إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء

Photo of author

By العربية الآن

الهاربون من بطش الأعداء وظلمة سجونهم.. “إمام” الثورة العباسية يقودها من تحت الأرض ومليار دولار عقوبة لإيواء خليفة مطارَد

إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

الفيلسوف اليوناني سقراط رفض الهرب من السجن لتفادي تنفيذ حكم الإعدام بحقه بعد أن حثه تلاميذه وأصدقاؤه على الفرار. اعتبر سقراط أن الهرب جبن وقرر الخضوع للقوانين التي عاش تحت ظلها، فشرب السم برباطة جأش وفقًا للفيلسوف البريطاني وولتر ستيس في كتابه “تاريخ الفلسفة اليونانية”.

بينما انتهت قصة سقراط باستسلام لمحاكمة ظالمة، تمضي تعاليم الإسلام في مسار آخر، وتبيح الفرار عند الخوف من ظلم الظالمين، وتحرم الفرار في الحرب العادلة لأن ذلك يعتبر هلكة. تعاليم الإسلام معنية بالدفاع عن الثوابت والمقدسات دون أن تلغي غريزة حب الحياة.

المواجهة أو الانسحاب كلاهما موقف يحكمه شروط وملابسات كل حالة في الموقف الإسلامي. عند قراءة السيرة النبوية، نجد أن النبي ﷺ هاجر مسرًا وتجنب المواجهة ما أمكنه. لكن في ساعة الموقف، وقف وأصحابه بصلابة وثبات.

التاريخ الإسلامي مليء بأمثلة للفرار والمواجهة التي ساهمت في استمرار المعارضة للسلطة، وهذا يعكس رفض الإسلام للمواجهات الخاسرة المطلقة. ولأدبيات التواري عن بطش الظالمين عمق في المصنفات الإسلامية، مثل “كتاب المتوارين” للإمام عبد الغني الأزدي.

تتناول هذه المقالة قصصًا لمعارضين اضطروا للهرب والتخفي تجنبًا لبأس السلطة وظلم سجونها، وتروي حكايات عن شجاعة وإبداعهم في وسائل التخفي والمراوغة.

رابط المصدر

لعبة المطاردة بين السلطة والمعارضة

في مشهد يصور التفاعلات الدرامية بين السلطة والمعارضة، يتبادل كل من المطارد والمطارَد الأدوار؛ حيث يمكن أن تصبح السلطة التي كانت تلحق بمن يعارضها مطاردةً في يوم من الأيام. وقد تصل القصص إلى حد الدراما، حيث يختبئ المطارَد في دار المطارد، دون علم أي منهما بحقيقة الآخر، وربما يتحول الهارب إلى محب قريب لمن كان يطارده!

إعلان

أساليب الهروب والملاحقة

تحتوي قصص المطاردة على محاولات الإخفاء والتخفي التي توضح ذكاء الهاربين وحنكتهم، كما تسلط الضوء على براعة المؤسسات الأمنية في المتابعة الدقيقة. ورغم تمدد الرقعة الجغرافية الإسلامية شرقًا وغربًا، إلا أن فرص نجاة الهاربين كانت محفوفة بالمخاطر الشديدة.

1739000093 739 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

استثناء لافت

كره العرب الفرار من المعركة في الجاهلية، وعَدّ الإسلام التولي يوم الزحف من كبائر الجرائم، كما ذكر ذلك في سورة الأنفال الآية 16. امتدح العرب الثبات في القتال وافتخروا بالقتل لا بالنجاة، وأشاد المسلمون بمقاتل يبحث عن الموت في معاركه، كما روى مسلم في صحيحه.

مفهوم الفرار من الظلم

غير أنهم ميزوا بين الفرار من المعركة والهرب من سلطة قمعية، مستشهدين بقول موسى عليه السلام في سورة الشعراء الآية 21، كما نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب استثناء عودة الفرار في سياق مختلف.

رأى بعض المؤرخين أن تحمل “العذاب من الملوك في طلب الملك ليس بعار”، وقد وثق المؤرخون تلك الفكرة عبر التاريخ.

أشار العلماء إلى مشروعية الهروب من الطغاة، حيث يُعتبر الإقامة معهم بمثابة إلقاء النفس إلى الهلاك، كما ذكر الإمام القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري.

اهتم مؤرخو الإسلام بتوثيق أخبار الفارين والمطارَدين، مسلطين الضوء على مآثرهم في مواجهة السلطان الجائر والحملات الأمنية، وسردوا القصص التي تبرز البطولة والذكاء.

إعلان

تضمنت المكتبة العربية الإسلامية أعمالاً تعني بموضوع الفارين، مثل “كتاب المتوارين” للمحدث عبد الغني الأزدي، الذي وثق قصص اختباء الثوار الذين طاردهم الحجاج بن يوسف الثقفي، بالإضافة إلى أعمال أخرى تناولت الظاهرة في مدونات الأدب وتحديدًا في “أدب المحن”.

التاريخ الإسلامي - إصلاح دولة المماليك

شرارة الكلمة

كانت الكلمة النقدية دوماً مصدر إزعاج للسلطة السياسية عبر التاريخ، فكل ثورة تبدأ بكلمة، وتقودها الكلمة وتوجهها. لذا، لم تكن السلطة مرتاحة أمام النقد والمعارضة، مما جعل الكلمات من أهم أسباب الملاحقة السياسية على مر العصور.

ظل السلاطين سياسيون ومجتمعيون أحياناً ضائقين ذرعًا من الكلمات المعارضة منذ نشأة المجتمعات البشرية.

رابط المصدر

الملك الجبري وأشكال المطاردة في الدولة الإسلامية

في منتصف القرن الأول الهجري/الثامن الميلادي، ازداد الاعتراض السياسي والنقد للسلطات في الدولة الإسلامية، مما أدى إلى تنوع أساليب الملاحقة السلطوية. وتفرعت طرق الفرار والتحايل التي اتبعها المطارَدون طلبًا للأمن والنجاة.

ملاحقات متعددة الطبقات

شملت الملاحقات السلطوية طوائف وفئات متنوعة من المجتمع، ابتداءً بمن سعى لتولي مناصب الخلافة والإمارة، مرورًا بالأوصياء وكبار المسؤولين، وصولًا إلى أهالي العلم والشعراء والعامة ممن اضطروا للهرب من قمع الشخصيات المتنفذة.

حركة يحيى بن زيد الثورية

من الأمثلة المبكرة للمكافحين ضد السلطة كان الثائر الهاشمي يحيى بن زيد بن علي، الذي شارك مع والده الإمام زيد بن علي في ثورة ضد الأمويين. بعد أن فشلت ثورتهم واستشهد والده، واصل يحيى حركته في منطقة جديدة مع دعم شعبي آخر.

ونجح أنصاره في إخفائه عن أعين الأمويين حيث سار مع عدد من الزيدية إلى خراسان، حسب ما رواه ابن الأثير وابن كثير.

الانتقال لقيادة جديدة

أوصى يحيى بن زيد بقيادة الثورة لمحمد وإبراهيم الإمامين، حسبما ذكر الشهرستاني. وشارك هؤلاء في نشاطات سرية لإسقاط الدولة الأموية، بمساهمة العلويين والعباسيين.

ركز العباسيون جهدهم على النشاط الثوري، وقاده إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، الذي بقي مختفيًا حتى تعرض للخيانة وتم القبض عليه واغتياله وفق ابن عساكر.

التاريخ الإسلامي - تراث - احتفالات النصر

ملاحقة الأمويين بعد الثورة العباسية

بعد انتصار العباسيين وسقوط الأمويين، بدأت سلسلة من الملاحقات ضد الأمويين ورجالهم. وعلى رأس الجماعات المطاردة كان العباسي سليمان بن علي، الذي عمد إلى التنكيل بهم، كما ذكر النويري في ‘نهاية الأرب’.

إعلان

ومن ضمن الأمويين الذين لجأوا إلى التخفي عمرو بن معاوية، الذي يعبر عن محنته قائلاً إنه اضطر للجوء إلى سليمان بن علي، طالبًا الموت أو النجاة.

رابط المصدر

قصة إبراهيم بن سليمان بين العباسيين والأمويين

يحكي لنا القاضي أبو علي التنوخي في كتابه “المستجاد من فعلات الأجواد” قصة إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الذي نجا من الموت على يد العباسيين وأصبح من ندماء الخليفة العباسي السفاح. يروي إبراهيم أنه أثناء هروبه من العباسيين اختبأ في مدينة الحيرة (جنوب العراق)، وعندما رأى الأعلام السوداء تقترب من المدينة، شكّ بأنها تستهدفه فهرب إلى الكوفة، حيث لجأ إلى منزلٍ كبير.

ملجأ عباسياً لمعادي أموي

كان المنزل الذي لجأ إليه ابراهيم ملكاً لرجل عباسي قتل والده على يد ابراهيم أثناء حكم الأمويين. والتقى إبراهيم بصاحب المنزل العباسي الذي لم يكن على علم بهويته. سأله العباسي عن سبب ادمنه الركوب، فأجابه صاحبنا الأموي القائل بأنه يبحث عن إبراهيم بن سليمان لينتقم لقتل والده. وأدهشه حينها أن القدر ساقه ليختبئ عند من يطلب دمه!

كشف الحقيقة وتجاوزها

في لحظة من الصراحة، اعترف إبراهيم لصاحب المنزل بأنه هو القاتل، وقال له: “أنا إبراهيم بن سليمان قاتِلُ أبيك، فخذ بثأرك!”. ولكن بدلاً من الانتقام، قال الرجل العباسي: “أما أنت فستلقى أبي فيأخذ بثأره منك، وأما أنا فغير ناقض ذمتي”. ثم أعطى ابراهيم ألف دينار (ما يعادل اليوم حوالي 167 ألف دولار) ليخرج بسلام.

معن بن زائدة وفضله على العباسيين

من أبرز القادة الأمويين الذين اضطهدهم العباسيون كان معن بن زائدة الشيباني، وهو جندي شجاع وجواد. اختفى حتى ظهر في عهد الخليفة العباسي المنصور، عندما ثار الخراسانيون في الهاشمية فدافع عن الخليفة بحماس. قدم المنصور الأمان له وعينه في إدارة بعض الولايات حتى اغتالته الخوارج.

1739000095 833 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسيةحروب وكروب

مطاردة العباسيين للعلويين

واصل العباسيون محاربتهم للأمويين والعلويين، وشملت هذه المطاردة العلويين الذين دعموا الثورة في البداية. قام الخليفة المنصور بملاحقة بني عمه العلويين، الذين اعتبروا أنفسهم أصحاب الحق الشرعي في الخلافة، بوصفهم أبناء علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نفس الزكية قاد ثورة ضد المنصور عام 145هـ/763م من المدينة المنورة، بمساعدة أخيه إبراهيم بن عبد الله من جنوب العراق. حظي الدعم من علماء كبار كالإمامين أبو حنيفة ومالك بن أنس.

لكن، بسبب التدابير الأمنية المشددة والمنهجية التي انتهجها المنصور، لم يتمكن النفس الزكية من تنظيم صفوف أتباعه بشكل فعال. اعتمد النفس الزكية على شبكة مخبرين، بينهم الإمام عبد الله بن جعفر، الذي كان من أنصاره الموثوقين.

ابن سعد يذكر أن النفس الزكية كان يلجأ إلى منزل عبد الله بن جعفر في المدينة، بينما كان عبد الله يراقب الأوضاع والأخبار عند الأمراء.

إعلان

رابط المصدر

محمد بن عبد الله تلقى توجيهات بشأن توقيفه، فذهب عبد الله وأخبره بكل ما حدث. بعد مقتل محمد بن عبد الله، اختفى عبد الله بن جعفر وواصل الاختفاء حتى تم تأمين سلامته.

ثورة إبراهيم بن عبد الله

إبراهيم، شقيق محمد بن عبد الله (المعروف بالنفس الزكية)، استمر في التمرد بعد مقتل أخيه، ولكنه اضطُر للتحرك في الخفاء بسبب الضغوط الأمنية المتزايدة. جاء ذلك في رواية أوردها جمال الدين القفطي عن المفضل الضبي.

ذكر القفطي: “قال العباس بن بُكّار الضّبيّ للمفضل: اختيارك للأشعار مميز. هل يمكنك زيادة في الاختيار؟ فأجاب المفضل: ليس هذا اختياري، بل إبراهيم بن عبد الله الذي كان يختبئ لدي هو الذي اختارها، وأمرني بجمعها، فأخرجتها وأصبحت تُعرف باختيار المفضل”.

1739000096 601 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

واقعة باخمرا

التقى إبراهيم مع المنصور في معركة حاسمة في منطقة “باخمرا” بالقرب من الكوفة جنوب العراق، انتهت بهزيمة إبراهيم ومقتله. لاحق المنصور فلول قواته، بما في ذلك قائد الميمنة، عيسى بن زيد بن علي الهاشمي، الذي اختبأ بعد طلبه من قبل المنصور وخليفته المهدي.

ويروي ابن حزم الأندلسي في كتابه ‘جمهرة أنساب العرب‘ أن عيسى بن زيد اختفى لمدة ثماني وعشرين سنة. وكذلك الإمام الحسن بن حي، الذي كان مطلوبًا من العباسيين، اختفى سبع سنوات حتى وفاته.

إعلان

قيادة أحمد بن عيسى

بعد وفاة عيسى بن زيد، حمل ابنه أحمد بن عيسى مشعل التمرد ضد العباسيين. وقد امتدت فترة اختفائه لأكثر من ستين عامًا، كما ذكر الإمام الذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘. وقد كانت له صلات مع تيار المعتزلة، وربما ساعدته تلك العلاقات في اختفائه الطويل.

صلاح الدين الصفدي ذكر في ‘الوافي بالوفيات‘ أن أحمد إدارة الدولة العباسية، منهم يعقوب بن داود الفارسي، الذي تولى الوزارة للخليفة العباسي المهدي. بعد مقتل إبراهيم، اختفى مدة ثم تم العفو عنه.

1739000096 564 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

منعطف حاسم في الدولة العباسية

بعد وفاة الخليفة هارون الرشيد، شهدت الدولة العباسية العديد من التغيرات السياسية. كان لهذه الأحداث تأثير كبير على الأفكار الثورية والتمردات المستمرة ضد الخلافة العباسية خلال تلك الفترة.

رابط المصدر

الصراعات السياسية والمواقف التاريخية في العصر العباسي

بدأت الدولة العباسية تواجه أولى قلاقلها السياسية وضعفها في بداياتها، والذي لم تتعافَ منه بالكامل إلا بزوالها بعد أربعة قرون. كانت أبرز هذه الأزمات الحرب الأهلية المدمرة بين الخليفة الأمين (ت 198هـ/814م) وأخيه وولي عهده المأمون (ت 218هـ/833م) خلال الفترة من 193 إلى 198 هـ (809-814م).

ورغم انتصار المأمون من قاعدته في خراسان، بقي هناك لمدة ست سنوات، مما أتاح الفرصة لتجديد الأطماع في الخلافة داخل البيت العباسي، وخصوصاً بعد ان اتخذ المأمون علي بن موسى الرضا (ت 203هـ/818م) وليًا للعهد، ما أثار قلق العباسيين في بغداد على مستقبل دولتهم.

إعلان

رداً على ذلك، أعلن العباسيون مبايعة إبراهيم بن المهدي (ت 224هـ/839م) للخلافة سنة 202هـ/817م. لكن المأمون وقادة جيشه واجهوه بعزم وقوة حتى انهزم إبراهيم وانسحب، مختبئًا لمدة سبع سنوات. خلال تلك الفترة، حدثت له حكايات طريفة وغريبة، على حد وصف المؤرخ اليمني الطيب بامخرمة الهجراني (ت 947هـ/1541م) في كتابه ‘قلائد النحر’.

دور التجار في الأزمات السياسية

لم يسلم أثرياء التجار المرتبطين بالأنظمة السابقة من المصادرة والملاحقة عند الإطاحة بتلك الأنظمة. يشير المؤرخ الصفدي في ‘الوافي بالوفيات’ إلى أن التاجر البغدادي الحسين ابن الجصّاص الجوهري (ت 315هـ/928م) ساعد الخليفة عبد الله بن المعتز (ت 296هـ/909م) عند ملاحقة المقتدر له، لكن تم الكشف عن مخبأه ومصادرة أملاكه التي قُدرت بستة آلاف ألف دينار.

الهجوم الفاطمي والركون إلى العباسيين

في 443هـ/1052م، أنهى أمير تونس المعز بن باديس الصنهاجي (ت 454هـ/1065م) تبعية بلاده للخلافة الفاطمية، وأعلن ولاءه العباسيين، ما أثار غضب الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (ت 487هـ/1094م). فأطلق مستنصر القبائل البدوية للهجوم على أراضي المعز، ما أجبره على مغادرة عاصمته متخفياً.

إعلان

اندفعت القبائل البدوية إلى أراضي ابن باديس، وضيقوا عليه حتى اضطر إلى الهروب متنكراً في زي النساء. عمدوا إلى تخريب ونهب العاصمة القيروان.

التغير السياسي في تونس

بعد ذلك بثلاثة قرون، اندلعت ثورة شعبية في تونس ضد الدولة المرينية. يروي لنا المؤرخ ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) أن عبد المهيمن بن محمد الحضرمي (ت 749هـ/1348م) اختفى عند أسرة ابن خلدون لمدة ثلاثة أشهر حتى هدأت الأوضاع، ثم استعاد مكانته.

فرار السكان بسبب الحروب

اجتاح الغزاة بغداد في 334هـ/945م، مما أدى إلى هروب جماعي لسكانها من الخوف بسبب النهب والقتل على أيدي الجنود البويهيين.

المصدر: رابط المصدر

قصة أيام عصيبة في تاريخ بغداد

يُذكرُ أن مدينة بغداد شهدت أياماً حرجة في تاريخها، حيث لم يتمكن السكان من تحمل حرارة الجو، فقال أحد شهود العيان: “رأيت عدداً لا يُحصى من أهل بغداد قد أصابهم الحر والعطش، ونحن نركض هاربين، فما شبهته إلا بيوم القيامة!”

تكرار المأساة مع التتار

يعود الأمر إلى حين احتلال التتار لبغداد عام 656هـ/1258م؛ وكان من أول أعمالهم تصفية الخليفة العباسي المستعصم (ت 656هـ/1258م)، ثم قتلوا أمراءه بأكملهم، واستمر قتل أهل بغداد لأكثر من ثلاثين يوماً. وبعد انتهاء فترة القتل، نودي بالأمان، فخرج من كان مختبئاً، وقد مات الكثير منهم تحت الأرض. هذا ما ذكره تاج الدين السبكي في “طبقات الشافعية الكبرى”.

إعلان

الهجوم على مراكش

في الغرب الإسلامي، سيطر عبد المؤمن بن علي الكُومي (ت 558هـ/1162م) زعيم الموحدين على مدينة مراكش عام 541هـ/1147م، حيث استوطنها بعد أن قتل الكثير من سكانها. وبعد أسبوع، نودي بالأمان وخرج من اختفى من أهلها، كما يشير النويري في “نهاية الأرب”.

1739000097 66 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

ثوار علماء

لم تكن السلطة تتوانى في ملاحقة معارضيها سواء في البداية أو بعد الثورة. فبعد الهزيمة تسعى السلطة لتعقب المهزومين، خوفاً من تجمعهم مرة أخرى، ويتعذر على الناجين العيش بسلام، كحال العلماء الثوار في عهد والي العراق الأموي الحجاج الثقفي.

كان من بين الملاحقين سعيد بن جبير (ت 95هـ/715م) الذي ثار ضد الحجاج، وذكر الذهبي أنه اختفى لاثنتي عشرة سنة قبل أن يُقبض عليه ويُقتل، وقد قال: “والله لقد فررتُ حتى استحييتُ من الله”.

كذلك الإمام عامر الشعبي (ت 106هـ/725م) اختفى بعد ثورته ضد الحجاج، وقد سعى يزيد بن أبي مسلم للتوسط له عند الحجاج للعفو عنه.

إعلان

التابعي الجليل الحسن البصريّ (ت 110هـ/729م) حكى في “المحن” معاناته مع الهروب من الحجاج، قائلاً إن الله حماه من الحجاج عدة مرات. كان اختباء الحسن في أماكن مثل بيت أو طاحونة مدة وصلت إلى سنتين.

التحذير قبل الفتك

رغم الاستهداف الحجاج لبن جبير وآخرين، تمكّن بعض الأعيان المسلمين من النجاة عبر تحذيرات كحال الحسن البصريّ، الذي نُبهه يزيد بن أبي مسلم قبل أن يُوقع به.

هذا ملخص للأحداث التاريخية العصيبة التي مرت على مدينتي بغداد ومراكش خلال العصور الماضية، والتي أثرت بشكل كبير على مصير الكثيرين من العلماء والأعيان.

رابط المصدر

محنة الاستتار والنجاة من الحجاج

يحكى عن الإمام الحسن البصري أنه تمكن من الإفلات من الحجاج بتستر دام تسع سنوات. يروي ابن كثير في “البداية والنهاية” أن الحسن سجد لله شكراً عند سماعه خبر وفاة الحجاج، حيث كان مختفياً وظهر عندها.

التاريخ الإسلامي - تراث

ملاحقة مستمرة للعلماء

مع بداية الدولة العباسية، استمرت مطاردة السلطة للعلماء الذين كانوا يمثلون تحديًا لمواقفهم. على سبيل المثال، استهدفت السلطة العباسية ممثلة بواليهم على الشام عبد الله بن علي جميع أفراد المجتمع الشامي الذين كانوا على صلة بالدولة الأموية.

إعلان

كان الإمام الأوزاعي من بين العلماء المستهدفين، حيث استخفى عند شيخه واصل بن أبي جميل، الذي أشار إلى استضافته له خلال فترة تخفيه.

المطاردة الأمنية وسفيان الثوري

تعرض الإمام سفيان الثوري لمطاردة أمنية بسبب مواقفه الجريئة ضد الظلم، مما اضطره للفرار والتواري حتى وفاته بالبصرة.

استهداف الأدباء والمثقفين

لم تقتصر الملاحقة على العلماء والسياسيين فقط، بل شملت الشعراء والأدباء مثل حماد بن أبي ليلى الكوفي، الذي اختفى لمدة سنة عندما اعتلى هشام بن عبد الملك العرش.

يروي الصفدي في “الوافي بالوفيات” عن حماد الرواية الذي اشتهر في البلاط الأموي بعلمه وشعره، واضطر للاختفاء بعد وصول هشام بن عبد الملك إلى السلطة.

أما دعبل الخزاعي، فقد استتر لدى عبد الله بن طاهر بخراسان عندما طلبه الخليفة المأمون، وقدم قصيدة استشفع بها لدى الأمير الذي كافأه بمبلغ كبير.

1739000097 801 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

المحاكمات الفكرية والجدلية

بالإضافة إلى المطاردة السياسية، امتدت الملاحقات لتشمل من لهم آراء فكرية مخالفة أو من اختاروا الزهد في المناصب، مثل الإمام التابعي إبراهيم بن يزيد النخعي، الذي مات مستتراً من الحجاج ودفن ليلاً.

إعلان

يذكر أبو العرب التميمي في كتابه “المحن” أن الحجاج كان يقتل من قرأ القرآن.

رابط المصدر

قراء الإسلام في عصور الخفاء: نماذج من التاريخ الإسلامي

لقد عاش عبد الله بن مسعود -الصحابي الجليل- فترات من الاضطهاد في حياته حيث كان يلجأ للخفاء خلال فترة حكم الحجاج بن يوسف الثقفي. كتب ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” أن الحجاج كان مستبدًا لدرجة أن إبراهيم النخعي كان يقرأ قراءة عبد الله بشكل سري خوفًا من بطشه. كما ذكر حماد بن أبي سليمان أنه بكى فرحة عند سماعه بموت الحجاج، وذلك بسبب خوفه المستمر منه.

من جهة أخرى، كان معمّر بن عباد البصري أحد كبار المعتزلة، بحسب كتاب “تاريخ الإسلام” للذهبي. وكان معروفًا بآرائه الفلسفية المخالفة حتى لأقرانه. تعرض للمطاردة من قبل المعتزلة في البصرة واضطر إلى الفرار إلى بغداد حيث مات مختفياً.

المحنة الكبيرة: خلق القرآن

مع اندلاع محنة خلق القرآن بين عامي 218هـ و232هـ، عانى العديد من علماء الإسلام من اضطهاد السلطة. كان من بين هؤلاء إصبغ بن الفرج الأُموي، وهو من أئمة المالكية في مصر، وقد اضطر إلى الاختباء حتى توفي أيام الخليفة المعتصم العباسي.

صور من التاريخ الإسلامي - السجون

مأساة الازدواجية

الإمام أحمد بن حنبل تعرض للاضطهاد وتمزجت حياته بين الاختباء والسجن. روى ابن أبي يعلى في “طبقات الحنابلة” أن الإمام أحمد اختفى لفترة عند إبراهيم بن هانئ النيسابوري قبل أن يقرر الانتقال للمكان التالي قائلاً: “النبي -صلى الله عليه وسلم- اختفى في الغار ثلاثة أيام ثم دار، وليس ينبغي أن نتبع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرخاء ونتركها في الشدة”.

إعلان

كما تعرض عباس بن موسى الهمذاني لمحنة خلق القرآن. ووفقًا لكتاب “تاريخ الإسلام” للذهبي، فقد اختبأ في بغداد وتعرض لمضايقات كبيرة بعد أن اعترضت السلطات على آرائه.

محنة علماء المغرب

وأثرت السياسة الفاطمية على علماء المالكية في بلاد المغرب قبل تحويلهم العاصمة إلى مصر. العديد من العلماء اضطروا إلى الاختفاء خوفًا على حياتهم، من بينهم عمر بن عبد الله بن يزيد المعروف بابن الإمام الصوفي.

ووفقًا للكاتب القاضي عياض، فقد عاش بلباس التجار بين الناس ليخفي هويته الحقيقية خوفًا من البطش الفاطمي.

رابط المصدر

الزيّ والتخفي: حيل العلماء للهروب من السلطة

شهد التاريخ الإسلامي في بعض مراحله توترات فكرية ومذهبية أثرت بشكل مباشر على حياة العلماء والفقهاء، وفي بعض الأحيان دفعتهم للهرب والتخفي في سبيل الحفاظ على سلامتهم. ومن أبرز تلك الحوادث، كانت فتنة “الكندري”، التي أطلقتها سياسات الوزير السلجوقي أبو نصر الكندري المعروف بانحيازه للمعتزلة وخصومته للشافعية.

إعلان

فرار جماعي والعواقب المترتبة

امتدت فتنة “الكندري” لأكثر من عقد، تحديدًا بين عامي 444هـ و 455هـ، مما أجبر مئات من العلماء والصوفية والقضاة على الهروب من نيسابور ومرو إلى أماكن أكثر أماناً. يذكر السبكي في ‘طبقات الشافعية الكبرى‘ أن عدد الفارين بلغ “أربعمائة قاضٍ” من الشافعية والحنفية.

من بين هؤلاء الفارين كان المحدث أبو بكر البيهقي، وإمام التصوف أبو القاسم القشيري، والفقيه أبو المعالي الجويني، إذ توزعوا في مختلف البلدان، مُحاولين إيجاد بيئة آمنة لممارسة أفكارهم وعلومهم.

قصص فرار مثيرة

تتعدد القصص المثيرة لفرار العلماء، ومنها قصة الإمام الأندلسي أبي الوليد محمد بن عبد الله القرطبي الذي غادر قرطبة عند سقوطها بيد الموحدين. فر هذا العالم عبر عدة مدن قبل أن ينتهي به المطاف في الهند حيث توفي.

يروي المقري التلمساني في ‘نفح الطيب‘ كيف أن رحلة فرار القرطبي أخذته من الأندلس إلى الإسكندرية ثم إلى مكة، وأخيرًا إلى اليمن، قبل أن يختار الهند كملاذه الأخير.

إعلان

الاحتجاج المبطّن والابتعاد عن المناصب

كان هناك نوع آخر من الفرار، هو الامتناع عن تولي المناصب خوفًا من الانحراف عن المبادئ. نجد مثلًا القاضي إياس بن معاوية المُزَني الذي تهرب من القضاء ثم هرب منه بعد أن تعارضت أحكامه مع رغبات الحاكم.

كذلك، شهدنا حالات لعلماء فضلوا السجن على تولي القضاء خوفاً على ضمائرهم، مثل الإمام القاضي شَرِيك بن عبد الله الذي صمت في مجلس القضاء احتجاجاً على إكراهه على المنصب.

تجسد هذه القصص شجاعة العلماء في مواجهة المتغيرات السياسية والاجتماعية، وحرصهم على الحفاظ على مبادئهم رغم التهديدات والمخاطر.

رابط المصدر

الهروب من القضاء في التراث الإسلامي

وفقًا لرواية وكيع بن حيّان الضبي (ت 306هـ/918م) في كتابه ‘أخبار القضاة‘، لم يكن التخفي عن تولي القضاء مقترنًا بمذهب فقهي معين، بل انتشرت قصصه ونماذجه في كافة المذاهب والأزمان. في مصر العباسية نجد الإمام المالكي عبد الله بن وهب الفهري (ت 197هـ/813م) الذي اختبأ لفترة طويلة في منزل أحد تلامذته بعدما طُلب للقضاء، كما يُذكر في كتاب ‘الكامل في الضعفاء‘ للإمام ابن عدي الجُرجاني (ت 365هـ/976م).

إعلان

نماذج متعددة

في مصر أيضًا، نرى الإمام الحنفي محمد بن عبد بن حرب البصري (ت 313هـ/925م) الذي تولى قضاء مصر لمدة تزيد على ست سنوات، ثم اختبأ لعشر سنوات، حسبما ذكره ابن أبي الوفاء القرشي (ت 775هـ/1373م) في كتابه ‘الجواهر المُضِيّة في طبقات الحنفية‘. بالإضافة إلى ذلك، في العراق، كان الإمام الشافعي الحسين بن صالح ابن خيران البغدادي (ت 320هـ/932م) ممن عُرض عليهم القضاء لكنه رفضه وفر من بيته، كما أفاد الذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘.

حظي ابن خيران بدعم كبير من الرأي العام في بغداد، حيث أصبح رفضه القضائي مسألة نقاش عام لدرجة أن الأهالي كانوا يجلبون أطفالهم لرؤية باب داره المغلق بالمسامير كوسيلة لتعليمهم التعامل مع السلطة، حسبما رواه الإمام أبو بكر بن الحداد الشافعي (ت 345هـ/956م).

الأجيال اللاحقة

استمر العلماء في تجنب تولي القضاء حتى القرون المتأخرة، فقد ذكر ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ/1678م) في ‘شذرات الذهب‘ قصة برهان الدين إبراهيم بن موسى الأبناسي الشافعي القاهري (ت 802هـ/1399م) الذي تهرب من القضاء بتفاؤل من القرآن الكريم، حيث عند فتحه المصحف وجد قوله تعالى: ﴿قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ (سورة يوسف/ الآية: 33).

1739000097 1 إمام الثورة العباسية يقودها من الخفاء وهاربون من ظلم الأعداء إمام الثورة العباسية إمام الثورة العباسية

حيَلٌ طريفة للهروب

في ظل سلطة مطلقة وقاسية، كان المخاطَبين يلجؤون إلى وسائل مبدعة للتخفي. لقد تنوعت طرق هروبهم بين استخدام المباني الشاهقة للابتعاد عن الأنظار واليأس من الملاحقة الأمنية، وحتى الاختباء في أماكن غير متوقعة مثل المآذن لتجنب الوصول إليهم، كما فعل الأمير المملوكي حسام الدين لاجين (ت 698هـ/1299م) بعد مشاركته في قتل السلطان الأشرف خليل بن قلاوون (ت 693هـ/1294م)، حيث اختبأ لاجين في مئذنة جامع ابن طولون.

إعلان

وقد استخدمت الجبال والمآذن وكذلك الأفران كوسائل اختباء، لكن الاختباء في الأفران غالبا ما كان ينتهي بالقبض على الهاربين. مثال شهير على ذلك حدث في سنة 321هـ/933م عندما انقلب الخليفة العباسي القاهر بالله (ت 339هـ/950م) على الأمير مؤنس الخادم التركي (ت 321هـ/933م)، فشن حملة تصفية لرجال مؤنس ودولته.

رابط المصدر

الهروب والاختفاء عبر التاريخ الإسلامي: قصص وشخصيات

يعد علي بن بُليق (ت 321هـ/933م) من الشخصيات البارزة التي تمكنت من الفرار والاختباء بمهارة. تمكن علي في البداية من الاختفاء، ولكن “جاء بعض الفرسان إلى القاهر ودلّه على موضعه، فأرسل الجنود إلى الدار التي كان بها وتم تفتيشها ولكن لم يجدوه، ولكنه كان مختبئًا في تنور وتم كشفه وجلبه ثم قُتل”. وذكر أن الإمام التابعي الحسن البصري لجأ سابقًا للاختباء في “طاحنة في بيت”.

إعلان

طرق مبتكرة للهرب

اشتهر والي العراق الأموي عمر بن هبيرة الفزاري (ت نحو 110هـ/729م) بخداعه الذكي، فعندما عزله هشام بن عبد الملك واستبدل بخالد بن عبد الله القَسْري (ت 126هـ/745م)، حدثت مشاحنة بينهما وقام خالد بتقييده وسجنه. حيث استأجر غلمان ابن هبيرة دارًا بجوار السجن ونقبوا نفقًا لإخراجه، ونجح في الفرار إلى الشام. يروي هذا الحدث المؤرخ ابن تَغْرِي بَرْدِي (ت 874هـ/1469م) في ‘النجوم الزاهرة‘.

قد تبدو طريقة استخدام صناديق التخزين العادية مألوفة لتهريب المطارَدين، ولكن استخدام صناديق مطابخ الأمراء هو حقًا “تفكير من خارج الصندوق”. هذا ما فعله الوزير الأيوبي بدمشق ضياء الدين ابن الأثير (ت 637هـ/1239م) في عام 592هـ/1198م، عندما قرر الفرار من دمشق مختبئًا في صناديق المطبخ بسبب الظروف المضطربة.

ومن الطرائف الأخرى لاستخدام المطابخ في الفرار، قيام الأمير يزيد بن المهلب (ت 102هـ/721م) بالتنكر في زيّ الطباخين. ذكر ابن كثير في ‘البداية والنهاية‘ أن يزيد لجأ إلى التنكر كطباخ، بعد أن أغضب الحجاج الثقفي وتركه في السجن تحت مراقبة الحراس، فتنكر يزيد وصنع لهم طعامًا ثم هرب إلى الشام.

صور من التاريخ الإسلامي - الوزراء والأدب

جوائز بُغية الاعتقال

كما يحدث اليوم، كانت الخلفاء والأمراء يقدمون مكافآت مالية مقابل القبض على المطلوبين. الخليفة العباسي المهدي وعد بمكافأة مالية لمن يقوم بتسليم أحد أعداء الدولة، حيث وعد بمئة ألف درهم (حوالي 125 ألف دولار أميركي اليوم) لمن يُدلّه عليه، وفقًا للتنوخي في ‘المُستجاد من فعلات الأجواد’.

إعلان

يسجل المؤرخ الطبري (ت 310هـ/922م) في تاريخه قصة الثائر العلوي محمد بن القاسم بن علي الحسيني، الذي هرب من السجن بينما كان جلساؤه مشغولين بأفراح عيد الفطر عام 219هـ/834م، لكن بعد فراره لم تتوفر أي معلومات عنه. وضع الخليفة المعتصم مكافأة بلغت مئة ألف درهم لمن يدل عليه، ولكن دون جدوى.

التنكر والخداع لتحقيق الأمان

كان تقارب سحنات البشر ومعرفتهم بعضهم البعض من أبرز التحديات التي تواجه المطارَدين، حيث كان التنكر ضروريًا للهرب من مطارديهم وكشفهم. طريقة الفرار بارتداء ملابس النساء كانت الأكثر شيوعًا، بسبب طبيعة زيّهن الساتر وعدم لفت النظر إليهن في المجتمع.

ورغم ما قد يحمله التنكر بزي النساء من معانٍ ثقافية ناقصة، فإن قصص اللجوء لهذه الطريقة تملأ صفحات التاريخ الإسلامي، حيث شملت الشخصيات المشهورة بالشجاعة والبطولة، والمعروفة مثل الوزراء والشعراء.

ومن الطرائف حول هذا الموضوع ما ذكره الجاحظ (ت 255هـ/869م) في كتابه ‘الحيوان‘ حول الشاعر الذي…

رابط المصدر

الكميت بن زيد الأسدي والتخفي للهروب من الظلم

تعرض الكميت بن زيد الأسدي (ت 126هـ/745م) لغضب والي العراق الأموي خالد بن عبد الله القسري المعروف بقسوته، الذي أمر بسجنه. ونجح الكميت في الهروب متخفيًا في زي امرأته، كما فعل المعز بن باديس الصنهاجي حاكم تونس عندما اجتاحت القبائل البدوية القيروان.

صور من التاريخ الإسلامي - الفتوة

نمط شائع في التاريخ

يروي الكاتب الصُّولي (ت 335هـ/946م)، كما نقل عنه الذهبي في كتاب ‘السِّيَر‘، عن نهاية الوزير العباسي أبي الحسن ابن الفرات (ت 312هـ/924م) وابنه المحسن. فقد قبض الخليفة المقتدر على ابن الفرات وهرب ابنه متنكرًا في زي امرأة، إلا أن نازُوك -قائد شرطة بغداد- قبض عليهما، وأرسل برأسيهما للخليفة.

إعلان

ومن الشخصيات التي هربت متخفية في زي النساء الشيخ علوان بن عبد الله المذحجيّ (ت 660هـ/1262م)، الذي حاصرته جيوش السلطان المملوكي المنصور قلاوون، فهرب متخفيًا مع مجموعة من النساء، وفق ما ذكره المؤرخ بهاء الدين الجندي.

التنكر في زي المتصوفة والرهبان

استخدم الكثيرون التنكر في زي الصوفية والرهبان للابتعاد عن الشبهات، مثل رحلات الثوار زيد بن علي وأصحابه. وينقل الأصبهاني في ‘مقاتل الطالبيين‘ عن تنكرهم مع الحجاج في زي الجمّالين حتى وصلوا إلى أمان.

الطبيب والفيلسوف ابن سينا (ت 428هـ/1038م) أيضًا لجأ للتخفي والصوفية بعد وفاة الأمير الذي كان يخدمه، حيث هرب مع أخيه وخادمه في رحلة طويلة وصعبة إلى أصبهان.

يتضح أن استخدام التنكر في زي المتعبدين كان شائعًا في الأمم؛ كما أورد ابن تَغْرِي بَرْدِي في ‘النجوم الزاهرة‘، حيث اعتقل جنود المماليك في الشام ملك الكَرَج متنكّرًا في زي الرهبان أثناء رحلته لمزار القدس.

إعلان

المصدر : الجزيرة

رابط المصدر


أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.