أميركا وإعادة إحياء الروح العبرية: من الأسطورة إلى الرؤية الاستعمارية المعرفية

Photo of author

By العربية الآن



أميركا وإحياء الروح العبرية.. من الأسطورة إلى الرؤية المعرفية الاستعمارية

wagon train is a convoy or train of covered horse drawn wagons as used by pioneers or settlers in north america, vintage line drawing or engraving illustration.
بعض المستوطنين الأوائل كتب عهدا على السفينة التي ذهبوا بها لأميركا الشمالية، يشبه عهد الإله “يهوه” لبني إسرائيل (شترستوك)
في القرن السادس عشر، تمكن البيوريتانيون (التطهريون) من السيطرة على البرلمان خلال الثورة التي أطلقها الضابط البريطاني ورجل الدولة أوليفر كرومويل (1599-1658). عقب فتوى الإصلاحي البروتستانتي الفرنسي، جون كالفن (1509-1564) التي أجازت الربا، قام البيوريتانيون بجلب صرافين ومقرضين يهود من هولندا إلى إنجلترا لإنشاء صناعة الصرافة ومؤسسات الإقراض.

تزامن ذلك مع مرحلة مهمة من إحياء التوراة وأسفار العهد القديم في الحياة الدينية المسيحية الأوروبية تحت تأثير “الإصلاح” البروتستانتي، الذي سعى للحصول على مرجعية مقدسة لتنافس الكنيسة الكاثوليكية. تبعت هذه المرحلة ظهور “المبشرين الإيفانجيليين” في القرنين التاسع عشر والعشرين، الذين سعوا بلا كلل إلى إدخال اليهود في المسيحية والإقرار بـ”مسيانية” يسوع الناصري، بالتزامن مع تحقيق نبوءات يؤمنون بها. قاموا بالترويج للفكرة الصهيونية واحتضان مشروع الدولة اليهودية في فلسطين، وربطوا هجرة اليهود إلى هناك بنبوءات نهاية الزمان وعودة المسيح (عليه السلام) ومعركة “هرمجدون” بين الخير والشر.

استلهم الاستيطان الأوروبي رحلته وديباجاته من نصوص التوراة، حيث استمد المهاجرون الأوروبيون، خاصة البروتستانت، رؤيتهم الكونية والأخلاقية من هذه النصوص، معتبرين أنهم يشبهون بني إسرائيل الفارين من الأسر الفرعوني إلى “أرض الميعاد” في العالم الجديد.

الإبادات الثلاث

يُذكر أن بعض المستوطنين الأوائل قد كتبوا عهداً على السفينة التي أقلتهم إلى أمريكا الشمالية، يشبه العهد الذي قدمه الإله “يهوه” لبني إسرائيل، وقد هاجروا بهدف تأسيس ما اعتبروه “إسرائيل الجديدة”. وقد انبثقت من هذه الفكرية الاستيطانية، فكرة “أميركا” كتعبير إنجليزي عن “إسرائيل الأسطورية”، مدفوعة بقوة بروتستانتية قائمة على احتلال أراضي الغير وتبديل الشعوب. وهذه الأيديولوجية قابلتها عدة مشاريع إبادة.

يُعتبر أن هذه الإبادات الثلاث، ومبدأ الاحتلال والعنف، بالإضافة إلى الركائز الرئيسية للمشروع الغربي مثل الإمبريالية والرأسمالية والعنصرية، تشكل “القيم المشتركة” بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني، مما يُستخدم لتبرير علاقة التحالف بينهما وتوجيه الدعم الأمريكي غير المشروط.

كما يُبرز منير العكش أن الفيلسوف البريطاني المعاصر، ريتشارد سوينبورن، يبرر للعنف والقتل الذي يتعرض له الفلسطينيون على يد الإسرائيليين، مما يعكس تياراً فكرياً يستند إلى رؤى تتجاوز المعايير الإنسانية.

كما أن خطاب المستوطنين البيض في أمريكا يفيض بتعبيرات مثل “أرض الميعاد” و”ميثاق الرب” و”شعب الله المختار”، مصحوباً باعتقاد أنهم ينفذون توجيهات إلهية للتوسع والاستيلاء.

وتمظهر الدين المدني الأمريكي، والذي يُعتبر دين الدولة، نتيجة لفكر البيوريتانيين الذين طردوا من إنجلترا، مما يعزز فكرة أن “يهوه” هو “المرجع الأعلى” مما يفسر عنف الدولة الأمريكية وسلطتها.

نفي التكريم الإلهي والاستخلاف

تتداخل آليات التاريخ والاجتماع والثقافة والدين والفلسفة لتشكيل رؤية عالمية تدعم المشروع الإمبريالي والاستعماري بإصرار، وهو ما أطلق عليه عبد الوهاب المسيري مصطلح “الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية” التي تنكر التكريم الإلهي للإنسان.

إن هذه المركزية الأوروبية تنعكس في مناهج المعرفة وفي تقديم رؤية إمبريالية، مما يُظهر تعرض تاريخ الشرق الأوسط للصراع من أجل الاستحواذ على هويته وتاريخه.

المركزية الأوروبية

تتميز المركزية الأوروبية بأنها رؤية متحيزة تُركز على الذات الأوروبية، وتُبرر الاستعمار من خلال ما يسمى “الحروب العادلة” والتصورات الزائفة حول “عبء الرجل الأبيض”. هذه الرؤية أسست لنموذج غربي يعزز الهيمنة والسيطرة على المعرفة وتاريخ الأمم.

الاختزال والتنميط والإمبريالية

كما تتسم الرؤية المعرفية الإمبريالية بعنصريتها واختزالها البالغ للظواهر الإنسانية، مما يسمح لها بتعزيز نمط العنف والهيمنة وإزالة التنوع والاختلاف من الساحة الثقافية. ويعكس هذا الاختزال استغلالاً مسيئًا لتاريخ القوميات والأقليات الثقافية في التاريخ الحديث.

إن الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية، كما يراها المسيري، توضح خمس قرون من السلوك الأوروبي تجاه بقية العالم، مما أسفر عن نمط من العنف والعدوانية. وهذه المنظومة الاستعمارية بحاجة للانفصال والتفكيك لتحقيق سلام حقيقي في العالم.


  • الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
المصدر : الجزيرة



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.