الصين وإعادة تعريف الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي
في سياق المواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين في سباق التسلح التكنولوجي، يصبح الذكاء الاصطناعي أحد العناصر الأساسية في تحقيق الهيمنة العالمية. لم يعد التفوق في هذه التكنولوجيا مسألة ثانوية بل أصبح جزءًا محوريًا من الإستراتيجية التي تحدد مكانة الدول العظمى في النسق الدولي.
استثمرت الصين بشكل كبير في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها العسكرية، مما يظهر معها جليًا التوجه نحو التكييف والتطويع للتكنولوجيا الغربية في مسعى لتسريع عملية التنافس مع الغرب، وهو ما يمثل اليوم محور السياسة الوطنية لبكين.
في هذا الإطار، قامت الفرق البحثية بالصين بتطوير نموذج “شات بيت” (ChatBIT)، وهو نظام ذكاء اصطناعي مخصص للاستخدام العسكري، يستند إلى نموذج “لاما 2” مفتوح المصدر المقدم من شركة ميتا (Meta).
شات بيت
يعكس مشروع “شات بيت” تحولًا زلزاليًا في مفهوم الحروب الحديثة، إذ تتيح التقنيات المفتوحة المصدر، للدول ذات الموارد المحدودة تحقيق تفوق في بعض المجالات العسكرية.
قد تمكن الباحثون الصينيون من تكييف نموذج “لاما 2” لتلبية احتياجات الجيش، مما يثير أسئلة عميقة حول الآثار الأخلاقية والأمنية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وخاصة إذا قررت دول أخرى اتباع نفس النهج.
أحدث الكشف عن “شات بيت” ردود فعل متباينة في واشنطن، حيث يظهر قلق الولايات المتحدة من ضغوط المنافسة المتصاعدة مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.
تستمر الصين في السير بخطوات ثابتة نحو تحقيق التفوق التكنولوجي، مدفوعة بقناعة راسخة أن الحروب المستقبلية ستتوقف بشكل كبير على تطور هذه التقنيات.
توضح الوثيقة البيضاء الصادرة عام 2019 بعنوان “الدفاع الوطني الصيني لعصر جديد” أن الحروب الحديثة تتجه بشكل متزايد نحو الاعتماد على الأنظمة الإعلامية والذكاء الاصطناعي، وهذا يتطلب تحسينات كبيرة في أتمتة العمليات وتقدم نظم المعلومات.
تساهم جهود تطوير “شات بيت” من قبل باحثين تابعين للجيش الصيني على نموذج “لاما 2” المفتوح المصدر في كسر احتكار الشركات الكبرى لنماذج الذكاء الاصطناعي.
يركز “شات بيت” على تلبية الاحتياجات العسكرية مثل معالجة البيانات الضخمة والرد على الاستفسارات المعقدة، مما يعكس قدرة الصين على تكييف التقنيات المفتوحة المصدر مع استراتيجياتها العسكرية.
باختصار، يعكس “شات بيت” طموحات الصين في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لدفع الحدود نحو التفوق العسكري وتقوية موقفها في الساحة العالمية.
# الاستخدامات العسكرية لنموذج “شات بيت”
على مر العصور، كانت الحرب دائماً محاطة بالضبابية، حيث أن معرفة نوايا الخصم وتحركاته كانت عوامل حاسمة لتحديد نتيجة المعارك. ومع تطور التكنولوجيا، أصبح بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لتجاوز هذه الضبابية، عبر رصد نوايا العدو والتنبؤ بتحركاته، مما يسهم في إدارة ذكية للعمليات العسكرية.
## خصائص نموذج “شات بيت”
يعتمد نموذج “شات بيت” على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات العسكرية وتقديم دور حاسم في مختلف الجوانب. إليك بعض من ميزاته:
1. **سرعة اتخاذ القرار**: يعزز “شات بيت” وعي القادة عبر تحليل فوري للبيانات، ما يساهم في تخطيط المهام بكفاءة.
2. **دمج المعلومات**: يقوم النموذج بتحليل البيانات من مصادر متعددة مثل الأقمار الصناعية والشبكات، مما يتيح رؤية شاملة للعمليات العسكرية.
3. **تحسين التنسيق**: يسهم في تحسين التنسيق بين الأنظمة المختلفة في العمليات العسكرية المتنوعة.
4. **الاستخدام الإعلامي**: يُستخدم أيضًا لإنتاج محتوى مؤثر يهدف لتأثير على معنويات الخصوم.
5. **تحليل البيانات الأمنية**: يساهم في تحليل معلومات من منصات التواصل الاجتماعي وكاميرات المراقبة لتحقيق وعي أمني أفضل.
6. **الحرب الإلكترونية**: يُعزز استراتيجيات التشويش، حيث أظهرت التجارب الصينية تحسينات ملحوظة في كفاءة هذا القطاع.
![نتائج “شات بيت”](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1733199812_622_إعادة-تصور-الصراعات-في-الصين-بعصر-الذكاء-الاصطناعي.jpg)
## التحديات والقيود
رغم الإمكانات الكبيرة لنموذج “شات بيت”، يواجه بعض القيود التي قد تؤثر على فعاليته:
1. **الاعتماد على البيانات المفتوحة**: يعتمد “شات بيت” بشكل كبير على المعلومات المتاحة علنًا، مما يؤثر على أدائه في حالات تتطلب معلومات سرية.
2. **عرضة للهجمات السيبرانية**: قد يتعرض لنوع من الهجمات يعرف بالهجوم العدائي، حيث يستغل الخصوم نقاط ضعفه لتضليل النظام.
تتطلب هذه التحديات تطوير استراتيجيات متقدمة للأمن السيبراني لتعزيز فعالية النموذج.
## المسائل الأخلاقية واحتياجات الحوكمة
يجلب استخدام “شات بيت” في السياقات العسكرية مجموعة من القضايا الأخلاقية. الحاجة لوضع ضوابط للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية باتت ملحة. التحركات الدولية لمناقشة معايير استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب لازالت في مراحلها الأولية وتحتاج إلى توافق عالمي أكبر.
## مستقبل تقنيات “شات بوت” العسكرية
تعتبر التقنيات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، مثل “شات بيت”، مؤشرات على مستقبل العمليات العسكرية، لكن يجب العمل باتجاه لوائح واضحة وصارمة لضمان الاستخدام الأخلاقي والموجه نحو السلام.### تطورات متوقعة في تقنيات “شات بيت”
من المتوقع أن تشهد تقنيات “شات بيت” والنماذج المشابهة لها تقدمًا كبيرًا خلال الفترة ما بين خمس إلى عشر سنوات قادمة، مما سيعزز بشكل ملحوظ من أهميتها في العمليات العسكرية.
### تحسين دقة التحليل والتنبؤ
تُظهر التوقعات أن هذه النماذج ستتطور لتصبح أنظمة أكثر استقلالية، قادرة على معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات في الوقت الفعلي، بالإضافة إلى القدرة على التنبؤ بدقة غير مسبوقة لتحركات الأعداء من خلال تقنيات التعلم الآلي المتقدمة مثل التعلم العميق.
### التكامل مع تقنيات ناشئة
من شأن دمج هذه النماذج مع تقنيات حديثة مثل الحوسبة الكمية، وتكنولوجيا النانو، والميتافيرس أن يحدث قفزة نوعية في سرعة المعالجة ودقة اتخاذ القرارات. هذه التحسينات ستسمح باستجابة أسرع في سيناريوهات المعارك الديناميكية، خصوصًا في ظل تداخل المجالات العسكرية الخمسة: البرية، والبحرية، والجوية، والسيبرانية، والفضائية.
### استخدامات ذكية في البيئات المحدودة
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يتيح تطوير نماذج ذكاء اصطناعي خفيفة الوزن مخصصة للحوسبة الطرفية (Edge Computing) استخدامها في البيئات التي تفتقر إلى الموارد، مثل العمليات العسكرية الميدانية أو مهام الاستطلاع في المناطق النائية.
### تعزيز كفاءة التعامل المتعدد اللغات
ستساهم القدرات المتطورة في معالجة اللغة الطبيعية (NLP) في زيادة كفاءة هذه النماذج في تنفيذ المهام الاستخباراتية متعددة اللغات، مما يساعد في إزالة الحواجز اللغوية بين الدول أثناء العمليات المشتركة.
### الحاجة لسياسات دولية محكمة
في النهاية، تدفع التطورات المتعلقة بـ”شات بيت” وغيرها المجتمع الدولي لمواجهة تحديات جديدة تتعلق بتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي. يُعتبر استمرار الصين في تطوير تقنياتها عاملاً يحتم الحاجة إلى تطوير سياسات دولية تهدف إلى تنظيم الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى إنشاء معايير للشفافية والمساءلة.
### فهم ديناميكيات سباق التسلح التكنولوجي
ويعكس تطور “شات بيت” القدرة على توظيف التكنولوجيا الحديثة لتلبية احتياجات استراتيجية، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في فهم ديناميكيات سباق التسلح التكنولوجي المستمر بين القوى الكبرى، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة.