أزمة إنسانية صعبة.. كيف يتأقلم سكان الفاشر غرب السودان؟
كنت أنوي استمتاع بوقت مميز مع أفراد عائلتي، إلا أنني صدمت بسقوط قذيفة قرب المنزل وانفجارها في وسط المكان، وكان لدي جهل تام حيال حجم الدمار الذي سببته هذه الحادثة المأساوية.
أحسست بالفزع والرهبة تنسل إلى كل خلية في جسدي. ركضت نحو ابني الصغير (6 سنوات) الذي كان يلهو، فوجدته مغشياً عليه والدماء تنزف من رقبته.
صادم ومذعور
في وقت كنت غير قادر على تصديق الأحداث، كان ابني يعاني من جروح خطيرة وكانت الدماء تسيل بغزارة. على الرغم من الصدمة والهلع الذي أجتاحني، حاولت الحفاظ على هدوئي. كانت هناك غياب تام لأي فرق إسعاف، ولكن بفضل مساعدة الجيران، تمكنا من نقله إلى المستشفى الوحيد الجنوبي الذي كان يعمل في تلك المدينة.
قضيت يومًا كاملا في المستشفى، في حالة قلق وترقب، وسط توافد الجرحى والموتى بشكل مستمر. تلقى ابني العلاج، لكن لم يكن بإمكانه الخضوع لعملية جراحية لاستخراج الرصاصة الطائشة من جسده بسبب نقص الأطباء.
كانت تلك اللحظات الصعبة تجعلني أدرك حقيقة الصراع المستمر في السودان، بخاصة في إقليم دارفور، حيث يتعرض الأبرياء يوميا للخطر والموت، خصوصًا الأطفال والنساء.
من خلال هذه التجربة المروعة، أدركت أن المدنيين ليسوا آمنين حتى في بيوتهم، وأن الحروب تسبب دمارًا هائلًا وتهدد حياة الأبرياء، ويجب على المجتمع الدولي العمل بجدية لإيجاد حلول سريعة لمشكلة السودان.
تعكس قصتي المأساوية هذه معاناة العديد من الأطفال الأبرياء الذين يتعرضون يوميا للإصابات والوفيات، وهم في حاجة ماسة للجهود المشتركة من أجل تحقيق السلام والاستقرار في مناطق دارفور المنكوبة، لضمان مستقبل مشرق لهم كرموز للأمل والمستقبل.
تتعرض مدينة الفاشر حاليًا لموجة عنف وتوتر نتيجة للصراعات العسكرية المتواصلة بين الجيش السوداني والقوات المسلحة الشعبية والقوات السريعة، مما أسفر عن مأساة إنسانية خطيرة في تلك المدينة.
مدينة قديمة
وتعتبر الفاشر من أقدم مدن دارفور التاريخية، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة من إجمالي عدد سكان الإقليم البالغ تسعة فاصل خمسة ملايين نسمة، وتضم خمسة مستشفيات رئيسية، منها ثلاثة في الخدمة، وتستضيف عددًا كبيرًا من النازحين الذين يقيمون في المدارس وبعض المواقع السكنية في الأحياء الجنوبية.
تزامنت المواجهات التي بدأت يومي الجمعة والأحد الماضيين، مع فترة من الهدوء نسبيًا شهدها الفاشر في السابق، حيث أصبحت ملجأ آمنًا للنازحين الذين لجؤوا إليها هربًا من تداعيات الحرب المستمرة.
لكن، استأنفت قوات الدعم السريع هجماتها العسكرية، بدءًا من حرق حوالي 15 قرية في غربي الفاشر، مما تسبب في سقوط عدد من الضحايا ونزوح آلاف الأشخاص إلى المدينة.
وبحسب شهود العيان، فقد لقي العديد من المدنيين، خاصة النساء والأطفال، حتفهم أمس الأحد نتيجة للمواجهات التي شهدتها المدينة، معظم الإصابات كانت بسبب الرصاصات الطائشة والقذائف.
ووفقًا لتصريحات إبراهيم عبد الله خاطر، مدير عام وزارة الصحة في شمال دارفور، لإحدى الإذاعات المحلية، فإن الهجمة العنيفة التي شهدها المدينة أسفرت عن وفاة 27 شخصًا وإصابة نحو 150 آخرين بجروح مختلفة.
أكد أن بين القتلى نساء وأطفال، وأشار إلى نقص الأدوية وبعض المستلزمات الطبية، وأقر بتوقف مستشفى الأطفال عن الخدمة بسبب تعرضه للتدمير بسبب سقوط قذيفة قربه.
وأوضح خاطر أن وزارته تبذل جهودًا مشتركة مع الشركاء والمتطوعين لإنقاذ المصابين وتلبية احتياجاتهم، وإيجاد بديل مؤقت لمستشفى الأطفال لضمان استمرار تقديم الخدمة.
أضرار فادحة
هادية عبد الله، والتي تعتني بإبنتها المريضة في مستشفى الأطفال بالفاشر، صرّحت للجزيرة نت بأن جميع المرضى غادروا المستشفى بعد تعرضه لقذيفة ومقتل أحد المرافقين.
وأشارت إلى صعوبة الوضع الذي يعيشونه من أجل العلاج في مرافق صحية أخرى، مؤكدة على ضرورة تدخل المجتمع والسلطات لتقديم الدعم والمساعدة للأطفال المرضى وعوائلهم.
في السياق نفسه، نقلت غرفة الطوارئ في معسكر أبوشوك للنازحين شمال الفاشر، عبر فيسبوك، عن سقوط 5 قتلى وإصابة 23 شخصا جميعهم من النازحين خلال المواجهات، داعية المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لتوفير سيارات إسعاف إضافية لنقل المصابين إلى المستشفى الجنوبي.
تعرضت منازل السكان ومرافق أخرى لأضرار جسيمة بسبب المعارك، ما أسفر عن تشتت العائلات ونزوح العديد قسريا، واضطرار البعض للهروب والبحث عن ملاذ آمن بسبب ندرة الموارد والخدمات الأساسية، مما زاد من احتياجات النازحين للمساعدة الإنسانية.
محمد آدم، ساكن الفاشر، أكد على أهمية تضافر الجهود بين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة الفورية للمتضررين وتلبية احتياجاتهم الضرورية كالغذاء والإيواء والمياه والرعاية الصحية.
دعا إلى وقف فوري للصراعات وحماية الأطفال والنساء، مع توضيح الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها السكان، من ارتفاع الأسعار وندرة المياه النقية.