عاش الأمريكيون في عام 2024 أحداثاً تاريخية بارزة، بدءاً من إدانة رئيس سابق بتهم جنائية، وليس انتهاءً بترشيح امرأة سوداء من قبل حزبها، إضافة إلى محاولتين لاغتياله. يعتبر عام كامل في هذا السياق وكأنه حقبة طويلة بالنسبة لكثيرين.
شهدت الولايات المتحدة العديد من الاحداث الفارقة، أبرزها إدانة رئيس أميركي للمرة الأولى في التاريخ، وخروج رئيس حالي من سباق الرئاسة قبل الموارد منه. كذلك حصلت امرأة سوداء على الترشيح الرئاسي من حزبها، مما يمثل سابقة أيضاً. وامتدت التطورات لتصل إلى فوز ساحق لرئيس سابق في انتخابات جديدة، ما يعكس تحولاً عميقاً في مشهد السياسة الأمريكية.
ليست تلك الأحداث فقط، فقد نشرت الأخبار عن محاولات اغتيال ترامب لتجعل من عام 2024 عاماً مثيراً وتحمل الكثير من الدلالات لمستقبل الولايات المتحدة وعالمها.
يستعرض برنامج تقرير واشنطن، والذي يأتي ثمرة شراكة بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، أهم الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة، والدروس المستفادة من خسارة الحزب الديمقراطي وفوز الجمهوري، وتأثير ذلك على المناخ السياسي الداخلي والخارجي في البلاد.
عام المفاجآت
يقول حسين عبد الحسين، باحث في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، إن عودة ترامب هي أكبر مفاجأة في عام 2024. ويعتبر أن فوزه بولاية ثانية سيحدث تغيرات جذرية في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. وأوضح: “كانت المفاجأة كبيرة حيث لم يتوقع الكثيرون أن ترامب سيتمكن من التغلب على هاريس، ولكنه انتصر بفارق كبير، مما يدل على أن المزاج العام في أمريكا يختلف عن التصورات السائدة”.
ومن جهة أخرى، أضاف دوغلاس هاي، المدير السابق للتواصل في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، أن ما فاجأ الجميع هو أن ترامب “فاز في جميع الأماكن”، مشيراً إلى أن التحول كان واضحاً في الولايات المتأرجحة. ويرى هاي أن العديد من الجمهوريين يحاولون استلهام الدروس من الحملة الانتخابية لترامب هذا العام، مشيراً إلى ضرورة أن يتعلم الديمقراطيون من الأخطاء السابقة.
في هذا الإطار، انتقدت جوهانا ماسكا، المستشارة السابقة للرئيس باراك أوباما، حزبها بسبب دعمه لإعادة ترشيح بايدن، مشيرة إلى أن الحزب لم يأخذ بالاعتبار سنّه المتقدم ولم ينتبه إلى الأخطاء الفادحة التي نتجت عن تلك الخطوة. وأكدت أن العديد من الأشخاص في الكونغرس كانوا ينظرون إلى مسألة إعادة ترشيح بايدن بشكل خاطئ.
عبد الحسين يشير إلى أن من أسباب خسارة الحزب الديمقراطي هو فقدانه لهويته، وأنه اتجه للتحدث مع الأمريكيين بلغة اللوم والتوبيخ. ويعتقد أن نسبة كبيرة من الناخبين عاقبت الديمقراطيين بسبب تصرفاتهم هذه.
تعزيز الانقسامات
هاي يعتبر أن الاستفتاء لم يكن مجرد تصويت ضد هاريس، بل كان أيضاً استفتاءً ضد بايدن وإدارته. ويرى أن هاريس افتقرت إلى القدرة على تمييز نفسها عن سياسات بايدن غير الشعبية، بينما تمكن ترامب من التفاعل بشكل فعال مع الناخبين عبر قضايا تمس اهتماماتهم. وأشار إلى أن رسالة ترامب لاقت دعماً كبيراً في أوساط الناخبين، في حين لم يكن هناك جواب حقيقي لهاريس على هذا الأمر.
ماسكا تعتقد أن الحزب الديمقراطي لم يستثمر بشكل كافٍ في الجيل المقبل من القادة، متسائلة عن ضرورة تحفيز القيادة المستقبلية بنفس الطريقة التي يقوم بها الجمهوريون. وأضافت أن الأمر يتطلب تعزيز النقاشات مع الأمريكيين. وأكدت أنه يجب تكريس الجهود للتركيز على ما يجمع الأمريكيين وليس ما يفرقهم.
عبد الحسين يؤيد هذا الرأي، مشيراً إلى أن الحملة الديمقراطية كرّست الانقسام واستغرقت أربعة أعوام في ملاحقة ترامب من خلال القضايا والمحاكم، دون أن تبحث عن أرضية مشتركة.
ترشيحات جدلية
فوز الجمهوريين لم يقتصر فقط على الرئاسة، فقد شمل أيضاً مجلسي الشيوخ والنواب، مما سيسهل مهمة ترامب في تنفيذ برنامجه التشريعي. ومن المتوقع أن يكون من بين أبرز النقاط التي سيناقشها الكونغرس الجديد هو الموافقة على التعيينات الرئاسية لترامب، على الرغم من النقد الموجه لبعض المرشحين.
هاي يحذر بأن الأعضاء الجمهوريين سيضغط عليهم للتصويت لصالح مرشحي ترامب، كما حدث في عهد بايدن وأوباما وريغان وبوش. ويؤكد أن ترامب يعتبر مختلفاً عن غيره بسبب طريقة انتقامه، وأن تهديداته للكثير من النواب حقيقية.
ماسكا تعرب عن شكوكها تجاه استمرار التوافق بين الجمهوريين، مشيرة إلى أن الصداقة قد تتغير عندما تُطرح التحديات الكبرى. وتشير إلى أن الضغط الذي قد ينشأ يمكن أن يؤدي إلى تباين آراء داخل الحزب.
عبد الحسين يعتقد أن بدلاً من أن يستمر الجمهوريون في نشوة الانتصار، فإن شعبية ترامب قد تتراجع حال بدأ حكمه فعلياً وأصبح مسؤولاً عن القضايا التي تواجه البلاد.
نهاية الحروب؟
ترمب في 2024: وعوده وتوقعات مستقبلية
وعود ترمب بإنهاء الحروب
إن إنهاء الحروب حول العالم من أبرز الوعود التي قدمها ترمب عند دخوله البيت الأبيض. حيث يقول عبد الحسين: «لقد وعد بما هو أكثر من قدرة أي رئيس على الوفاء به. من غير الممكن إنهاء الحروب بمجرد دخول المكتب البيضاوي، سواء كانت الحرب في أوكرانيا أو غيرها». ويضيف عبد الحسين: «رغم أن فلسفة ترمب في السياسة الخارجية جيدة، إلا أنني لا أعتقد أن الأمور ستُحل بسحرية كما وعد».
الأمريكيون يفضلون التركيز على الداخل
من جهة أخرى، تعتقد ماسكا أن وعود ترمب كانت جزءاً من أسباب إعادة انتخابه، مشيرة إلى رغبة الأمريكيين في حكومة تقوم بوظيفتها وتعمل على خفض الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى توفير وظائف أفضل، بعيداً عن الحروب. وتستشهد ماسكا بفوز أوباما كدليل على ذلك، إذ كان ضد الحرب في العراق، قائلة: «يرغب الأمريكيون في أن تركز أميركا على نفسها».