إشعار إلهي.. فمن يُنصت ومن يَسمع؟

Photo of author

By العربية الآن



إشعار إلهي.. فمن يُنصت ومن يَسمع؟

بالاقتراب من عيد الفطر السعيد في تركيا، ومع فرحة إفطار الصائمين يزداد الحركة في الأسواق ككل عام، بحثًا عن أيام العيد وشراء حاجياتهم التقليدية، ومنها الحلويات. تعج أسواق منطقة أمينونو الشهيرة في إسطنبول بالزوار والمتسوقين الذين يسعون لشراء حاجياتهم الضرورية قبل بدء العطلة. رصد حيوي للحركة في السوق المصري بمنطقة أمينونو، وهو سوق معروف بتوافر جميع احتياجات الأسرة. ( Hakan Akgün - وكالة الأناضول )
يرفع مؤذِّن الأذان ويُقيم الصلاة، دون أن ينحرف الناس عن تجارتهم ومشترياتهم بغية الصلاة (وكالة الأناضول)

يقول الله تعالى: (يا أيها المؤمنون لا تدعوا أموالكم وأولادكم يحجبونكم عن ذكر الله، ومن يفعل هذا فإنهم هم الخاسرون) (سورة المنافقون: 9). الانتباه هنا للمؤمنين محدد، تبدأ الآية بنداء للمؤمنين، وتنتهي بشكل قصير ومباشر بتحويل هؤلاء المخاطبين إلى خاسرين، إن اشتغالهم بأموالهم وأولادهم عن ذكر الله قد أدى بهم إلى الخسارة.

خلق الله الإنسان في هذا الكون برسالة عظيمة وأمانة عظيمة أيضا (إنا عرضنا الأمانة على الكواكب والأرض والجبال فأبين أن يحملوها واشفقوا من تحملها وحملها الإنسان، فإنه كان ظالما جاهلا) (سورة الأحزاب: 72)

المؤمنون بالطبع يُشغلون بأموال حلال غير ربوية ولا مكتسبة من طرق شريرة مثل الربا أو العرض التلفزيوني أو الفجور والاستهتار، ومع ذلك، بتشغيلهم بذلك يحوّلون انتباههم عن ذكر الله ويُشتبك أولوياتهم وتتكون موازينهم الفوز وفقا لشهادة الإله العادل الرحيم.

يُرفع الآذان ويُقام الصلاة ولا يُحرك الناس عن مصالحهم ومعاملاتهم التجارية من أجل الصلاة، فإذا نصحوا أو حاوروا يقولوا إن العمل عبادة والوقوف على عائلاتهم عبادة. نعم، إن كانت هذه الجهود حلالة ولا تحجب عن ذكر الله وليس هدفها التباهي والتفاخر والتثاقل على الأرض.

يقول الله تعالى: (يا أيها المؤمنون إن من أزواجكم وأولادكم أعداء لكم فاحذروهم) (سورة التغابن: 14)، تنبيه إلهي آخر على أن يُشغل الإنسان عن ذكر الله بعائلته أو يجعل قلبه تعلقا بأمورهم، مما يدفعه للقبول بالحرام أو التورط بالظلم أو الغش والمعاصي.

خلق الله الإنسان في هذا الكون برسالة عظيمة وأمانة عظيمة أيضا (إنا عرضنا الأمانة على الكواكب والأرض والجبال فأبين أن يحملوها واشفقوا من تحملها وحملها الإنسان، فإنه كان ظالما جاهلا) (سورة الأحزاب: 72)، وخصص له ما في السماء والأرض وجعله وريثا على الأرض، لكي ينظر في نهاية المطاف إلى أعماله بعد أن يُبتليه في هذه الحياة ليكون الحساب دقيقا بحسب الله عز وجل.

يخاطبنا الله تعالى (نسأل الله أن نكون من أهل الإيمان) ويقول: (يا أيها المؤمنون اتقوا الله ولتنظروا إلى أنفسكم ما قدمتم للغد واتقوا الله، إن الله خبير بما تصنعون) (سورة الحشر: 18)، هل توقفنا يوما لنتأمل ونتدبر ونحاسب أنفسنا لنرى ما قدمنا للغد؟ أم نكون من أولئك الذين يقولون -حسبنا الله ونعم الوكيل- حين يأتي ذلك الغد: (يا ليتني قدمت شيئا خيرا لحياتي) (سورة الفجر: 24).

وتأتي الآية العاشرة من سورة المنافقون بعد تحذير الله من الانشغال بالمال عن ذكر الله لتضع المؤمنين أمام امتحان حول فتنة المال وحبه: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين).

ما نستطيع اليوم قد لا نستطيع غدا، وأن موازين الآخرة تختلف تماما عن الدنيا، فإذا كانت دمعة خشية الله تجنبنا النار وإذا كانت شقة تمرة قد تقينا من الحر الشديد، فالأمور تكون مغايرة في الآخرة

مع وعد الله للمتصدقين بأن المال لا يُنقصهم بالصدقة، تتعثر الكثير من الناس في اختبار المال (وهنا ليس من الحديث عن الربا والاحتيال وتناول المال الحرام وانتهاك الأمانة)، فيرى على سبيل المثال في فرض الزكاة يلتجئون للحيل والتحايل ليقللوا زكاتهم ويظنون أن ممتلكاتهم ستزيد.

هذا يدل على نقص في الإيمان، فمن صفات المحسنين التي ذُكرت في سورة (الذاريات: 9) (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) -وليس الزكاة فحسب-، ويقول الله تعالى (إن رحمت الله قريبة من المحسنين) (سورة الأعراف: 56).

امتحان الحياة صعب للغاية، والأمر جد وليس هزل، والموت أقرب إلينا بكثير مما نتصور، نحن أمام سكرات الموت وما يسبقها والوصول إليها، وضيق القبر وظلمته، وعالم البرزخ، (وخلفهم برزخ إلى يوم يبعثون) (سورة المؤمنون: 100)، ثم يأتي بعد ذلك يوم الفزع الأكبر،

والطريق والمحاسبة والقيام أمام الله، (حين يحييهم الله جميعًا ويخبرهم بأعمالهم التي حسابها الله ونسوها، والله على كل شيء شاهد) (المجادلة: 6).

ما نستطيع القيام به اليوم قد لا نستطيعه غدًا، وأوزان الحياة الآخرة مختلفة تمامًا عن دنيانا، فإذا كانت دمعة تنبع من رهبة الله في لحظة خاصة قد تنجونا من النار، وإذا كانت تمرة مباركة قد تحمينا من حر الجحيم، إذًا، الأمر يختلف تمامًا في الحياة الآخرة، (ولو أن للمظلمين كل ما في الأرض وأضعافه معهم فلا يستطيعون أن يفديوا به من شر العذاب في يوم القيامة، وظهر لهم من الله ما لم يكونوا يتوقعون) (الزمر: 47)، حقوق الناس وتحقيرهم أو انتهاك كرامتهم أو حتى المضايقة للحيوانات، ستُحاسب في الحياة الآخرة، لا بسهولة ولا بيسر، بل بصعوبة وتعقيد، وربّك لا يظلم العبيد.

حياتنا فُرصة عظيمة، وعافيتنا والرزق الذي منَّ الله علينا به نِعم ضخمة، الحياة والدنيا امتحان شاق للغاية، وفي النهاية، (وإن للإنسان إلا ما جاهد) (النجم: 39)، (كل نفس بما كسبت حزينة) (المدثر: 38).

اللهم نرجو منك نهاية حسنة وهداية واستقامة ورشاد، وأن تمنحنا من عندك حكمة وعلمًا ورحمة، إنك الوهاب.

آراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر قناة الجزيرة.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.