اندلعت المعارك في البلاد في شهر أبريل/نيسان الماضي بين الجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (المعروف بـحميدتي) وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، حيث تشير تقديرات خبراء من الأمم المتحدة إلى وفاة ما بين 10 إلى 15 ألف شخص في إقليم دارفور (غرب السودان)، كما أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وخارجها.
قبل اندلاع الحرب، كان رجل الأعمال السوداني أحمد الخير (اسم مستعار) يعمل في مجال تصدير الصمغ العربي، حيث قام بتخزين كمية كبيرة من الصمغ جنوب الخرطوم استعدادا لتصديرها. وعند محاولته تصدير الصمغ بعد بدء الحرب، واجه عدة مشاكل منها دفع رسوم لأفراد من قوات الدعم السريع لنقل البضائع ومواجهة رسوم جديدة من السلطات المحلية وتضاعف إيجار المخازن بمبلغ 6 أضعاف.
الصمغ العربي يستخرج من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو منتج مهم يستخدم في صناعات عديدة من المشروبات إلى العلكة والمنتجات الصيدلانية. السودان يعتبر بموجب التقارير الرسمية في مقدمة دول العالم المنتجة للصمغ حيث يشكل حوالي 70% من الصادرات العالمية للصمغ.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها، إلا أن أموال رجل الأعمال السوداني لم تكف بعد لإتمام عملية تصدير البضاعة. وكما أشار تقرير لهيئة الموانئ السودانية إلى انخفاض حاد في حجم الصادرات والواردات في عام 2023 بنسبة 23% مقارنة بالعام السابق.
نقص الحكومة
وليست هذه التحديات هي النهاية، حيث تفاقمت معاناة المصدرين بعد قرار من وزارة المالية السودانية بزيادة قيمة “الدولار الجمركي” إلى 950 جنيها بدلاً من 650 جنيها، وهو المؤشر الذي يحدد تكلفة الجمارك بناءً على تقلبات أسعار الصرف.
وأدان الرئيس السابق للغرفة التجارية السودانية، الصادق جلال، هذا القرار معتبرا أنه “يشكل كارثة للاقتصاد”.
وشهدت العملة المحلية السودانية تراجعا حادا أمام الدولار منذ بدء الحرب، حيث وصل سعر صرف الدولار حاليا إلى 1200 جنيه مقابل 600 جنيه في نيسان/أبريل الماضي.
كما أسفرت الحرب عن توقف نحو 70% من فروع المصارف في مناطق القتال وفقا لتقرير لبنك السودان المركزي، مشيرا إلى أنه تم نهب ممتلكات البنوك.
وقال المحلل الاقتصادي السوداني، محمد شيخون، “إن الحرب أدت إلى تفاقم مشاكل القطاع المصرفي الذي كان يعاني بالفعل من مشاكل هيكلية”. وللعام الثاني على التوالي، لا توافق ميزانية الدولة في السودان.
“يقوم الخبير الاقتصادي هيثم فتحي برؤية أن ما يجري ‘يمثل الغياب الكامل للدولة، مما يؤثر على الاقتصاد بجميع مجالاته’.
مشروع الجزيرة
ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي في يناير الماضي، ‘أدى الصراع في السودان إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وتوقف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، مما ساهم في استمرار معدلات النمو السالبة (…) بعد الانكماش الحاد الذي حدث في عام 2023’.
‘توقعت المؤسسة المالية الدولية انكماش اقتصاد السودان بنسبة 18% في عام 2023’.
ومع انتشار الحرب إلى ولاية الجزيرة في وسط السودان، التي تشمل إحدى أكبر المشاريع الزراعية في القارة الأفريقية على مساحة تزيد عن مليوني فدان، تناقصت المساحة الزراعية في البلاد حتى باتت المحاصيل المزروعة تغطي فقط 37% من إجمالي الأراضي المستعدة للزراعة، وفقًا لتقرير أعدته مركز “فكرة” السوداني للدراسات والتنمية.
‘يرى المحلل الاقتصادي السوداني محمد الناير: “تأثر الإنتاج الزراعي في البلاد بتوسع العمليات العسكرية إلى ولاية الجزيرة”‘.
وأنذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء بأن الحرب في السودان دفعت البلاد نحو ‘حافة الانهيار’، حيث يعاني معظم السكان من الجوع.
‘صرح مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان، إيدي رو، للصحفيين في بروكسل: “في هذه المرحلة، لا يستطيع أقل من 5% من السكان السودانيين تأمين وجبة كاملة في اليوم”.’