أمينة مؤسسة الثقافة الإسلامية في إسبانيا: “مجريط” هي عاصمة أوروبية أسسها المسلمون
تجسد قصة الأندلس حكاية غير مكتملة تربط ضفتين مختلفتين، حيث تظل تاريخ الحضارة الإسلامية حاضرة في العمارة والثقافة الإسبانية. وعلى الضفة العربية، تُروى الحكايات والأشعار الكبيرة التي تجسد المجد التاريخي. وتطرح التساؤلات حول تأثير هذه الحضارة وتأصلها في الذاكرة المجتمعية.
تتناقض الروايات التاريخية، في سعي مجموعة من المثقفين الإسبان لاستكشاف الأبعاد المغمورة من تاريخ بلادهم، والتأكيد على أن “مجريط” تغتني بكونها المدينة الأوروبية الوحيدة التي أسسها المسلمون، وهو ما ذكرته ضيفتنا في الحوار الذي أجريناه في الدوحة وزرناها في مدريد.
تترأس الأكاديمية الإسبانية إنكارنا غوتيريز مؤسسة الثقافة الإسلامية التي تأسست عام 1982، بمبادرة من الخبير شريف عبد الرحمن جاه وبدعم من العالم خوليو كارو باروخا. تسعى المؤسسة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات، وتهدف لتوفير منصة تعزز معرفة الحضارة الإسلامية وأثرها على الروابط الثقافية والتاريخية مع أوروبا.
تعمل المؤسسة على توطيد الفهم المتبادل بين الثقافات، واستعادة الرموز الثقافية للأندلس، مما يعكس أهمية هذا الإرث الغني في تعزيز التسامح والتفاعل الإيجابي. وفي هذا السياق، أجريت هذه المقابلة مع غوتيريز لتسليط الضوء على جهود المؤسسة ودورها في إحياء التراث الثقافي للبلاد.
إعادة إحياء أصداء الأندلس: دور مؤسسة الثقافة الإسلامية في مدريد
-
كيف يمكن أن تقدموا لنا نبذة عن مؤسسة الثقافة الإسلامية في مدريد وما هو الدور الذي تلعبونه في تعزيز الوعي بالتراث الثقافي للأندلس في المجتمع الإسباني؟
مؤسستنا هي منظمة غير سياسية وغير دينية تأسست منذ 40 عاما بجهود مجموعة من الباحثين الإسبان البارزين، وتحت إدارة شريف عبد الرحمن جاه، كما يتميز بفهم عميق لجذور الثقافات والتراث. جاءت فكرة المؤسسة في فترة انتقال سياسي في إسبانيا بعد حقبة فرانكو، بهدف استعادة وعي الناس بتاريخ الأندلس الغني.
للأسف، تكاد المعلومات المتعلقة بفترة الأندلس تقتصر على مختصرات في المناهج الدراسية، مما جعلنا نشعر بالحاجة إلى توسيع دائرة المعرفة وإتاحتها للجميع. ولذلك، نقوم بزيارة الجامعات وندرس كيفية نشر الوعي المعرفي للثقافة الأندلسية لتصل إلى جمهور أوسع.
تمثل المؤسسة جسر للتواصل بين الثقافات المختلفة، من خلال تمكين الأفراد من التعرف على أنفسهم وإرثهم الثقافي.
### أهمية التراث الإسلامي في التعليم الإسباني
تُعد نظرتنا إلى أنفسنا من خلال مرآة التاريخ جزءًا لا يتجزأ من هويتنا الثقافية، وهو ما يشكل أساس تنظيمنا ومؤسساتنا. يُطرح الآن تساؤل مهم حول تقييم تمثيل مسلمي الأندلس في النظام التعليمي الرسمي الإسباني ومناهج المدارس والجامعات.
### التهميش التاريخي لمسلمي الأندلس
للأسف، لم يتم إعطاء مسلمي الأندلس الأهمية التي يستحقونها، وعلى الرغم من ذلك، يجب علينا أن نفهم أن إسبانيا كدولة وشعب تعرضت لتكوين تاريخي يتسم بالصراع ضد الحكم الإسلامي. حيث نشأت العديد من الأقاليم التي بدأ أهلها في قتال السلطة الإسلامية، في حين اجتمعوا لاحقاً لتشكيل ما يشبه الحملة الصليبية، مما أدى إلى محو العديد من جوانب التراث الإسلامي.
في المجال التعليمي، كانت دراسة هذا التراث محدودة جداً، فقبل عدة سنوات، كانت المعلومات المقدمة لنا لا تتجاوز صفحات قليلة تلخص ثمانمائة عام من التاريخ، وبشكل عام كانت طريقة التعليم تعاني من الضعف وقلة العمق، مما يشير إلى ضعف الوعي بهذه الحقبة التاريخية.
### انفصام الهوية الإسبانية
تُعتبر الأندلس آخر مركز للحضارة الإسلامية، وهي تشكل رمزًا هامًا في الدول العربية والإسلامية وكذلك في إسبانيا. ومع ذلك، فقد واجه الإسبانيون حالة من الانفصام الفكري؛ فهم يشعرون بالفخر تجاه الآثار الإسلامية التي لا تزال قائمة، مثل الحمراء، وغرناطة، وألميريا، وإشبيلية، حيث تساهم هذه المعالم في تعزيز السياحة. ومع ذلك، تجنبوا الانفتاح على ماضيهم الإسلامي، مما جعلهم يتأخرون عن ركاب أوروبا بسبب هذا الإرث.
أما في الدول العربية والإسلامية، فهناك استعمال أسطوري للأندلس دون فهم واستيعاب دقيق لما كان يحدث فيها، فكانت تُعد مجتمعاً علمياً ومنفتحاً، مما يجعل تساؤلات عديدة تبرز حول كيفية إعادة التواصل مع هذا التراث.
### جهود مؤسسة الثقافة الإسلامية
قامت مؤسستنا بعدة مبادرات بهدف تعزيز الوعي بتاريخ التراث الإسلامي في إسبانيا، خاصةً في مدن مثل مدريد وطليطلة. في البداية، يتطلب الأمر إدراك أن التراث الإسلامي يتجاوز المعالم المعروفة، فهو موجود في جميع أنحاء إسبانيا، بما في ذلك اللغة والريف.
نحن بصدد تنفيذ عدة مشاريع تهدف إلى التوعية وتعزيز التواصل مع هذا التراث، وقد أنشأنا مركز الدراسات الإسلامية في مدريد، الذي يسعى لرفع مستوى المعرفة بتاريخ المدينة الإسلامي.
### المشاريع الثقافية
قمنا بتطوير قاعدة بيانات تساعد الباحثين في دراساتهم حول تاريخ مدريد، بالإضافة إلى تنظيم زيارات إرشادية للتعرف على الآثار الإسلامية، التي تمتد حتى خمسة قرون من الزمان. لدينا أيضاً موقع إلكتروني يتضمن “خريطة مدريد الإسلامية” باللغتين الإنجليزية والعربية.
ليس فقط لمدريد، بل نعمل على توثيق أحداث تاريخية في مدينة طليطلة، التي تُعتبر بداية الحضارة الأندلسية. مشروعنا الجديد المسمى “الأندلس” يهدف لجمع المعلومات عن الأصول الإسلامية في كتالوج شامل.
### العمل البيئي
على مدار السنوات، تحولت مؤسستنا إلى منظمة غير ربحية تهدف لتحقيق التنمية المستدامة، حيث نرى أهمية دمج الأبعاد البيئية في سياحة التراث. وقد أطلقنا مبادرات للتوعية بأهمية الحفاظ على البيئة، ونعمل على بناء شبكات من الحدائق النباتية في دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
### التعاون مع الشرق الأوسط
نحن نعمل على إقامة شراكات مع دول الشرق الأوسط بهدف تعزيز الوعي بالقضايا البيئية. تعاوننا مع مؤسسات في فلسطين وقطر لإنشاء مساحات خضراء تعكس اهتمامنا بالحوامل النباتية والتنوع البيولوجي.
### مراجعة المناهج التعليمية
لا تزال هناك حاجة ملحة لمراجعة المناهج الدراسية في إسبانيا من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الخلفية التاريخية الإسلامية، مما سيساعد على بناء فهم أكثر شمولية لهذا الإرث الثقافي الغني.
تعتبر إسبانيا دولة كاثوليكية نشأت في مواجهة الحكم الإسلامي، ما يضفي عليها خلفية تاريخية ثقيلة. ونتيجة لذلك، يتوجب علينا أن نعكس هذه الخلفية ونوضحها من خلال العملية التعليمية، وكذلك استعراض كيفية تطور التعليم في هذه الفترة ومراجعة المفاهيم المرتبطة بها، وهو ما نعمل عليه منذ البداية.
الجدل حول التراث التاريخي في إسبانيا
هناك نقاش واسع بشأن التراث التاريخي والذاكرة الجماعية في إسبانيا، خاصة بعد الحرب الأهلية وحقبة حكم فرانكو. وتطرح الإشكالية حول كيفية ارتباط الإسلاموفوبيا بمراجعة هذه الذاكرة التاريخية. نحن الأوروبيين ليس لدينا عزلة، بل نحن محاطون بقضايا إسلامية ممنوعة في العديد من الدول الأوروبية. حيث يعتبر الكثير من الأوروبيين المسلمين كأعداء، وبالتالي لن يتنازل أي منهم عن الحق للمسلمين أو الرموز الإسلامية، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
تعد مؤسسة الثقافة الإسلامية مشكلة في أوروبا، لكن تبين أن هذه المشكلة ليست مقتصرة عليها فقط، بل هي موجودة أيضًا في الدول العربية. فعندما يذكر أي شيء يتعلق بالإسلام، تتساءل دول عن الجهة التي تقف وراءه وما الذي يحدث.
لقد قدمنا عملنا في دول عربية ولكن تم منعنا من مساعدات أي منظمة إسلامية. فرغم كوننا مؤسسة خاصة مسجلة لدى وزارة الثقافة في إسبانيا ومعروفة بنشاطاتها الثقافية، إلا أن القلق ساد حول هذه القضية.
مكافحة الإسلاموفوبيا من خلال المعرفة
نعتقد أنه لا يمكن مكافحة الإسلاموفوبيا إلا عن طريق نشر المعرفة والمعلومات. هناك حركات سياسية من اليمين والأقصى تستخدم هذا المصطلح لأغراض سياسية. يبدو أنهم لا يؤمنون بما يقولونه، بل يستغلونه لمصالحهم، وهذا مشابه للحالة الحالية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
للحد من الإسلاموفوبيا، يتعين علينا معرفة كيفية التواصل، والتعبير، وشرح التاريخ. من خلال مشروع أطلقنا عليه “عكس/قلب الإسلاموفوبيا”، نسعى إلى تقديم حجة مضادة وبدائل تفكير مختلفة.
نهدف من خلال مشروع “عكس/قلب الإسلاموفوبيا” إلى تقديم أنشطة وفعاليات تعليمية في المدارس والجامعات، حيث نعرض الحجة بشكل مغاير لنظهر حقائق أخرى للناس.
إحياء الذاكرة التاريخية في مدريد
تعتبر البناية التي تعرف بالسور الإسلامي أو السور العربي في مدريد من أقدم النُصُب التذكارية. نتيجة للتاريخ المعقد، فقد دمرت الكثير من المعالم الإسلامية على يد الملك فيليب الثاني بسبب رغبته في بناء عاصمة للمملكة. ولقد استسلم الإسبان لحربه ضد المسلمين، ولكنهم في الوقت نفسه قرروا حماية المسلمين الموجودين في المدينة.
قبل خمس سنوات، أطلقنا مشروعًا لتطوير معالم مدريد الإسلامية، حيث نظمنا جولات سياحية وندوات متعددة لإبراز تلك العناصر المعمارية الإسلامية التي أُهملت في السابق.