إذا كان هناك من يعتقد أن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر تعقيدًا على الساحة الدولية، فإنه يجب عليه النظر إلى منطقة القوقاز وما تحمله من صراعات عرقية وجغرافية ودينية. هذه النزاعات كانت نائمة لسنوات تحت ظل الاتحاد السوفياتي، لكن التحولات الجيوسياسية الحديثة تثير القلق من إمكانية انفجارها في آسيا الوسطى ومحيطها.
تعتبر أرمينيا الحلقة الأضعف في هذا السياق، خاصة بعد أن سحبت موسكو عنها غطاء الحماية التقليدي، كعقوبة لها على تقربها من الغرب. تركت موسكو أرمينيا في وضع صعب، وجعلتها فريسة سهلة لجارتها أذربيجان، التي تسعى القوى الإقليمية والدولية لكسب ودّها بسبب ثرواتها النفطية والمعدنية.
في أعقاب هزيمتها العسكرية أمام أذربيجان واستعادة السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ وطرد أكثر من 100 ألف من سكانها الأرمن، زادت أرمينيا من جهودها لتنويع تحالفاتها والحد من اعتمادها على روسيا. الأخيرة، بدورها، تبدو مستعدة للتضحية بأرمينيا في سعيها لضم أذربيجان إلى محور نفوذها.
محاولات الخروج من النفوذ الروسي
في آذار (مارس) الماضي، طالب مجلس الأمن الأرمني موسكو بسحب قواتها من مطار يريفان، الذي كانت تتمركز فيه منذ ثلاثين عامًا. جاء هذا الطلب عقب عدة إجراءات اتخذتها الحكومة الأرمنية، بما في ذلك المصادقة على دستور روما الذي يُلزم أرمينيا باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حال زيارته، بالإضافة إلى تجميد مشاركتها في منظمة “معاهدة الأمن الجماعي”.
تعبّر هذه الخطوات عن سعي أرمينيا للخروج من السيطرة الروسية، لكنها محفوفة بالمخاطر نظرًا لعدم توفر تحالفات بديلة في الأفق.
عندما تولى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الحكم في 2018، بعد انتفاضة شعبية ضد الفساد، حرص على تجنب إغضاب موسكو. ومع ذلك، بعد عدم تدخل روسيا في الحرب الأخيرة مع أذربيجان، شعرت الحكومة الأرمنية بالتخلي عنها.
التوجه نحو الاتحاد الأوروبي
على صعيد موازٍ، عززت أرمينيا اتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي، حيث وقعت العديد من اتفاقات التعاون، وقبلت نشر بعثة مراقبة أوروبية على حدود أذربيجان، رغم اعتراض موسكو وباكو. كما أبدت الحكومة الأرمينية نيتها تقديم طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وافق البرلمان الأوروبي الجديد على قرار يدعو لتوطيد العلاقات مع أرمينيا تمهيداً لبدء مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد.
في الجانب العسكري، أبرمت أرمينيا اتفاقيات لشراء أسلحة من فرنسا والهند، ونفذت اتفاقيات تدريب مع اليونان، بينما تراجع اعتمادها على روسيا بشكل كبير. وقد أعربت موسكو عن استيائها من هذه التغيرات، محذرة من عواقب استمرار الابتعاد عن روسيا.
يشعر مراقبون دبلوماسيون بالقلق من رد فعل موسكو، الذي قد يؤدي إلى عقوبات اقتصادية على أرمينيا أو حتى هجوم آخر من أذربيجان، وهو أمر يقلق المجتمع الأرمني بشكل مستمر.
الاستراتيجية المتهورة
يصف أوليغ إيغناتوف، أستاذ العلوم السياسية، سياسة الحكومة الأرمنية بأنها محفوفة بالمخاطر، حيث لم تُوقع أرمينيا بعد اتفاق سلام مع أذربيجان والعلاقات مع تركيا لا تزال مضطربة. يرى إيغناتوف أن الحصول على دعم عسكري من أوروبا في الظروف الحالية أمر غير مرجح، خاصةً مع استمرار الحرب في أوكرانيا. ويشير إلى أن مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي تبدو حالياً غير واقعية.
وفقاً له، إن الجهة الوحيدة التي قد تساعد أرمينيا عسكريًا في حال تعرضها لهجوم هي إيران، لكن ذلك يبدو غير مرجح في ظل التقارب الأرميني الغربي. علاوة على ذلك، جميع القوى الإقليمية الكبرى تُعارض تدخل قوى خارجية في المنطقة.
رغم ذلك، تبقى أرمينيا معتمدة على روسيا في جوانب اقتصادية أيضًا، حيث سجلت العلاقات التجارية بين البلدين أرقامًا قياسية. كما شهدت يريفان وصول العديد من الروس الهاربين من التعبئة العسكرية بسبب الحرب، ما يجعل من غير المحتمل أن تتخذ موسكو إجراءات انتقامية ضد أرمينيا، إذ إن ذلك سيسبب ضرراً بمصالحها الخاصة.
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}