استعراضات نقدية متنوعة لمشروع حسن حنفي الفكري: محاكمة “الاستغراب”

Photo of author

By العربية الآن

محاكمة “الاستغراب”.. قراءات نقدية لمشروع حسن حنفي الفكري

حسن حنفي "الاستغراب"
بعد أكثر من 25 عامًا من تأسيسه لمشروع “التراث والتجديد”، خصص المفكر الراحل حسن حنفي آخر فصول كتابه “مقدمة في علم الاستغراب” لإظهار ملامح تدفعه للتفاؤل بانتشار هذا العلم (الجزيرة)

بعد أكثر من 35 عامًا على تأسيس علم الاستغراب وثلاث سنوات منذ غياب الدكتور حسن حنفي (1935-2021)، يلاحظ غياب تأثير هذا العلم في مجتمعاتنا.

حسن حنفي الذي كرّس حياته لفكرة تحويل الفلسفة إلى أسلوب حياة واستغلال الإسلام كمنهج للإصلاح، عندما سُئل من قبل أستاذه الدكتور يوسف مراد عن موضوع تخصصه، أجاب بأنه يرغب في تحويل “الإسلام إلى منهج عام للفرد والمجتمع”. بالرغم من تقلباته الفكرية التي بدأت بتأثره بالفكرة الإخوانية ومن ثم تبنيه للفكر الماركسي، والذي أدى إلى ظهور ما يسمى بـ”اليسار الإسلامي” إلا أنه حاول التوفيق بين هذين الاتجاهين، مما نتج عنه مشروعين مهمين في تاريخ الفلسفة العربية وهما “التراث والتجديد” و”الاستغراب”.

التفاؤل والألم

بعد مرور 25 عامًا على مشروع “التراث والتجديد”، خصص حسن حنفي الفصل الأخير من كتابه “مقدمة في علم الاستغراب” لإبراز ملامح التفاؤل بانتشار هذا العلم. مع ذلك، أبدى أسفه لأنه أمضى وقتًا طويلاً في مواجهة التراث، وواجه التراث الغربي فقط في سنوات حياته الأخيرة، مما أدى إلى تسرعه في تأسيس “علم الاستغراب”. كان يأمل في أن تأتي أجيال جديدة لمتابعة مشروعه وبناء هذا العلم الذي أسس له في كتابه.

على الرغم من تجاهل علم الاستغراب في مواجهة الاستشراق الذي لا يزال يهيمن على الساحة الفكرية والثقافية في منطقتنا، فإن حسن حنفي غادرنا بقلب مليء بالهموم حول مصير “علم الاستغراب”، الذي يحتاج إلى نقد بناء تمامًا مثل باقي المشاريع الفكرية الكبرى.

هذا التحقيق يمثل محاكمة لمشروع حسن حنفي الفكري، لا سيما “التراث والتجديد” و”علم الاستغراب”، والغريب أن هذه المحاكمة تأتي من داخل نفس البحر الذي كافح فيه الدكتور حسن حنفي ليعلم طلابه كيفية مواجهة التحديات.

فيلسوف الجيل

التقينا ثلاثة من أصدقاء وتلاميذ الدكتور حسن حنفي، وبقدر ما كانت سعادتنا بقوة منطقهم النقدي، كان ألمنا من الضغوطات التي تعرض لها مشروع نهضوي يواجه المركزية الغربية.

الفيلسوف والمفكر المصري حسن حنفي - المصدر: قناة مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث على يوتيوب
الفيلسوف المصري حسن حنفي ألّف العديد من الكتب وعمل أكاديميًا في مصر والمغرب واليابان، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2009 (مواقع التواصل)
  • هل أثرت أفكار الدكتور حسن حنفي في الشباب العربي؟ وما هي الأدلة على ذلك؟

تجيب الدكتورة يمنى الخولي، أستاذة فلسفة العلوم والرئيسة السابقة لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة، بحماسة قائلة: “نعم، لقد أثمرت الأفكار، وحان وقت الحصاد. يؤسفني أن أستاذي حسن حنفي، فيلسوف الجيل، توفي قبل أن يشهد نضال المقاومة العربية الإسلامية في ملحمة غزة، حيث تواصلت الأعمال الحربية مما أثبت فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه.”

الدكتورة يمنى الخولي أستاذة فلسفة العلوم والرئيسة السابقة لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة
الدكتورة يمنى الخولي أستاذة فلسفة العلوم والرئيسة السابقة لقسم الفلسفة بجامعة القاهرة (مواقع التواصل)

### الدكتورة يمنى الخولي تتحدث عن مشروع حسن حنفي

صرحت الدكتورة يمنى الخولي بأن أستاذها، د. حسن حنفي، يتمتع بعالمية عالية بالمقارنة مع باقي أساتذة الفلسفة. وأشارت إلى أنها زارت جامعات في أكثر من ثلاثين دولة، بدءًا من جامعة كيوتو في اليابان إلى جامعة هاواي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العديد من الجامعات الأوروبية والعربية. حيث إن فلسفة حنفي تتم دراستها في القارات الخمس، حتى أن جامعة هاواي قد نظمت برنامجاً لدراسات العليا حول “التراث والتجديد” في الفكر العربي والإسلامي.

### مشروع ثلاثي الجبهات – التراث والتجديد

وأوضحت الخولي أن مشروع د. حسن حنفي الفكري والفلسفي يتمحور حول ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول يتعلق بموقفنا من الذات، والثاني يتعلق بموقفنا من الآخر، والثالث يتعلق بموقفنا من الواقع. في المحور الأول، يتم إعادة بناء تراثنا بهدف تحويل العلوم القديمة إلى علوم إنسانية حديثة، مستندًا إلى الوحي القرآني كمنطق وجودي لثقافتنا.

كما يتم العمل على المحور الثالث لإعادة النظر في موقفنا من الواقع بالتوازي مع قوى القرآن الكريم. فالتفسير الموضوعاتي الذي يقوم به حنفي، يسعى لاستكشاف معانٍ جديدة للنص القرآني تتجاوز الفهم التقليدي، مما يجعله ذا صلة بالواقع الثقافي المعاصر.

### الاستغراب كأداة للتحرر من المركزية الغربية

وفي الإطار نفسه، يعتبر علم الاستغراب بمثابة المحور الثاني، حيث يهدف إلى فهم الآخر الغربي كنظام تاريخي وثقافي، ليصبح موضوع دراسة بعيداً عن كونه مركزًا للحقيقة. وهذا يعد جزءاً من التحولات الثقافية التي تشهدها الإنسانية التي تنتقل من هيمنة الغرب إلى التعددية الثقافية.

### حوار بين ثقافتين – الاستغراب والاستشراق

تؤكد الخولي أن الاستغراب ليس بديلاً عن الاستشراق، بل يتكامل مع فلسفة التحرير في أميركا اللاتينية. وتتطرق للخلاف الفكري بين حسن حنفي والفيلسوف الأرجنتيني إنريكو دوسل، الذي اتخذ من اليسار الماركسي منصة لتحرير الفلسفة من الأيديولوجيا الاستعمارية.

### انتقادات للهيمنة الثقافية الغربية

يصف حنفي العقلية الأوروبية بأنها تفتقر للوعي بخصوصيتها التاريخية، رغم امتلاكها لمفاهيم متطورة. هذه الهيمنة الثقافية على باقي الثقافات هي نتيجة لجمعها بين المنطق وقوة السلاح التي خدمت مصالحها.

### مشروع مواجهة الاستعمار

يعد مشروع حسن حنفي الفكري بمثابة فعل مقاوم للمركزية الغربية، ويدعو إلى بناء معرفة جديدة تعزز من الهوية الثقافية للعالم الإسلامي وغيره من الثقافات المتعددة، مما يسهم في إعادة توزيع القوة الثقافية في العالم المعاصر.### الاستغراب والفكر العربي المعاصر

يعد علم الاستغراب في الثقافة العربية الإسلامية وفلسفة التحرير المعرفي في أميركا اللاتينية مشروعي مواجهة لاستعماريات الفكر. يسعى هذا العلم إلى تعزيز الهوية الحضارية والثقافية للشعوب النامية، ومساعدة إنسان الشرق على التحرر من الإحساس بالدونية وإلهامه للإبداع.

### الحفاظ على الهوية الثقافية

يلعب علم الاستغراب، بجانب مشروع “التراث والتجديد”، دورًا محوريًا في تعزيز هوية الأمة العربية. يعمل على مواجهة تحديات متعددة، بما في ذلك قمع الحريات والتبعية الاقتصادية والسياسية للاستعمار الجديد، ويدعو إلى مقاومة الصراعات التي تهدد الثقافة والسلام العالمي، مثل الصراع مع الصهيونية.

### إنجازات يمنى الخولي

تحدثت يمنى الخولي عن فخرها بتحقيق سبعة أبحاث مرجعية في فلسفة حسن حنفي، وكشفت عن أحدث إصداراتها لعام 2024، والتي تتضمن كتاب “المنهج في مشروع التراث والتجديد”، بالإضافة إلى كتاب “منهجيات راهنة نحو المستقبل”، بالتعاون مع الدكتور عادل مصطفى.

![كتاب “المنهج في مشروع التراث والتجديد”](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1733199938_732_استعراضات-نقدية-متنوعة-لمشروع-حسن-حنفي-الفكري-محاكمة-الاستغراب.png)
*كتاب “المنهج في مشروع التراث والتجديد” مقاربة تحليلية ونقدية لمعالم المنهج والمنهجية في مشروع “التراث والتجديد”، متخذين مثالا عينيا تطبيقيا هو محاولة “حسن حنفي” لتشييد علم كلام جديد، يحملها كتابه “من العقيدة إلى الثورة” 1988م (الجزيرة)*

### الاستشراق ومدى تأثيره

في تحليل مستقبل علم الاستغراب للدكتور حسن حنفي، يشير الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة في جامعة حلوان، إلى أن هذا العلم حديث نسبياً، وهو بمثابة الرد على علم الاستشراق الذي تعرض لانتقادات حادة في السنوات الأخيرة. يرى مغيث أن الاستشراق قدم تصورات نمطية عن الشرق، مشيراً إلى ضرورة فهم الشرق كتاريخ ديناميكي وليس كثقافة ثابتة.

![الدكتور أنور مغيث](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1733199938_169_استعراضات-نقدية-متنوعة-لمشروع-حسن-حنفي-الفكري-محاكمة-الاستغراب.jpg)
*الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة حلوان، والمدير السابق للمركز القومي للترجمة (مواقع التواصل)*

### المستقبل غير المؤكد

يدعو مغيث إلى الحذر من نفس الانتقادات الموجهة للاستشراق فيما يخص علم الاستغراب، محذراً من أن هذا العلم يختزل الغرب إلى كيان واحد دون تفكيك مركباته المختلفة. ويشير إلى أن الزمن لم يكن كافياً ليعطي الاستغراب فرصة حقيقية لتطوير المعرفة، مما يترك مستقبل هذا العلم في حالة ضبابية. وفقاً له، إن الأبحاث التي أتى بها حسن حنفي غالباً ما تستند إلى أحكام أخلاقية، بدلاً من تقديم معرفة جديدة.

يستنتج مغيث أن مشروع الاستغراب قد يفتقر إلى مستقبل زاهر، مما يثير تساؤلات عن جدوى هذا المشروع في عالم متغير.## التراث والتجديد: دعوة إلى الاستفادة من التاريخ

يتطلب منا التراث والتجديد أن نوجه عقولنا نحو الإرث الثقافي للاستفادة منه في تحسين أوضاعنا. من ناحية أخرى، يطرح الدكتور حسن أسئلة حول كيفية رؤية الشرقي إلى الغربي، حيث يبرر في مقدمة عمله حول الاستغراب اعتبار هذا العلم جديداً. وبقية الكتاب تعرض لمفاهيم الفلسفات الغربية مثل آراء ديكارت وسبينوزا.

## التعقيدات الفكرية للاستغراب

رغم ذلك، فإن وضع الاستغراب قد يكون مقلقاً، لأنه يربط الحقيقة بالهوية، والعلم نفسه يعني البحث عن الحقيقة أو دراسة الظواهر وتطوير نظريات حولها. يستنكر الاستغراب تطبيق النظريات الغربية على المجتمعات الشرقية، والميزان هنا يجب أن يكون قدرة النظرية على تفسير الظواهر وليس مصدرها. هذا الاختلاف الضبابي يؤدي إلى موقف غير مريح معرفياً.

## مشروع الدكتور حسن حنفي

ظهر مشروع الاستغراب للدكتور حسن حنفي لاحقاً عن مشروع “التراث والتجديد”، لكنه يرتبط به بشكل واضح. يتمتع الدكتور حسن بخبرة واسعة في الفلسفة الغربية، حيث كتب وترجم عن العديد من الفلاسفة، لكنه يؤمن بأن الاستفادة من الفلسفة الغربية لن تؤدي إلى تحسين الواقعين العربي والإسلامي، بل يجب التركيز على تقديم رؤية ثورية للتراث تتماشى مع تطلعات الجماهير المعاصرة كالحرية والعدالة الاجتماعية.

وعندما أثيرت أسئلة حول دور أساتذتنا الذين كتبوا عن الفلاسفة الغربيين، أكد الدكتور حسن أن الوضع مختلف وأكد على ضرورة استكشاف هذا الاختلاف.

## قضايا التبعية الفكرية

يتبنى البعض فكرة أن أي مفكر يتبنى نظرية غربية يصبح تابعاً للفكر الغربي، وهو ما يعتبره الدكتور أنور غير منطقي. فقد تكون هناك أفكار تتناغم أو تتعارض مع أفكار أخرى، ويجب أن تبقى حرية الاختيار قائمة دون قيود.

## العقلانية كأيديولوجيا

من جهة أخرى، تطرح فكرة أن عقلانية ديكارت أو فلاسفة التنوير الغربيين لا تتجاوز كونها أيديولوجيا تهدف إلى السيطرة. وهذا تصور خاطئ، فهم كتبوا من أجل تحرير شعوبهم ولم يكونوا أدوات للدعاية الاستعمارية، رغم وجود قوى استعماريّة في الغرب.

## ضرورة تجديد الفهم

بناءً على ذلك، يعتبر مشروع الاستغراب غير مريح معرفياً وغير مثمر في سعي المواطن العربي لفهم العالم.

## حنين الدكتور حسن حنفي

أفاد الدكتور مغيث بأن الدكتور حسن عبر عن ندمه حيال تركيزه على التراث وإساءة فهم تلاميذه لأفكاره، مشيراً إلى أن بعض الأفكار مثل تلك المتعلقة بسارتر وماركس رفضت بحجة انتمائهم للخارج.

أعرب الدكتور حسن عن أمنياته في أن يكون فكره منارة للنور، إلا أنه وجد من يستخدمه كأداة للانغلاق. في بعض المقاطع، يتناقض مشروعه بشكل لافت، بين التوجه نحو الحداثة والعقلانية من جهة والتراث من جهة أخرى.

## مواجهة الهيمنة

في ختام هذا الحديث، يلفت النظر إلى ضرورة مواجهة الهيمنة الفكرية واستكشاف التراث بعيون جديدة وبإعادة تفسيره ليخدم قضايا العصر المعاصرة.# المقاربة بين الاستغراب والاستشراق: رؤية نقدية

## مفهوم الاستغراب وتحديات الهيمنة الغربية

يتناول النقاش حول الاستغراب والعلاقة مع الغرب جوانب متعددة، حيث يعتبر الاستشراق وسيلة من وسائل الاستعمار الغربي ضد العرب والمسلمين، بينما يمكن أن يكون الاستغراب سبيلاً لمقاومة الهيمنة الغربية والحفاظ على هوية الأمة. الاعتقاد السائد هو أن الاستغراب يجب أن يشكل قوة دافعة نحو التنمية الاقتصادية والسياسية المستقلة.

## رؤى المفكرين الإسلاميين حول مواجهة الغرب

يرى أن مقاومة الهيمنة الغربية تتطلب أكثر من مجرد الأفكار، بل تحتاج إلى تطوير استراتيجيات عملية تتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وقد أثبتت محاولات سابقة في التاريخ أن تبني نمط الحياة الغربية من شتى الزوايا بما في ذلك السياسية والاجتماعية التقدمية هو السبيل لتحقيق مكانة رائدة في العالم.

## أهمية التراث والتجديد في الفكر العربي

الدكتور أحمد عبد الحليم عطية، أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، يشير إلى أن الاستغراب جزء أساسي من المشروع الفكري للدكتور حسن حنفي الذي يسعى إلى الدمج بين التراث العربي والإنجازات الغربية. هذا الاتجاه ظهور في السبعينات ويشير إلى الحاجة إلى نظرة تحليلية تتعامل مع الإرث الثقافي والنمو المستقبلي.

## التيارات الفكرية المختلفة حول الاستشراق

تتعدد المواقف الفكرية حول الاستشراق؛ أولها يتعلق بتيارات الاستغراب الدينية، وثانيها يتبلور في نقد الاستشراق الذي تجسده كتابات مفكرين مثل أنور عبد الملك وفؤاد زكريا وإدوارد سعيد. بينما يشير الاتجاه الثالث إلى التحولات الثقافية الناجمة عن الاستعمار وما بعد الكولونيالية، والتي تناقشها شخصيات مثل حميد دباشي.

## التجدد الحضاري: المستقبل في مواجهة التحديات

قدم حسن حنفي تصورًا لفهم العلاقة بين الإنجاز الحضاري العربي والإسلامي من جهة، والإنجاز الغربي من جهة أخرى. من خلال هذه المقاربة، يسعى الفكر العربي المعاصر إلى تحقيق تكامل يتجاوز الاعتماد على التراث فقط، ليشمل أيضًا التحديث والتطوير بما يتناسب مع تحديات العصر الحالي.# مشروع التراث والتجديد: بين الإعجاب والنقد

يُظهر أصحاب مشروع التراث والتجديد إعجابًا كبيرًا بالثقافة الغربية، رغم توجيههم نقدًا قاسيًا لها، مما يعكس تناقضات في موقفهم. يُعتبر هذا النقد مُوجهًا إلى المنظر الذي أسس المشروع، وهو حسن حنفي، الذي يتأرجح بين الإعجاب بالغرب كمجسد للوعي الثقافي، وبين تأثيراته من تيارات متعددة في هذا الوعي. حصل حسن حنفي على شهادة الدكتوراه في عام 1966 من فرنسا، وركز في عمله على علم الظاهريات، وهو ما شكل نقطة البداية لمشروعه الذي يتناول علاقة الثقافة العربية بالغرب.

إن علم الاستغراب في هذا السياق، يمثل محاولة للتفاهم مع الغرب، وليس نقدًا جذريًا كما في كتابات أنور عبد الملك وفؤاد زكريا وإدوارد سعيد.

![نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1733199938_280_استعراضات-نقدية-متنوعة-لمشروع-حسن-حنفي-الفكري-محاكمة-الاستغراب.png)
*في هذا البحث الصغير، يعالج فؤاد زكريا فكرة نقد الاستشراق معالجة تشمل كلا الجانبين، متناوِلا كتابات أصحابها بالنقد المنهجي، بالإضافة إلى تحليل اجتماعي نفسي لحركة الاستشراق ولنقادها أيضا (الجزيرة)*

## مصير المشاريع الفكرية الكبرى

عند الحديث عن مصير مشروع حسن حنفي وموقفه من الغرب، يُشير الدكتور عبد الحليم عطية إلى ضرورة فهم المشاريع الفلسفية العربية، ملقيًا الضوء على أمرين: الأول هو أن المفكرين، مثل محمد عابد الجابري وحسن حنفي، لم يُطلقوا على أعمالهم مصطلح “مشروع”، باستثناء الطيب تيزيني. الثاني هو أن هذا المصطلح جاء نتيجة كتابات محمود أمين العالم خلال وجوده في باريس.

كما أن استخدام مصطلح “مشاريع” على أعمال هؤلاء المفكرين يُظهر ترددنا في وصفها بالفلسفة. فبدلًا من ذلك، يجب أن نبدأ في استخدام مصطلح “الفلسفة العربية المعاصرة”، الذي يشير إلى الأعمال التي يقدمها الفلاسفة العرب، سواء كانت متوافقة مع أو مختلفة عن الفلسفات الغربية.

## إشكاليات تجاهلت قضايانا الحياتية

تناقضت إشكالية الفلسفة في العالم العربي مع القضايا الحياتية التي نعيشها، حيث أصبحت مشكلتي التراث والفكر الغربي معزولة عن المشاكل والهموم الفكرية اليومية. فعلى الرغم من أنفكار القدماء والإنجازات الغربية تُعتبر أساسية، إلا أنه يتوجب استحضار قضايا الحياة الحقيقية لتحديد آليات التفكير والنقد في التراث.

هذا التوجه أدى إلى خيبة أمل في التراث الغربي لدى عدد من المفكرين العرب، أبرزهم حسن حنفي، الذين اكتشفوا أن الفكر العربي لا يمكن أن يقتصر على الاجتهادات الفردية، بل يجب أن يكون مشروعًا جماعيًا يساهم فيه الجميع.

## مشروع أصولي بالأساس

تجسد المشكلة الأعمق في غياب مشروع فكري فلسفي متكامل في العالم العربي، حيث كان حسن حنفي يأمل في إقامة مدرسة فلسفية تُعنى بالأفكار العربية، وتكون بقيادته. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه الفكر العربي المعاصر تدلّ على ضرورة إعادة التفكير في الإطار الفكري وتوجيه النقاش نحو قضايا حقيقية يتعامل معها المجتمع العربي بصورة جدية.## مقارنة بين رؤيتين فلسفيتين

### مشروع مصطفى عبد الرازق

يطرح الدكتور عطية تساؤلاً حول سبب عدم تحقق المدرسة الفلسفية التي كان حسن حنفي يسعى إليها، ليقارن ما قدمه الأخير في السبعينات بمساعي الشيخ مصطفى عبد الرازق في الثلاثينات من القرن الماضي. إذ كان عبد الرازق يهدف إلى تأسيس مشروع مصري نهضوي يشمل قوى مختلفة تدعو لمصر للمصريين. في تلك الفترة، كانت هناك حرية فكرية واسعة، تمكنت من إفساح المجال لمفكرين مثل آل عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين. كما برزت “مصر الفتاة” كمنصة لعبد الرحمن بدوي، لتقديم أفكار وقضايا هامة، خاصة مع بدء ثورة 23 يوليو 1952.

### الفلسفة المصرية وأفكار حسن حنفي

شهدت الساحة الفلسفية المصرية تأثيراً كبيراً من الشيخ محمد عبده، الذي ساهم في نشر أفكار مصطفى عبد الرازق. وقد ضمت الفلسفة التي قدمها علي سامي النشار عناصر تدعم هذه الرؤية. بينما كان حسن حنفي يسعى لإنشاء مدرسة فلسفية تركز على التوافق مع الغرب. لكن في مقابل ذلك، كانت هناك نهضة مصرية أسستها فلسفات أحمد لطفي السيد وعبد الرازق.

يتعلق موقف حسن حنفي من الغرب بنقده للتراث، حيث أراد تعزيز الفلسفة وعلم الكلام كوسيلة لإحياء الفكر الإسلامي. لكنه واجه تحدياً في كون الأصولية بديلًا للفكر المعاصر والنظريات التحررية.

## الصلح بين الدين والثورة

### تساؤلات حول فلسفة حسن حنفي

يتساءل البعض عن مدى صحة مسار حسن حنفي، حيث يعبر عن ندمه في كتابه “مقدمة في علم الاستغراب” على الانشغال بالتراث العربي دون أن يهتم بتراث الغرب. رغم ذلك، يشير الدكتور عطية إلى أن حسن حنفي بذل ما في وسعه، ولكنه تعرض للإحباط نتيجة لعدم وجود فلسفة مصرية واضحة المعالم، بسبب تركيزه على الصلح بين الدين والثورة.

تجلت التحديات أمام حسن حنفي، حيث تم مهاجمته من كل من الإسلاميين والفلاسفة، مما أدى إلى نقد مشروعه. ومن الضروري السعي لتحويل مشروع التراث والتجديد إلى أداة للحاضر والمستقبل، بعيدًا عن الأصولية والتصالح، نحو تأسيس شامل يتجاوز القيود القديمة.

### الخاتمة

بشكل عام، تدعو الرسالة المستخرجة من مشروع حسن حنفي إلى تطوير الفلسفة المصرية لتصبح عنصرًا فاعلًا في بناء مستقبل مشرق يتجاوز الأزمات الحالية.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.