لماذا تلجأ المصريات للخلع؟
القاهرة- كان من غير المقبول اجتماعيًا في بدايات الألفينيات عندما تم إقرار قانون الخلع في مصر، أن تتوجه سيدة إلى المحاكم لـ “تخلع” زوجها، لكن بعد مرور حوالي ربع قرن تغير الوضع بشكل ملحوظ وأصبحت الخلع هي الطريقة الأكثر شيوعًا للحصول على الطلاق.
ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت نسبة حالات الطلاق عبر أحكام الخلع في عام 2023 لتصل إلى 81.3% من إجمالي أحكام الطلاق النهائية.
أعداد قياسية من حالات الخلع
أفاد التقرير الإحصائي بأن عدد أحكام الخلع بلغ 8684 حالة من إجمالي 10,683 حكم نهائي للطلاق خلال العام 2023.
على مدار العام الماضي، تم تسجيل نحو 265 ألف حالة طلاق، مما يعني أن زوجين مصريين ينفصلان كل نحو دقيقتين، وكانت النسبة الأكبر من حالات الطلاق ضمن الفئة العمرية بين 25 و30 عامًا، في حين كانت أقل نسبة من حالات الطلاق في الفئة العمرية التي تتجاوز الـ 75 عامًا.
التحولات القانونية والاجتماعية
قبل عام 2000، كانت النساء الراغبات في الحصول على الطلاق بشكل منفرد يواجهن صعوبات وتحديات كبيرة، حيث كانت العملية تأخذ سنوات طويلة وقد تنتهي بعدم الحصول على الطلاق إذا لم يكن هناك سبب كافٍ في نظر القاضي.
قدّمت السينما المصرية تجسدات لهذه المعاناة من خلال أفلام مثل “أريد حلا” مع الفنانة فاتن حمامة.
ولكن كل شيء تغير في يناير 2000 عندما تم تعديل قانون الأحوال الشخصية وإدخال قانون الخلع، الذي سمح بإمكانية رفع دعوى من الزوجة تتخلى فيها عن جميع حقوقها المالية مقابل الحصول على الطلاق دون الحاجة لموافقة الزوج، مع ضمان ألا تتجاوز مدة التقاضي الأشهر القليلة.
استقبل القانون باهتمام من بعض الأوساط النسائية، لكن انتقادات تمت مواجهتها باتجاهات ذكورية، واستمر الجدال في المواد المرئية حيث تم إصدار أفلام مثل “أريد خلعا” و”محامي خلع”.
في نفس الشهر الذي تم فيه تطبيق القانون، كانت هناك أول سيدة تتقدم بطلب الخلع في مصر، وبعد فترة قصيرة حصلت على الطلاق.
منذ 2008، بدأ المركز الإحصائي في إدراج معلومات عن الخلع في تقاريره كأحد أسباب الطلاق.
خطوات وإجراءات الخلع
إجراءات الخلع في مصر تتضمن عدة خطوات تتمثل في تقديم الشكوى أمام المحكمة، ويجب أن تتضمن طلبات الزوجة تفاصيل عن أسباب طلب الخلع، وهذا ما يجعل القضية أكثر وضوحا ويساعد على تسريع مجريات العمل القانوني.
**إجراءات دعوى الخلع في مصر**
– ترفع الزوجة دعوى الخلع أمام محكمة الأسرة.
– تُحاول هيئة المحكمة التوسط بين الزوجين من خلال طرفين من أسرتيهما، وذلك ضمن فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. وإذا لم تنجح الوساطة، تُواصل الإجراءات القانونية.
– تسدد الزوجة -عبر إنذار رسمي- المهر الذي دفعه الزوج، كما تتنازل عن حقوقها المالية مثل نفقتي المتعة والعدة، مع احتفاظها بحقوق الحضانة ونفقة الأطفال.
– تصدر المحكمة حكمها بالخلع، ويُعتبر الطلاق بائنًا، مما يعني أن الزوج ليس له الحق في استرجاع الزوجة إلا بعقد ومهر جديدين إذا رغبت في العودة.
– لا يُمكن للزوج استئناف حكم الخلع، إذ يُعد حكمًا نهائيًا.
![صورة1 تقع حالة طلاق كل دقيقتين بمصر- حديقة تضم أسر مصرية- تصوير زميل مصور ومسموح باستخدام الصورة](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/10/1729424923_661_أسباب-لجوء-المصريات-إلى-الخلع.jpg)
*منذ 2008، بدأ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في إدراج الخلع ضمن تقاريره كأحد مسببات الطلاق (الجزيرة)*
**تغير النظرة إلى الخلع عبر السنوات**
في عام 2006، أظهرت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عدم تقبل المجتمع لقانون الخلع، مؤكدة أن النساء اللاتي يسعين لاستغلال هذا القانون للحصول على حريتهن يواجهن مقاومة شديدة. الثقافة السائدة كانت ترى أن المرأة ليس لها حق في اتخاذ قرار divorce.
تجدر الإشارة إلى أن المجتمع يرفض أيضًا الطلاق إذا كانت الزوجة المبادر به، حيث يعتبر الزوج أن “خلعه” هو إهانة لرجولته وقد يؤثر سلبًا على فرصه في الزواج مرة أخرى. ومع مرور السنوات، لوحظ ارتفاع ملحوظ في معدلات الخلع كبديل للطلاق، حيث أفادت التقارير الإحصائية عن ارتفاع هذه النسبة إلى نحو 80%.
في عام 2010، شكلت حالات الخلع حوالي 66% من إجمالي أحكام الطلاق، وفي عام 2018 ارتفعت إلى 83%، ثم لاحظت التقارير نسبة 87.4% في عام 2020.
**الأسباب والدوافع خلف فصل الزوجين**
تحديثت الأوضاع، إذ توضح السيدة رجاء -اسم مستعار- أنها لم تكن تفضل اللجوء للقضاء لطلب الطلاق، لكن تصرفات زوجها وتعنت قرارته دفعاها لاختيار الخلع كخيار وحيد للنجاة. عانت رجاء 6 سنوات من سوء المعاملة بما في ذلك العنف الجسدي، مما دفعها لتقديم دعوى بإجراءات خلع.
ذكرت قائلة: “استغرق الطلاق التقليدي وقتًا طويلاً، ولذا فضلت الخلع، رغم أنني تنازلت عن حقوقي الشرعية، لكني تجنبت مشقة أكبر”.
منذ طلاقها قبل 4 سنوات، تحاول رجاء الحفاظ على علاقة جيدة بين طليقها وأطفالهما، إلا أنه يتجاهل محاولاتها ويمتنع عن سداد نفقات الأطفال، مما دفعها لرفع عدة دعاوى قضائية ضد زوجها السابق.
**تنبيهات وتحذيرات من الممارسات الاجتماعية**
أكد الدكتور محمود القلعاوي، رئيس أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية، أن الإجراءات الروتينية في التقاضي تدفع النساء للجوء للخلع، حتى لو كلفهن ذلك الأثر المالي. وأشار إلى أن نسبة الطلاق أصبحت في تزايد بسبب عدم الانتماء والقدسية لحياة الزواج بين الأجيال الجديدة، فضلاً عن الظروف الاقتصادية المتردية التي تعيق بناء أسر مستقرة.
عرض المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية عدة توصيات لمواجهة ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق، منها تشكيل لجنة وطنية لمتابعة هذه المسألة.### توفير الطمأنينة الأسرية
يقترح المركز البحثي في دراسته المعنونة “تزايد معدلات الطلاق في مصر.. الأسباب وسبل المواجهة” تنفيذ مبادرة لتعميم مراكز التوجيه الأسري في جميع المحافظات. تشمل هذه المبادرة تكثيف الأنشطة التوعوية في الأماكن العامة، مثل القطارات والمؤسسات التعليمية، بهدف توعية الشباب بعواقب الانفصال، لا سيما في حال وجود أطفال.
![الانفصال في العلاقات الأسرية](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/10/1729424923_131_أسباب-لجوء-المصريات-إلى-الخلع.jpg)
*في دراسة أجريت، وصلت نسبة الطلاق في عام 2018 إلى 83%، وارتفعت إلى 87.4% في عام 2020.*
### غرائب حالات الخلع
على الرغم من أن القانون لا يُلزم المرأة التي تطلب الخلع بالإفصاح عن أسباب طلبها، إلا أن القضاة يمارسون ضغوطاً على السيدات للكشف عن تلك الأسباب، وفقاً لما تؤكده مراكز حقوقية نسوية.
تتناول الصحف المحلية في مصر العديد من القصص الغريبة المتعلقة بقضايا الخلع، والتي قد تبدو غير مستحقة لدخول ساحات المحاكم، لكنها من وجهة نظر أصحابها تكتسب أهمية كبيرة.
#### قصص من الواقع
على سبيل المثال، طلبت عارضة أزياء، بعد 4 أيام فقط من زواجها، الطلاق من زوجها المهندس بعدما اكتشفت أنه كان يخفي عنهم حقيقة أنه أصلع، حيث كان يرتدي شعراً مستعاراً طوال فترة خطوبتهما. وعندما رفض الزوج الطلاق، استمرت النزاعات بينهما، مما دفع الزوجة إلى تقديم دعوى خلع كحل أخير.
وفي موقف آخر، رفعت أستاذة جامعية دعوى خلع ضد زوجها المحامي، الذي بدأ يفتعل المشاكل بعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه، وكانت الغيرة وراء طلبها بأن تستقيل من عملها. وعندما أبدى الزوج عنفاً تجاهها، لجأت إلى法院 الأسرة، وأصدرت المحكمة حكمًا بطلاقها.
كما شهدت إحدى السيدات حالات تنمر من زوجها الذي كان يسخر من مقاس قدمها (42)، مما جعلها تشعر بالإهانة عند دخولها محلات الأحذية، حيث كانت غالبًا لا تجد ما يناسبها، مما أدى بها إلى طلب الخلع.