أين استلم مشروع تصنيع الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال؟
وبموجب إعلان من شركة بتروسن في السنغال، يشير وصول المِنصة العائمة إلى أن تقدمًا تجاوز 92% في العمل، وبقي نصيب لتركيب المِنصة وربطها بواحدات الحفر البحرية لبدء عملية التصنيع.
وكان وزيرا الطاقة في موريتانيا والسنغال أكدا -خلال اجتماع لهما في يناير/كانون الثاني الماضي- عن نيتهما بإبتداء تصنيع الغاز المشترك بينهما في الربع الثالث من السنة 2024.
ذاك أي قريبًا ويبدأ الغاز تَدَفَق من مياه الساحل المُوريتاني السنغالي نحو العالم الجاعل للغاز بسبب القتال الروسي الأوكراني، وعلى النقيض يبدأ تدفق الملايين من الدولارات إلى خزينتي البلدين، وهذا سيمكنهما من تحقيق نمو اقتصادي
كبير، بما يوافق توقعات صندوق النقد العالمي.
رحلة العائمة الممتدة
شابت رحلة المنصة العائمة الضخمة لإنتاج الغاز، كما الأمال الطويلة المتعلقة بها.
بدأ بناء هذه المنصة العائمة في الصين عام 2019، امتدت المدة بسبب جائحة كوفيد-19، ولم تكتمل إلا في يناير/كانون الثاني 2023. رحلت المنصة العملاقة من حينها متخبطة نحو سنغافورة، وبعد ذلك استأنفت الرحلة وتوقفت جزئيا في موريشيوس قبل أن تبلغ ميناء “تيناريف” الاسباني، حيث خضعت لفحوصات لضمان سلامة عمليات إنتاج الغاز. ثم استكملت رحلتها نحو وجهتها النهائية في عمق المياه الموريتانية السنغالية، حيث وقفت في موقعها الذي يبعد 40 كيلومترا من الساحل.
وأوضح بيان صادر عن شركة بيتريش بيتروليوم (بي بي) المشغلة لحقل الغاز “السلحفاة آحميم” الضخم أنه سيتم ربط المنصة بمعدات تحت الماء مختلفة، لبدء تشغيلها الفعلي حيث سيتم البدء في عملية المعالجة الأولى للغاز لفصله عن المكونات الأخرى مثل المياه والرواسب.
وسيتم تمرير الغاز خلال هذه المرحلة عبر وحدات تثبيت وتبريد مختلفة لإنتاج منتج يلبي المعايير اللازمة للتصدير إلى محطة التسييل المركزية التي تقع على بعد 10 كيلومترات من الساحل.
وتشكل محطة التسييل سفينة كبيرة كانت في الأصل مخصصة لنقل الغاز ولكن تم تحويلها إلى محطة تسييل بعد تركيب المعدات اللازمة. كما تم تجهيزها في سنغافورة وابحرت منها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لتصل إلى وجهتها بالقرب من الساحل الموريتاني السنغالي في فبراير/شباط من العام الماضي.
وأعلنت شركة “بي بي” في بيان لها عن تثبيت المحطة في موقعها، وأنها تضم 4 وحدات لتسييل الغاز الطبيعي بسعة 2.5 مليون طن سنويًا، وأن قدرتها التخزينية تبلغ 125 ألف متر مكعب، وأنه يمكنها تبريد الغاز إلى درجة حرارة تصل إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر لغرض التسييل.
ووفقًا للتقارير الصادرة عن شركة “بي بي” في أبريل/نيسان الماضي، تم بناء 75 كيلومترًا من الأنابيب المخصصة لنقل الغاز من الآبار إلى محطة التسييل، التي تحتوي على خزانات كبيرة لتخزين الغاز بعد تصنيعه في انتظار شحنه عبر السفن المخصصة لهذا الغرض إلى الأسواق العالمية. وقد تم في الماضي شراء جميع الكميات المنتجة خلال المرحلة الأولى.
حقل السلحفاة الضخم
يقع حقل “السلحفاة آحميم” الضخم على بعد 115 كيلومترًا من السواحل الموريتانية السنغالية وعلى عمق يبلغ 2850 مترا كأعمق منشأة بحرية أفريقية، وهو واحد من أكبر حقول الغاز على المستوى القاري، وتم الإعلان عن اكتشافه في أبريل/نيسان 2015، حيث تقدر احتياطاته بـ 25 تريليون قدم مكعب.
وتشترك:
- شركة بريتيش بتروليوم (بي بي) البريطانية بنسبة 56%.
- شركة كوزموس الأميركية بنسبة 27%.
- وتمتلك السنغال حصة 10%، بينما تمتلك موريتانيا حصة 7%.
وبناءً على بيانات وزارة البترول والطاقة في الدولتين وشركة “بي بي”، من المتوقع أن يوفر حقل السلحفاة الغاز:
- 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا عند بدء الإنتاج في المرحلة الأولى.
- ومن المتوقع زيادة الإنتاج إلى 6 ملايين طن بين عامي 2027 و 2028.
- قبل أن يبلغ الإنتاج 10 ملايين طن بحلول عام 2030.
غير أن مصدرا موثوقاً أكد لـ الجزيرة نت أن شركة “بي بي” أبلغت المسؤولين الموريتانيين والسنغاليين أنه قد يكون هناك احتمال لعدم تجاوز الإنتاج في المرحلة الثانية 5 ملايين طن لعدم ربط البحيرة في الحقل بشكل كامل، مما يتطلب المزيد من الحفر والتكاليف.
3 تأجيلات لبداية إنتاج الغاز من حقل السلحفاة
كان من المقرر وفقًا لاتفاقيات الاستغلال أن تبدأ عمليات إنتاج الغاز الطبيعي المسال من حقل السلحفاة في بداية عام 2022، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب جائحة كورونا إلى عام 2023، ثم تم تأجيله مرة أخرى إلى الربع الأول من عام 2024، ولكن تأخر وصول المنصة العائمة كان كافيًا للإعلان عن تأجيل ثالث حتى الربع الثالث من العام الحالي.
وتبدو كافة هذه التأجيلات وكأنها متوقعة لدى المراقبينبالنسبة للمسائل ذات العلاقة بمشاريع الطاقة الضخمة، قام الخبير الموريتاني في مجال الغاز، محمد عبد الله -في حديثه لشبكة الجزيرة- بتوضيح أن كلما زادت حجم المشروع زادت احتمالات تأجيله وزيادة التكاليف، مشيرًا إلى أن مشروع حقل الغاز “السلحفاة آحميم” كبير للغاية، ولذلك لا يُعد مفاجئًا تأجيله أكثر من مرة.
الخبير أكد أن المشروع تأخر فعليًا لمدة حوالي 3 سنوات، ولكن اكتمال وتجهيز محطات التشغيل وبناء وربط شبكات الأنابيب يدل على اقتراب بدء الإنتاج، وكما يقول المثل: الوقت المتأخر خير من عدم الحضور على الإطلاق، بحسب تعبيره.
هل يحدث الاقلاع؟
تنتظر ميزانيات موريتانيا والسنغال عوائد ضخمة فور بدء تدفق الغاز من حقل السلحفاة الكبير نحو باقي أنحاء العالم، حيث عزت مجلة “جون آفريك” الفرنسية متخصصة في الشأن الأفريقي – في عدد أبريل/نيسان الماضي – توقعات الصندوق الدولي للنقد بأن الخزينة الموريتانية ستحصل على 14 مليار دولار صافية على مدى 30 عامًا. أما السنغال، فنقلت الصحيفة نفسها عن تيرنو سيدو، الرئيس التنفيذي لشركة البترول السنغالية “بيتروسين”، قوله إنه يقدر الإيرادات المجمعة لحقل السلحفاة وحقل آخر بأكثر من مليار يورو (1.09 مليار دولار) سنويًا على مدى 30 عامًا.
رئيس نادي المستثمرين السنغاليين، بيير جوديابي، أشار إلى أن النفط والغاز سيساهمان في إنهاء الفقر في السنغال خلال 10 سنوات، مؤكدًا أنه يمكن استخدام الغاز لتوليد الطاقة المطلوبة للصناعات المختلفة التي تؤمن الثروات وتخلق فرص عمل، مما يسهم في تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز التنمية الشاملة.
التدقيق أو إعادة التفاوض
حسب مصدر موثوق، زعمت شركة “بي بي” أن آثار جائحة كوفيد والصراع الروسي الأوكراني وتأثيرهما على الأسواق العالمية وسلاسل التوريد أدت إلى زيادة تكاليف إنتاج حقل السلحفاة من حوالي 4 مليارات دولار إلى نحو 7 مليارات دولار.
ونظرًا لأن التكاليف ستُقتطع من الإيرادات تلقائيًا، فإن الزيادة في هذه التكاليف ستُقلص من عوائد البلدين، ولهذا السبب اتخذوا قرارًا بالبدء في عملية تدقيق للتأكد من صحة ما تم إنفاقه بالضبط من قبل شركة “بي بي”، حسبما أعلن الوزيران الموريتاني والسنغالي للنفط والطاقة خلال اجتماع في دكار في 20 يناير الماضي.
كما أكد مصدر مطلع من الطاقة الموريتانية على أن تم تكليف جهة مستقلة بإجراء تدقيق في التكاليف وفحصها بدقة. وأشار إلى أن بلاده لا ترغب في اتخاذ أي إجراء قد يؤثر على استمرارية المشروع.
في السنغال، وعد الرئيس المنتخب بشيرو ديوماي في مارس الماضي بإعادة التفاوض على عقود الغاز مع الشركات الأجنبية، إلا أن المراقبين يرون أن خطابات الحملات الانتخابية
تضارب القرارات وتأثيرها
لا تتوافق دائمًا القرارات مع الواقع العملي.
ذكرت جون أفريك، الفرنسية، وفقًا لمصدر سنغالي موثوق، أن عملية إعادة التفاوض لن تحقق الفائدة المرجوة. فضلاً عن تلويث العلاقة بين الطرفين، لا يمكن للرئيس فرض أي توجيهات على الشركات المشغلة للحقل. وفي حالة اللجوء إلى التحكيم الدولي، ستظل الشركات أكثر خبرة وصوتاً وتأثيراً من حكومتي السنغال وموريتانيا.
يستبعد المراقبون عملية إعادة التفاوض لأسباب مُذكورة مسبقًا ولعدم اندفاع موريتانيا نحوها. ومن المتوقع أن يقتصر الأمر على عملية التدقيق المزمع ظهور نتائجها في يونيو/حزيران المقبل.
حقول فقار ونفط أخرى في موريتانيا والسنغال
- يشجع التفاؤل في البلدين حقيقة أن احتياطات الفقار والنفط ليست محصورة في حقل السلحفاة الأعظم. فموريتانيا تعتمد بشكل كبير على حقل “بير الله” الذي يضاعف حجم السلحفاة بثلاث مرات، حيث تقدر احتياطاته بحوالي 80 تريليون قدم مكعب.
يقع حقل “بير الله” على بُعد 60 كيلومترا من حقل “آحميم”، ومن المتوقع أن يُسهم في تحويل موريتانيا إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الفقار العالمية.
وقد وقعت موريتانيا اتفاقية استغلال لهذا الحقل مع شركة “بي بي” البريطانية، انتهت دون تجديد بسبب عدم موافقة الحكومة الموريتانية على شروطها الجديدة.
نُشرت مجلة “أفريكا إنرجي” خبراً في 13 مايو/أيار الجاري عن اهتمام شركة “كوزموس” الأميركية بالاستثمار في هذا الحقل، لكن لم يُعلن أي اتفاق رسمي حتى الآن.
- ويوجد أيضًا حقل غاز آخر في موريتانيا يُدعى “باندا”، في أعماق المحيط الأطلسي على بُعد 60 كيلومترًا من العاصمة نواكشوط، وتُقدر احتياطياته بنحو 1.2 تريليون قدم مكعب، وقد وقعت موريتانيا عقد استكشاف وإنتاج الغاز في هذا الحقل مع شركة “غو غاز هولدينغ” الإماراتية المصرية في أبريل/نيسان الماضي.
- وفي السنغال، يوجد حقل متميز للنفط والغاز يُعرف باسم سانغومار، على بُعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة داكار، وتتولى شركة “وودسايد” الأسترالية استغلاله وتمتلك نسبة 82% منه، في حين تحتفظ الحكومة بالنسبة المتبقية.
تُقدر الطاقة الإنتاجية لهذا الحقل بحوالي 100 ألف برميل من النفط يومياً وما بين 60 إلى 90 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً. ومن المتوقع بدء الإنتاج فيه خلال منتصف العام الحالي.
تطلعات، ولكن..
يُربط المحللون الاقتصاديون استفادة البلدين من تلك الثروة الضخمة المنتظرة بجودة الإدارة وفعالية السياسات العامة المتبعة.
عدم استفادة البلدين من ثروات سابقة أثار قلقًا لدى العديد فيهم، حيث راهن الموريتانيون، على سبيل المثال، على اكتشافات نفطية أُعلنت عنها عام 2000 وأخذت شركة “وودسايد” الأسترالية بتنقيذها قبل أن تتبدد تلك الآمال.
وفي عام 2008، تم الإعلان عن اكتشافات هائلة من الذهب، ومع ذلك، اتهمت حكومات سابقة بالفساد مما أتاح لشركة كندية الاستفادة من تلك الثروة الذهبية بنسبة 3% فقط للحكومة الموريتانية.
كما تعتبر الاتفاقيات الظالمة في مجال الثروة الحيوانية الغنية على السواحل الموريتانية قضية تتساهل في استغلالها من قبل الصينيين والأوروبيين والأتراك، وقد ترتب ذلك على تضييق أوضاع الموريتانيين عموماً.