وتشير تقارير الخبراء إلى أن الأطفال يكونون الشريحة الأسرع في التعافي من صدمات الحرب بين القوات السودانية وقوات الدعم السريع، التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023، على عكس البالغين من النساء والرجال المرهقين بالهموم والأسى والقلق المستمر والمتنامي.
وتتفاوت مستويات الصدمة النفسية التي نتجت عن الحرب في الشدة وحجم الأذى تبعًا لطبيعة الأحداث والمناظر أو الانتهاكات التي تعرض لها الأفراد والعائلات.
ذكريات الحرب
سجلت ذكريات الحرب حالات قتل فيها يفقد الأسرة الواحدة أحد أفرادها، بينما فقدت نساء أزواجهن بسبب القصف العشوائي والرصاص في مواجهات دامية خلال شهور الحرب الأولى، وآخرون أصيبوا بجروح بالغة أدت إلى بتر أعضاءهم الحيوية وتحويلهم إلى معاقين عاجزين عن الحركة.
ويبقى مصير المفقودين الذين لا يعرف ما إن كانوا أحياء أم موتى يجعل عائلاتهم عُرضة لحالات من الدهشة والحزن الشديد.
ويتعرض رجال مختلف الفئات العمرية إلى معاملات مُهينة عند حواجز المسلحين على الطرق أو داخل بيوتهم ومع أبنائهم، مما يولد رغبة قوية في الانتقام، ومن بين الانتهاكات التي سجّلتها منظمات دولية مُدافعة عن حقوق النساء عمليات اغتصاب منهجية واختطاف واخفاء قسري للفتيات نفّذتها ميليشيات الدعم السريع، الأمر الذي وضع عائلاتهم تحت ضغوط نفسية تصعب تحمّلها.
وفيما يتعلق بالأطفال، فإن علامات الصدمة تظهر على شكل حالات رهبة مفاجئة واضطرابات نوم أو صمت وكسل وتجنب لتبادل الحديث والمشاركة في الألعاب والانغماس في التفكير السلبي.
مبادرات للعلاج
في الأسبوع الأول من الحرب، أنشأ مجتمع العلاج النفسي موقعًا مركزيًا يضم 444 متخصصًا من الأطباء والمرشدين لتقديم الدعم النفسي، كما أعلن أطباء في مدن السودان الكبرى ودول الهجرة (مصر والخليج والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا) حالة طوارئ للعمل على مدار الساعة في العيادات الخاصة وعبر الموقع أو الزيارات المنزلية لتقديم الاستشارات والوصفات الطبية وجلسات العلاج المباشرة.
وتقول الاختصاصية في العلاج النفسي بجامعة دنقلا الدكتورة عجايب عبد العزيز “نكرس جهودنا لتقديم الدعم للأشخاص الأكثر هشاشة ومساعدتهم في استيعاب الصدمة، وتتمحور جهودنا العلاجية حول توضيح وتوضيح نقطة أساسية في العقول بأن ما حدث في 15 أبريل/نيسان 2023 سينتهي وستتلاشى آثاره، وبأن من ترك منزله سيعود إليه”.
وتضيف قائلة “بالنسبة لأولئك الذين فقدوا أحباء لهم خلال الحرب أو تعرضوا لإصابات بالغة، فإننا نساعدهم على التحمل النفسي ونشجعهم على التعبير عن أحزانهم بجهر ومشاركتها مع الآخرين، وهدفنا عدم الانزلاق بحالات الحزن الشديدة إلى مستوى الاكتئاب واليأس وفقدان الأمل”.
وتوضح الاختصاصية النفسية أن الأطفال أكثر تكيفًا وقابلية للتعافي من صدمات الحرب نظرًا لسرعة نسيانهم للذكريات المؤلمة وعدم حملهم لأعباء المعيشة أو المستقبل، مع محاولتهم للاندماج في البيئات الجديدة المختلفة عن تلك التي كانوا يأتون منها، مما يجعلهم نشطين ومشغولين بشكل دائم.
يقترح الخبراء وسائل وقائية لحماية المدنيين من تأثيرات صدمات الحروب عبر توزيع متوازن لمراكز الصحة النفسية والعقلية المتخصصة ومخزون الأدوية بين المدن الكبرى للبلاد، بالإضافة إلى دمج علوم الصحة النفسية وإجراءات الوقاية ضمن مناهج التعليم لطلاب المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات، وذلك لبناء حاجز وقائي مبكر وتعزيز الوعي الوقائي بالمخاطر قبل حدوثها.
وتُعتبر الحرب الحالية في الخرطوم الثالثة في تاريخ السودان المُعاصر بعد حرب الجنوب التي استمرت 50 عاما مع هدنة قصيرة خلال فترة الرئيس السابق جعفر النميري، وحرب دارفور التي اندلعت في 2007 وما زالت تقض مضاجع السكان رغم التغييرات التي حدثت في مراكز السلطة.