أسماك الزرد.. لماذا تُجدد أنسجة قلبها المتلفة ويُعجز الإنسان عن ذلك؟
تلعب الندبة الناتجة عن الإصابة القلبية دورًا كبيرًا في معدلات الإصابة والوفاة بين البشر، حيث يؤدي احتشاء عضلة القلب إلى انسداد الشريان التاجي مما يحجب تدفق الدم إلى عضلة القلب، ما يؤدي إلى وفاة الخلايا وتكوين ندبة غير قابلة للشفاء.
وفي الثدييات البالغة بما فيها البشر، تبقى هذه الندبة دائمة وتُضعف وظيفة القلب. وفيالمقابل يمتلك تنوع وفير من فصائل الأسماك والمخلوقات المائية إمكانية رائعة لإزالة أنسجة القلب المتضررة وتجديدها. وعلى الرغم من التقدم العلمي، إلا أن العوامل الدقيقة الجزيئية والخلوية والجينية التي تمكّن بعض الكائنات من تجديد أنسجة القلب التالفة تظل غير مفهومة تماما.
مقارنة بين الزرد والميداكا
وبسبب صعوبة مقارنة بين الكائنات التي تقوم بتجديد أنسجة القلب التالفة وأولئك الذين لا يستطيعون ذلك مثل الثدييات، أجرى علماء الأحياء في جامعة يوتا بالولايات المتحدة دراسة لمقارنة ردود فعل الأسماك الزرد والميداكا على إصابة قلبية متمثلة بصدمة تشبه النوبة القلبية. وقام الباحثون بمقارنة استجابة الخلايا باستخدام تقنية المقارنة الخلوية للخلية الفردية. وتم نشر الدراسة في 5 أبريل/نيسان الماضي في مجلة “أوبن بيولوجي”.
والزرد والميداكا هما نوعان من الأسماك يتشابهان في تركيب القلب وهيكليتهما العظمية، لكنهما يختلفان في قدرتهما على التجدد. الزرد يستطيع تجديد أنسجة القلب المتضررة بينما الميداكا لا يستطيع ذلك. كلا السمكتين المدروستين في البحث من نفس الفصيلة وهي الأسماك المشعاعية الزعنفية، يصل طول كل منهما إلى حوالي 1.5 بوصة ويعيشان في مياه عذبة ولديهما قلب يتكون من غرفتين.
الميداكا موطنها الأصلي في اليابان بينما الزرد موطنه الأصلي حوض نهر الغانج في الهند. الزرد هو نوع من أسماك الزينة يحظى بشعبية كبيرة بفضل خطوطه الأفقية المميزة، وفي السبعينيات من القرن الماضي، استخدمه العلماء ككائن نموذجي لدراسة تطور الحياة الجنينية للفقاريات. يفضل العلماء استخدام الزرد لأنه يمكن تربيته بأعداد كبيرة بسرعة في المختبرات، كما أنه سهل المراقبة وثبت أنه يتحمل بشكل كبير.
ووفقًا لهذه الدراسة، وجود الأسماك التي لا تتجدد يساعد على مقارنة استجابات القلب لصدمة بحيث يمكن تحديد السمات الفريدة للأنواع التي تتجدد، كما يحاول الباحثون من خلال فهم أسباب فقدان قدرة الأسماك العظمية على تجديد أنسجة القلب المتضررة، معرفة الأسباب وراء عدم قدرة الثدييات أيضًا على تجديد هذه الأنسجة.
وحتى الآن، لم يتمكن الباحثون من الإجابة على هذه الأسئلة، لكن الدراسة كشفت عن آليات جديدة تعتبر جزءًا من تجديد قلب الزرد، وحدد الفريق البحثي بعض التفسيرات المحتملة المرتبطة بالجهاز المناعي بشأن كيفية تصليح الزرد لأنسجة القلب المتضررة.
صدمة باردة لقلوب الأسماك
لتوجيه صدمة لقلوب الأسماك تشبه النوبات القلبيةفيما يخص الإنسان، قام العلماء باستخدام جهاز يُدعى المسبار البارد، وهذا الجهاز مصنوع من شريط من السلك النحاسي تم تبريده في النيتروجين السائل إلى درجة حرارية تصل إلى 170 مئوية تحت الصفر. ثم قام الباحثون بإجراء شقوق صغيرة في أبطن الأسماك لعرض قلوبها، ووضعوا المسبار لمدة 23 ثانية على حافة القلب. وبعد فترة محددة، تم استخراج القلوب للاطلاع على كيفية استجابة الأسماك بطريقة مختلفة.
نتج عن هذه العملية بقاء الأسماك في 95% من الحالات بعد التعرض للصدمة دون وفاة، وبعد ذلك تمت دراسة قلوب الأسماك بعد ثلاثة إلى 14 يومًا وتم حلها في محلول لخلية واحدة كجزء من عملية التنميط المقارن للخلايا الفردية. بعد ذلك تمت عملية تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA) لاكتشاف علامات تدل على كيفية استجابة الأسماك للإصابة.
تبين أن الأسماك الزرد تمتلك استجابة مناعية مشابهة لتلك التي تحدث عند التعرض للعدوى الفيروسية والتي تعرف باسم “استجابة الإنترفيرون”، ولكن هذه الاستجابة غائبة تمامًا في الأسماك الميداكا.
كما توثق الدراسة الاختلاف في تجنيد واستجابة الخلايا المناعية وسلوكها بين الأسماك، وكذلك الفارق في إشارات الخلايا النخبية والبطانية القلبية الداعمة لعملية التجدد، حيث تفتقر هذه الإشارات في الأسماك الميداكا. كما سجلت الدراسة التغيرات في تركيب وبنية القلب، وعلى سبيل المثال، تفتقر الأسماك الميداكا إلى نوع معين من الخلايا العضلية الموجودة في الأسماك الزرد.
كيف تقوم أسماك الزرد بتجديد أنسجة القلب المتضررة؟
تشير الدراسة إلى أن قدرة أسماك الزرد على التجدد تتعلق بجهازها المناعي، ولكن لفهم كيفية حدوث ذلك بدقة تحتاج إلى مزيد من البحث. على سبيل المثال، بعد تعرض الأسماك الزرد للصدمة القلبية الباردة، تتهاجر كميات أكبر بكثير من الخلايا البلعمية (الخلايا المناعية المتخصصة) إلى موقع الإصابة مقارنة بالأسماك الميداكا. وعلى عكس الأسماك الميداكا، تتكون في أسماك الزرد ندبة تاريخية دون تكلس أو تحول إلى أنسجة صلبة.
يقول الباحث “جيمس غانيون” في هذه الدراسة عن كيفية تجديد أسماك الزرد لأنسجة القلب المتضررة: “نعتقد أن استجابة الإنترفيرون تقوم بتوجيه الخلايا البلعمية المناعية المتخصصة إلى مكان الإصابة وتشجيع نمو الأوعية الدموية الجديدة”. في مرحلة لاحقة، تتم استبدال العضلات الجديدة الأنسجة القلبية المتضررة ويعود القلب إلى الشفاء.
يقترح غانيون أن كلما زادت المعرفة التي تحصل عليها العلماء حول كيفية تجديد بعض الحيوانات لأنسجتها وسبب فقدان هذه القدرة لدى الحيوانات الأخرى، سيكون بالإمكان إجراء دراسات مفصلة وتجارب على الثدييات، وربما في المستقبل على المرضى البشر أيضًا.