إدارة بايدن.. “البطة العرجاء” التي تشعل المنطقة
تهدف العمليات الإسرائيلية الثلاث إلى تحقيق ثلاثة أمور:
- محاولة استعادة جزء من هيبتها وصورتها التي سقطت يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين فشلت أجهزتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية في التنبؤ بهجوم الفصائل الفلسطينية، خاصةً حركة حماس، وفي التصدي له، مما شكل فشلًا أمنيًا وعسكريًا غير مسبوق في تاريخ الكيان.
- محاولة إعادة بناء معادلة الردع الإقليمية مع الخصوم، خاصة إيران وحلفاءَها في المنطقة العربية، وأهمهم حزب الله في لبنان، والتي تغيرت بشكل كبير لغير صالح الكيان منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
- سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحقيق صورة إنجاز يهرب بها من فشله الذريع في حربه على قطاع غزة.
في هذه العمليات الثلاث، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حاضرة وبقوة ليس فقط من خلال علمها ومعرفتها بهذه العمليات مسبقًا، بل أيضًا من خلال الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجيستي. فلا يُتخيل أن تُقدم إسرائيل أو يتجرأ نتنياهو على القيام بهذه العمليات دون وجود موافقة أميركية مسبقة عليها، وذلك ليس فقط بهدف التنسيق، وإنما أيضًا لحماية ظهرها في حال حدوث أي ردود أفعال على ما قامت به، وتحسبًا لأي عواقب قد تنجم عن القيام بهذه العمليات.
ولكن السؤال المهم هو: لماذا تبدو واشنطن مستسلمة لمنطق نتنياهو الذي يسعى، على ما يبدو، لتوسيع دائرة الصراع في المنطقة بما قد يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية واسعة قد تدفع الولايات المتحدة فاتورتها، وتؤثر سلبًا على مصالحها في المنطقة؟ عدة عوامل تقف خلف هذا الموقف الأميركي:
- تتفق الإدارة الأميركية الحالية مع إسرائيل في السعي لاستعادة معادلة الردع التي سقطت قبل عشرة شهور، والتي أثّرت سلبًا على صورة أميركا باعتبارها الحليف والداعم الأساسي للكيان الصهيونيّ، وبالتالي هناك مصلحة مشتركة مع تل أبيب في هذا الصدد.
- تحاول واشنطن معاقبة إيران وحلفائها في المنطقة؛ انتقامًا منهم لإفشالهم مخطط التطبيع الذي كان يسير على قدم وساق قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان يعوّل عليه الرئيس بايدن باعتباره أحد إنجازاته في السياسة الخارجية، خاصة في ظل فشله في كافة الملفات الأخرى، مثل: ملف الحرب الروسية على أوكرانيا، وملف العلاقة مع الصين، وكذلك ليصبح جزءًا من إرثه بعد اعتزاله العمل السياسي.
- رغبة الإدارة في تدشين نظام إقليمي جديد يسعى لدمج إسرائيل في المنطقة عبر تحالف مع بعض الدول العربية في مواجهة إيران، بحيث تلعب تل أبيب فيه دور رأس الحربة، في ظل سعي واشنطن لإعادة التموضع في المنطقة من أجل التركيز على ملفَي الصين وروسيا.
- تعد الإدارة الحالية من أضعف الإدارات الأميركية التي مرت على العلاقة مع تل أبيب خلال آخر ثلاثة عقود، إلى الدرجة التي جعلت نتنياهو يبتزّها بشكل غير مسبوق للحصول على الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي. والأكثر أهمية أن الحرب تأتي في موسم انتخابي ساخن، وفي ظل أجواء استقطابية وانقسامية غير مسبوقة في الساحة الداخلية الأميركية، وهو ما يستغله نتنياهو بشكل ذكي، ليس فقط لإبقاء الحرب في غزة، بل لتوسعتها خارجيًا أيضًا.
- لا يمتلك الرئيس أو الكونغرس الأميركي رفاهية الضغط على إسرائيل حاليًا، خاصة قبل شهور قليلة من انتخابات حاسمة سواء على مستوى الرئاسة أو الكونغرس، حيث يسمّى فيها الرئيس بالبطة العرجاء، أي أنّ كليهما لا يستطيع الإقدام على اتخاذ قرارات مصيرية بشأن العلاقة مع الكيان في هذا الوقت الحساس.
في ضوء هذه الاعتبارات، يصبح منطقيًا أن تتورط الإدارة الأميركية في الحرب الحالية وتطوراتها. ولكنها أيضًا نفس الحسابات التي من شأنها تهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها على المديين: المتوسط والبعيد.
فمن جهة أولى، فإن اتساع نطاق الحرب وخروجها عن السيطرة يعنيان تورطًا أميركيًا أكبر في المنطقة، في الوقت الذي تحاول فيه الالتفات إلى صراعات أخرى أكثر خطورة وأهمية كالصراع مع روسيا والصين.
ومن جهة ثانية، ثمة احتمالات أن يتحول دور أميركا من مجرد الدفاع عن إسرائيل إلى التورط في حرب هجومية ضد إيران وحلفائها، وهو ما قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة فعليًا وارتفاع احتمالات سقوط خسائر في الأرواح، وبالتالي ارتفاع التكلفة السياسية داخليًا في أميركا.
ومن جهة ثالثة، فإن انصياع الإدارة الأميركية لمنطق نتنياهو يضعف صورة أميركا أمام حلفائها الآخرين ويظهرها دولة ضعيفة لا تستطيع فرض رؤيتها على هؤلاء الحلفاء في ظل تمنع ورفض نتنياهو للمطالبات المختلفة بضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.
بكلمات أخرى، فإن واشنطن التي تبدو تابعة ومستسلمة بشكل كبير لمغامرات نتنياهو، تتحمل جزءًا أساسيًا من اشتعال المنطقة وتدحرج كرة اللهب إقليميًا، بشكل يجعلها تدفع ثمن ذلك إن آجلًا أو عاجلًا.
رابط المصدر