تزوير الوثائق وتهريب النفط الإيراني
في فبراير 2023، كانت ناقلة النفط “ريمي” متوجهة إلى ماليزيا، تحمل علم بنما ومليء بمليون برميل من النفط المستخرج من العراق، وفقًا لوثيقة بحوزة الربان. ومع ذلك، أكدت الوثيقة، التي أعدتها هيئة ميناء البصرة، أن الشحنة لم تكن سوى واجهة. فالناقلة “ريمي”، التي كانت أيضًا تعرف باسم “ديب أوشن”، كانت جزءًا من شبكة تهريب نفطية تستخدم بشكل سري لنقل النفط الإيراني.
عمليات التهريب المثبتة
تظهر الوثائق أن الربان كان لديه شهادة منشأ من شركة النفط الوطنية الإيرانية، مؤرخة في نفس اليوم الذي تم فيه تحميل السفينة بالنفط. وقد تم ضخ النفط الإيراني إلى “ريمي” من سفينة أخرى ترفع العلم الإيراني، وهي “سونيا 1”. وقد رصدت عمليات النقل عبر الأقمار الصناعية بواسطة وكالة الفضاء الأوروبية.
مع تسرب أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني تتعلق بشركة “صحارى ثاندر”، التي تستخدم أسطولًا من الناقلات، تم كشف النقاب عن كيفية تجاوز الشركة للعقوبات. بين مارس 2022 وفبراير 2024، شحنت “صحارى ثاندر” حوالي 20 مليون برميل من النفط، تعادل قيمتها حوالي 1.7 مليار دولار استنادًا إلى أسعار السوق.
مسار عمليات النقل
نجحت “صحارى ثاندر” في إنشاء تجارة عالمية موازية للنفط، رغم العقوبات القاسية المفروضة عليها. لقد اعتمدت إيران على شبكة من الناقلات التي تخفي نشاطاتها، بالإضافة إلى عملاء محتملين في آسيا، للحفاظ على اقتصادها، حيث حققت صادراتها النفطية حوالي 53 مليار دولار في 2023، وفقًا لتقديرات إدارة الطاقة الأمريكية.
مع انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على النفط الإيراني في 2018، تتزايد المخاوف من استهداف القطاع مرة أخرى في حال عودته لممارسة السلطة.
الحماية المشددة ونقاط الضعف
وكشفت الرسائل البريد الإلكتروني المسربة عن تفاصيل دقيقة حول العمليات اليومية لشركة “صحارى ثاندر”، حيث استخدم المتسللون الإلكترونيون تقنيات للتسرب في فبراير الماضي لكشف سبل تهرب إيران من العقوبات. تم فرض عقوبات أمريكية على “صحارى ثاندر” في أبريل وتوجيهها بأنها “شركة واجهة” للهيئة الحاكمة الإيرانية.
ووفقًا لتحليل رويترز، قامت الشركة بتسليم 18 شحنة نفطية متنوعة عبر أسطول مكون من 34 سفينة. وبينما سُجلت “ريمي” في قواعد البيانات البحرية، كانت تُستخدم عادةً تحت هوية مزيفة، “ديب أوشن”.
توجيه الشحنات نحو الشرق
بينما كان أغلب النفط الذي تنقله “صحارى ثاندر” من إيران، فقد تم توظيفها أيضًا لنقل نفط من دول أخرى خاضعة للعقوبات مما يتطلب العمل سرًا، إذ تم الإقصاء من النظام المصرفي وشركات التأمين.
## تسريب معلومات حول تجارة النفط الإيرانيةأظهرت رسائل بريد إلكتروني مسربة أن سفن شبكة “صحارى ثاندر”، مثل السفينة ريمي وون ياو، قد قامت بنقل النفط من شركتين حكوميتين في روسيا وفنزويلا، مما ساعدهما على التهرب من العقوبات. الغالبية العظمى من النفط المنقول بواسطة “صحارى ثاندر” تم توجيهها إلى الصين، لكن وزارة الخزانة الأميركية لم تعلق على هذه المعلومات.
صرحت وزارة الخارجية الصينية لوكالة رويترز بأنها غير مطلعة على عمليات “صحارى ثاندر” في البلاد، مشيرة إلى معارضتها المستمرة للعقوبات أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران ودول أخرى.
عقوبات شاملة على إيران
تخضع إيران لعقوبات تعتبرها خدمة أبحاث الكونغرس “الأكثر اتساعًا وشمولًا” التي تفرضها الولايات المتحدة. وقد تم فرض هذه العقوبات ردًا على برنامج طهران النووي ودعمها لجماعات مسلحة في الشرق الأوسط. كما أن دعمها لروسيا في حربها ضد أوكرانيا ساهم في تشديد هذه العقوبات.
تعمل هذه العقوبات على منع إيران من الوصول إلى أسواق الطاقة والتمويل، مما يضر باقتصادها ويحد من أنشطتها. نتيجة لذلك، انتقلت بعض تجارة النفط الإيرانية إلى شركات مثل “صحارى ثاندر” التي يمكنها الالتفاف حول القيود وجلب العملة الأجنبية التي تحتاجها البلاد.
قال إسفنديار باتمانجليج، الرئيس التنفيذي لمؤسسة بورس اند بازار في لندن، إن هناك شبكات غامضة متورطة في تجارة النفط المربحة، مشيرًا إلى أن جهات حكومية أميركية تبذل جهودًا غير مثمرة للسيطرة على الوضع.
عمليات تهريب معقدة
في فبراير 2023، كانت السفينة ريمي، المحملة بشحنة نفط إيرانية مموهة، تبحر شرقًا. على الرغم من جهود التملص من المراقبة، سمحت رسائل البريد الإلكتروني المسربة لرويترز بتتبع مسارات الرحلات البحرية للسفن. تلقت سفن “صحارى ثاندر” أكثر من 1500 تحديث يومي عن مواقعها.
بحسب رسائل البريد الإلكتروني، نقلت ريمي 758 ألف برميل من النفط إلى السفينة شاناي كوين. ولكن نظام تتبع هذه السفينة أظهر أنها كانت بعيدة عن موقعها الصحيح بنحو 250 كيلومترًا.
تغييرات في الهوية البحرية
في 24 مارس 2023، التقت ريمي بالسفينة إم.إس إينولا لتحميل حوالي 700 ألف برميل من النفط. وبعد إصلاحات وتجديد لهويتها، تولى الربان تسليم شحنة النفط بالاسم المستعار “ديب أوشن”.
استمرت الأنشطة الخادعة حتى عندما التقت ريمي بالسفينة ديون، حيث كانت هناك علامات واضحة على عمليات سرية. تحول حمل النفط من ماليزي إلى عراقي، ما زاد الشكوك حول المصدر الحقيقي للنفط.
المدفوعات النقدية السرية
تشير رسائل البريد الإلكتروني إلى أن “صحارى ثاندر”، رغم العقوبات المفروضة عليها، كانت بحاجة لتوفير مدفوعات نقدية لخدمات خارج إيران. وفقًا للرسائل، حصلت ريمي على شحنات من الوقود من شركات إماراتية دفعت لها بشكل نقدي.
في أغسطس 2023، تطلبت إحدى الشركات المرتبطة بنقل النفط مبالغ نقدية من “صحارى ثاندر” لتسديد تكاليف تخليص جمركي.
الوجهة النهائية للنفط
تظهر التحليلات أن “صحارى ثاندر” من المتوقع أن تستمر في نقل شحنات إضافية من النفط الإيراني إلى الصين حتى أوائل عام 2024. الشحنة الأولى وصلت في سبتمبر 2023، بينما الشحنة الثانية كانت عبارة عن ما يقارب مليون برميل، تم تسليمها في يناير 2024.
تجارة عالمية
تتجاوز عمليات “صحارى ثاندر” تجارة النفط الإيراني لتشمل نفط دول أخرى تحت العقوبات، مثل روسيا وفنزويلا. في أغسطس 2022، أظهرت رسائل البريد الإلكتروني أن إحدى سفن الشبكة، وون، كانت تتلقى تعليمات لتحميل 1.9 مليون برميل من خام ميري في فنزويلا.
تمثل هذه العمليات صورة واضحة لتحديات العقوبات الدولية وتأثيرها على تجارة النفط العالمية، مع وجود شبكة من المعاملات السرية التي تسعى لتضليل المراقبة.
تحقيق في عمليات تهريب النفط: اتصال بين فنزويلا وروسيا عبر سفن مشبوهةالسفن المجهولة والبيانات الغامضة
لا يوجد سجل لناقلة باسم “ون” في الوقت المحدد، كما أن رقم المنظمة البحرية الدولية لا يظهر. بحسب بيانات تتبع السفن من روك إنتليجنس، كانت ناقلة تُدعى “ون ياو” تتجه شمال غرب إلى فنزويلا قبل وصول السفينة “ون” إلى ميناء خوسيه. واستقرت “ون ياو” بالقرب من البرازيل حتى منتصف سبتمبر (أيلول).
تحليل وكالة رويترز يشير إلى أن “ون ياو” هي الحقيقة “ون”، حيث كانت تقوم بتنفيذ أوامر ناقلة “صحارى ثاندر” بتحميل النفط الفنزويلي. روك إنتليجنس رصدت السفينة في ميناء خوسيه في الأول من سبتمبر، في الموقع المحدد بوثائق “صحارى ثاندر” كموطن للسفينة الخيالية “ون”. لم ترد شركة النفط الفنزويلية (بي.دي.في.إس.إيه) على طلبات التعليق.
انتهت “ون” من تحميل شحنتها في الثالث من سبتمبر، وبعد تسعة أيام، عادت “ون ياو” إلى موقعها بالقرب من سواحل البرازيل. وبهذا، تم شحن 1.9 مليون برميل من النفط الفنزويلي إلى الصين.
السفينة ريمي: شحنة من روسيا
وصلت السفينة “ريمي” بدورها إلى موقع آخر بعيداً، حيث قامت بشحن آخر شحنة لها قبل تسريب رسائل “صحارى ثاندر”، وكانت هذه المرة حمولتها نفط روسي. موسكو تواجه عقوبات صارمة منذ غزوها لأوكرانيا في عام 2022، مما جعلها بحاجة إلى مشترين لنفطها، وكانت ناقلة “صحارى ثاندر” في الخدمة.
أظهرت الوثائق أن “ريمي” حملت 1.05 مليون برميل من خام نوفي بورت من السفينة الروسية “أومبا” في مورمانسك خلال عيد الميلاد لعام 2023. بعد ذلك، بدأت “ريمي” رحلتها عبر أوروبا مروراً بشمال أفريقيا وقناة السويس في طريقها إلى آسيا.
الشحن كان لصالح شركة غازبروم نفت، والتي تعد ثالث أكبر منتج للنفط في روسيا وتخضع لعقوبات غربية. وكان المشترون من “تشاينا أويل هونج كونج المحدودة”، وهي تابعة لشركة النفط الوطنية الصينية. كما لم ترد غازبروم نفت وبتروتشاينا على طلبات التعليق.
تسربت معلومات حول “صحارى ثاندر” قبل أن تكمل “ريمي” رحلتها، ولكن بيانات كبلر أوضحت أن الناقلة سلمت النفط الروسي إلى تيانجين في الصين في 17 فبراير 2024.
زيادة العقوبات على الأسطول
في ديسمبر 2023، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس سفن أخرى مرتبطة بــ”صحارى ثاندر”، ليصل العدد الإجمالي للسفن الخاضعة للعقوبات إلى 21. ولا تزال هناك 13 سفينة غير خاضعة للعقوبات، ومن بينها “ريمي”، التي تشير سجلات الشحن إلى أنها تحمل الآن اسم “ويلما 2”.
تحقيق من قبل رويترز
في فبراير 2024، تسرب المتسللون الإلكترونيون أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني تتعلق بــ”صحارى ثاندر”. وقد قامت رويترز بإدخال الوثائق في أداة البحث (بنبوينت) التابعة لجوجل، والتي تساعد الصحفيين في تحليل كميات ضخمة من المعلومات.
قسمت رويترز كذلك الرسائل إلى مجموعات تتعلق بكل سفينة، عمليات النقل، الشركات، والعقود، مع التركيز على مصطلحات مرتبطة بالصين وروسيا وفنزويلا. تعقبت رويترز أيضاً مواقع السفن من خلال إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي، مما ساعد في تحديد تحركات “صحارى ثاندر” حتى عندما تم إيقاف تشغيل أنظمة التعريف.
تم التحقق من النتائج من قبل روك إنتليجنس، حيث تم التعرف على عمليات النقل بالصورة، ونقاط التفريغ المحتملة، وحالات التحايل.