويقول أحد العسكريين الذي كان يجول في المكان لقناة الجزيرة إن الروائح تنبعث من المجاري بسبب تفكك العشرات من الجثث.

في المحطة الوسطى، تبرز بقوة أيدي اللصوص والناهبين الذين زعزعوا الاستقرار في المكان وأحرقوا ما لم يتمكنوا من نهبه، كما تظهر آثار القصف العنيف، ويبدو أن قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على المكان لفترة طويلة شهدت مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني.

في مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وقعتتدور معركة شرسة بين القوات العسكرية والدعم السريع، وبعد اعتلاء الجيش للموقع الذي احتجزته قوات الدعم السريع كمقر عسكري ومستودع للأسلحة منذ اندلاع القتال في منتصف شهر أبريل 2023.

المعركة كانت عنيفة حول المقر واستمرت قوات الدعم في المقاومة داخله لعدة أيام، لكن الحصار المستمر واستخدام الطائرات المسيرة أفضى إلى تدمير معظم القوات الموجودة داخله، كما اظهرت الصور والمشاهد من داخل المبنى حجم الدمار الهائل الناجم عن الاشتباكات.

وفي سياق متصل، صرح إبراهيم بختان، رئيس اللجنة المعينة من قبل وزارة الإعلام لتقدير الخسائر في مبنى الإذاعة والتلفاز يوم 24 مارس الماضي بأن “تعرضت الإذاعة الوطنية لحريق شبه كامل وتضررت استوديوهات التلفاز وتسربت جميع أنابيب التبريد الجديدة وتم حرق القديمة”.

وقد قدر بختان قيمة الخسائر الناجمة عن التدمير بملايين الدولارات، حيث تمت سرقة سيارات الموظفين معظمها وتدمرت غرفة التحكم الرئيسية للإذاعة ومركز الأخبار ووحدة التبريد، وكل ما لم يتم سرقته تم تحطيمه بالرصاص، بالإضافة إلى تدمير أجهزة استوديوهات قناة الخرطوم.

فيما يتعلق بالخرطوم، تحولت أحياء كثيرة في منطقة بحري إلى مبانٍ مهجورة ومخربة، حيث ما زالت بعضها تشهد اشتباكات مستمرة، خاصة في الجهة الشمالية التي تضم مصفاة جيلي للنفط.

المدينة التي كانت مركزا للتجارة والصناعة الهامة لم تعد كما كانت، حيث زُحفت مصانع الطحين والمشروبات الغازية والزيوت وأصبحت أطلالا تحتضنها الأتربة، وأسواقها النابضة بالحياة تحوّلت إلى ركام.

وفي هذه الأحياء، يصمد بعض السكان وسط ظروف قاسية بسبب انقطاع الكهرباء والمياه لفترة تزيد عن عام، وقليلون من بقوا قرروا الاقامة في منزل واحد لأسباب أمنية وخوفا من الاعتداءات، بالإضافة إلى تقنين تحضير الطعام جماعيًا.

فيما يخص الطعام، بعد نفاد الغاز للطهي في بعض مناطق الخرطوم وبحري، اضطر العديد من السكان إلى تقطيع الأشجار وتركها تجف تحت أشعة الشمس حتى تصبح صالحة للاستخدام.

وتحولت بعض المساحات في الأحياء إلى مقابر لدفن الموتى، وخصوصاً في حالات تصاعد القتال، حيث يُدفن بعض المواطنين جثث أحبائهم في الشوارع أو الساحات المجاورة، ويواجه المتبقون مشاكل كبيرة عند ذهابهم إلى المقابر من تفتيش واعتقال واعتداءات، وهذا ما دفعهم لدفن موتاهم داخل منازلهم وعلى جانب الطريق.

ويشير سكان بحري إلى قصة مأساوية عن شخص لُم يُعرَف بوفاته، حيث اعتقد الجميع أنه ذهب لزيارة أقربائه بمنطقة أخرى، لكن جنوداً من الفصائل المتناحرة عثروا على أجزاء مقطوعة من جثته، وأبلغوا السكان بالحادثة، بينما وجد رفاقه بقية أشلاء جسده يؤكدون أن الكلاب قطعته بعد وفاته داخل منزله.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.