إيديكولات بيع الصحف زيّنت شوارع إيطاليا لعقود وربما تنقرض أمام الصحافة الرقمية
وباستثناء شهر أغسطس/آب حيث تتوقف الأنشطة في إيطاليا بسبب عطلة الصيف،وبإستثناء أيام الأحاد القدسة المتزامنة مع نهايات الأسابيع، يفتحان أليسندرا وباتريشيا منصتهما الخاصة لبيع الصحف في ميدان فيتوريو إيمانويل الثاني، الذي يُعتبر واحدًا من أروع الميادين في روما، عند الساعة الخامسة والنصف صباحًا يوميًا، ثم يُغلقانها مجددًا في الساعة الثالثة ظهرًا.
اكتشف المزيد
قائمة من 4 عناصر
زيادة ضريبة السياحة في مدينة البندقية الإيطالية للحد من السياحة الزائدة
استمتع بجمال وغموض العاصمة الويلزية كاردف من خلال السياحة
رحلة أوليا جلبي: الحج الأوروبي المسيحي إلى القدس العثمانية
مسجد عيسى ابن مريم في الأردن: تاريخ التعايش الديني
نهاية القائمة
أما أليسندرا التي تبلغ من العمر 59 عامًا، فقد أُصيبت بالمرض في الوقت الراهن، رغم أنها أصغر من شقيقتها باتريشيا بعام، مما أدى إلى ترك الشقيقة الأكبر تواجه مستقبلًا مظلمًا وغامضًا.
وتعلن باتريشيا: “لم أعد قادرة على الإستمرار بهذا العمل بمفردي، ولم نجد من يساعدنا أو يتابع هذا الأمر”.
هذا يعني أن إيطاليا ستفقد في القريب العاجل “إيديكولا” الأخير، وهو من بين أكشاك بيع الصحف التقليدية الجميلة التي كانت تُزين شوارع البلدات الإيطالية بمن فيها روما على مدى عدة عقود.
وفي بداية القرن العشرين عندما أخذت الشقيقتان بيسانو الملكية على الكشك، كان هناك أكثر من 36 ألف كشك من هذا النوع في إيطاليا، واليوم لم يعُد يوجد سوى أقل من ثلث هذا العدد وتستمر الأعداد في الانخفاض شهريًا.
تعود هذه الإنخفاض في عدد كشاك بيع الصحف إلى عدة عوامل، منها اختفاء العديد من الصحف المطبوعة بسبب تفوق الصحافة الرقمية، ليس فقط في إيطاليا بل في بقية البلدان أيضًا، وهناك سبب آخر وهو تغير أنماط السياحة.
ومن اللافت بشكل خاص في روما هذه الأيام، أن العديد من الأنشطة التجارية لم تتمكن من الصمود أمام موجة الشتاء، وليست كشاك الصحف هي الوحيدة التي أغلقت، بل أيضًا بعض المحال التي تبيع المنتجات الحرفية واليدوية والملابس بجانب بعض متاجر البقالة المحلية، حيث يبدأ السياح في العودة لزيارة روما المعروفة بلقب “المدينة الأبدية” مع دخول الربيع.
وبدلًا من تلك الأنشطة، يُلاحظ زيادة في حجوزات الفنادق عن طريق منصة “أيرنب”، واهتمام الزوار بمطاعم البيتزا ومحلات الهدايا التذكارية، حيث يحملون حقائبهم أو يسحبونها على عربات.
وحتى عدد كشاك بيع الصحف في جميع أنحاء إيطاليا، البالغ 11 ألف كشك، لا يُكشف عن كامل الواقع.
وفي روما تحديدًا، يُطلق في الكثير من الأماكن، اسم “إديكولا” عن غيرها من الكشك، والتي لم تُخصص لبيع الصحف بل تبيع الهدايا التذكارية الآن.
وفي تلك الكشك التي كان يعتاد شراء الصحف منها، يمكن الآن للسياح شراء الحلي المزيفة، والخوذات البلاستيكية للمصارعين، والجوارب ذات الرسوم الغريبة، والقمصان التي تحمل شعارات جريئة، وألعاب محبوبة للأطفال، وشواحن للهواتف المحمولة، وتذاكر لرحلات الحافلات السياحية لمشاهدة معالم المدينة.
أبدت صحيفة لا ريبوبليكا اليومية الإيطالية، المباعة أيضًا في كشك توزيع الصحف في جميع أنحاء البلاد، أسفها لأن “أصحاب كشك بيع الصحف الذين كنا نثق بهم، تحولوا إلى بيع سلع تافهة وضحّوا بالصحف من أجل تحقيق ربح سريع”.
مع إعلان بابا الفاتيكان فرنسيس لعام 2025 عامًا مقدسًا، يُتوقع تدفق ما يصل إلى 40 مليون زائر على روما، متوقعًا استمرار تحسن قطاع السياحة بينما تستمر مبيعات الصحف في الانخفاض.
التنافس بين المنصات الرقميّة
وأدّى ازدياد الوصول للأخبار عبر المنصات الرقميّة إلى تفاقم انخفاض مبيعات الصحف الورقيّة، خصوصا في مناطق خارج العواصم الكبرى كروما وميلانو وفلورنسا.
وقد ساهم وباء كورونا في تراجع توزيع الصحف، إلا أن الكثيرون يرىون أنّ الأكشاك التقليديّة للصحف لها دور أكبر من مجرّد كشك لتوزيع الصحف والمجلّات؛ إذ تُعد -بمعنى- مركزًا ثقافيًّا ومكانًا للتلاقي والتبادل.
وتقول باتريشيا بيسانو في هذا السياق، “نحن لا نعتبر أنفسنا بالمطلق نقطة بيع فقط، بل نمثّل مكانًا في منطقتنا السكنيّة يتوجّه إليه الجيران للحصول على معلومات متنوّعة وتبادلها؛ كما نمثّل موقعًا يتجه إليه السكّان لمباحثة والنّقاش، وعندما يأتي شخصٌ إلينا يكون مطمئنًا دائمًا بأنّه سيجد هنا شخصًا يتحدّث معه”.
ويتوجّه الزبائن إلى كشك الأخوت في الصباح، حتى قبل تناولهم أولّ فنجان قهوة، وتقول باتريشيا “نشأت معنا أجيال من الأطفال، وهذا ما سأفتقده بشكلٍ أكبر”.
وشاركت باتريشيا مؤخّرًا مع أصحاب أكشاك صحف أخرى في حملة لجذب الانتباه إلى تراجع نشاط بيع الصحف، من خلال تنظيم فعالية بعنوان “ليلة الأكشاك”.
عند حلول الليل يضيء كلّ أصحاب الأكشاك الفوانيس أو الشموع على منصّاتهم، لجذب الانتباه إلى أوضاعهم الصعبة، وناشد أصحاب هذا النشاط التجاري الائتلاف الحكومي اليميني، المؤلّف من 3 أحزاب بقيادة رئيسة الوزارة جورجيا ميلوني بإنقاذ الأكشاك من الانقراض.
وعلى الرغم من المطالبات بالحصول على إعفاءات ضريبيّة ودعم مالي لإنقاذ الأكشاك كأصول ثقافيّة وصلت إلى أذان صعبّة.
وحتى الكشك التقليدي خارج قصر رئيسة الوزراء في قصر كيجي لم ينجُ من الاختفاء.
وكان هذا الكشك الذي كانت تملكه عائلة لوشيانو مونديني الأشهر في إيطاليا، ففي هذا المكان الذي كان يُعتبر نشاطًا تجاريًّا للعائلة، كان من العادة أن تجتمع مجموعات من السياسيّين والصحفيّين للتعليق على آخر أزمات الحكومة.
بعد سنوات من التراجع في مبيعات الصحف في الكشك، باعت بنات مونديني الكشك منذ بضعة أشهر.
واليوم ما زال موقع الكشك موجودا، إلّا أنّه لم يعد يحتوي على بائع، وإذا أراد شخص شراء صحيفة فيمكنه ذلك عبر آلة للبيع.